وفي أوايله حضرنا مع نقيب الأشراف إبراهيم أفندي بن حمزة، ويوسف أفندي قاضي قبرص، بقصر سنان آغا بالصالحية، بحكر الأمير المقدم، وكان ليوسف أفندي أربعون سنةً مفارقًا دمشق، وأصله من طلبة العلم والتصوف، تعانى التجارة مدةً بدمشق، ثم أخذته المقادير إلى الروم، فتعرف بها بآغة البنات بزي جماعة سرايا فرقاه في المناصب والملازمات حتى صار من موالي الروم، وتولى قضاء بير الأغراض وبرصا وقبرس، وقيل أُعطيها سركنةً والله أعلم.
فتوجه بعد فراغ منصبه لدمشق وأبقى ولده في بقية المدة، ونزل دارًا حسنةً بدمشق في وقف بني الأسطواني، نواحي الخضراء.
الطريقة الخلوتية
أخذ في بدايته طريق الخلوتي عن السيد محمد العباسي الخلوتي، قطب زمانه، وصحب الوالد مدةً، ولما ورد سأل عني وأرسل إلي متوددًا، لمحبته في الوالد، مع شيخنا الشيخ العالم العلامة عبد الرحمن السلمي النحوي، وكان أخاه في طريق السيد محمد العباسي.
وحكى رحمه الله تعالى، أن شيخه دعا له في رؤيا رآها وبشره فيها. قال: لما توفي شيخنا السيد محمد العباسي، وقام بالأمر بعده شيخنا الشيخ عيسى الخلوتي سنة ١٠٧٤، وذلك يوم السبت في ربيع سنة ١٠٧٤، ودفناه في الدحداح، نمت تلك الليلة كئيبًا حزينًا لا أدري كيف أتوجه، فرأيت أني داخل التربة، وإذا بالقبر مفتوح، والشيخ جالس على ركبه، واضع يديه على ركبتيه معتمدًا عليهما، قال: وكان هذا دأبه.
فقال: يوسف بحذف حرف النداء أخذت على عيسى؟ خذ على عيسى فإني خلفته، فاستيقظت، وكان وقت آخر الليل، فقمت وتوضأت وذهبت إلى عند شيخنا الشيخ عيسى للمدرسة السميساطية، فرأيت ضوءه مشعولًا، فطلعت إلى خلوته بها، فرأيته يصلي التهجد، فوقفت إلى أن فرغ وسلم، فقال لي: لولا أرسلك السيد محمد العباسي ما جئت، اجلس، فجلست فبايعته.
ثم في الليلة الثانية رأيتني داخلًا إلى التربة، وإذا بقبر الشيخ مفتوح، والشيخ جالس على الهيئة التي سبق ذكرها، فقال: يوسف بحذف حرف النداء أخذت على عيسى؟ قلت نعم يا سيدي، فقال: أسعدك الله.
حكايته في الروم
فأخذتني الأقدار إلى الروم، ولما وصلت إلى الروم جلست في خلوة في بعض المدارس، غريبًا فقيرًا، لا أحد يلتفت إلي مدة أربعة أشهر. فبينما أنا في بعض الأيام، وإذا بعبد أسود مكلف يقول: أين يوسف أفندي؟ فلم أرد، ظننت أنه يطلب أحدًا من الأروام، فلم أرد ولم أخرج إليه.
فقال لهم: يوسف أفندي الشامي، الذي جاء من الشام منذ أيام، فأشاروا إلي، ففتحت له فقال: قم كلم الآغا. فقمت معه إلى أن وصلنا إلى داره، فلما دخلت عليه قام واعتنقني وسلم علي سلام مودة بالغة، ولم يكن سبق لي صحبة معه ولا اجتماع. فأمرني بأني أُجعل خجا لأولاد خزنته فامتثلت، وأمر بأسبابي التي بالمدرسة أن يأتوني بها إلى مكانه الذي أنا فيه، وفرش أوضةً حسنةً بداره وخادمًا، إلى غير ذلك من البر والإحسان والعلوفة مما لا يحصى، إلى أن ترقيت إلى المدارس إلى القضاء، وكل ذلك ببركة سيدي السيد محمد العباسي ودعاءه الذي دعاه.
وفيه كانت الخلوة البردبكية بدمشق وذلك في محرم سنة ١١١٢، وكانت الخلوة تحكم في ذي الحجة في سنة إحدى عشرة، في ذي الحجة قبل محرم، فلذا لم تذكر في سنة إحدى عشرة، والله أعلم.
يوسف الحنفي
وفي آخره توفي يوسف أفندي بالإسهال، وصلى عليه الشيخ عثمان القطان، ودفن في البقعة المقابلة لشباك الشيخ أرسلان، وذلك يوم الاثنين في المحرم من السنة المذكورة، عفي عنه آمين.
كارثة الحج
1 / 8