48

Yawm Islam

يوم الإسلام

Genres

وإلى جانب الشعر كان الغناء في الحجاز، وكانت الحجاز تصدر المغنين والمغنيات لقصور الخلفاء، ومن أولهم معاوية، كان يهوى سماع حكمة الشعر تصدر مع جمال الألحان. وذكر صاحب العقد أن بديحا المغني غناه شعرا في فتاة كانت تتولى خضابه فقال:

أليس عندك شكر للتي جعلت

ما ابيض من قائمات الشعر كالحمم

وجددت منك ما قد كان أخلفه

صرف الزمان وطول الدهر والقدم

فطرب معاوية طربا شديدا وقال كل كريم طروب. واشتهر من المغنيات في العصر الأموي سلامة القس، وقد أخذت أصول الغناء عن معبد وابن عائشة وجميلة، وسميت بسلامة القس؛ لأن عبد الرحمن بن أبي عمار الخثعمي - أحد قراء المدينة - شغف بها، وكان يلقب بالقس لتقاه وورعه، وقد اشتراها يزيد بن عبد الملك حينما وفد إلى المدينة. وعرف بالمهارة في الغناء طويس المغني، وكان يجيد النقر على الدف، وكان يميل لمجالسته والاستماع لإنشاده أبان بن عثمان حاكم المدينة.

واتخذ الخلفاء مجالس السمر يتحدثون فيها عن الأدب، ويحضرها نخبة من كبار الشعراء، وكانت هذه المجالس عارية عن الشراب أولا، ثم أباحوها ثم شربوها، واجتمع الشعراء بباب معاوية وباب الحجاج، وغيره من الخلفاء والولاة والقواد وهكذا من كثير مما لا يعرفه الإسلام.

كل هذه الأسباب تجمعت وكانت سببا في سقوط الدولة الأموية وقيام العباسيين بعدهم ينكلون بهم ويفتكون بكل من عثروا عليه منهم.

وكان من رجالات الدولة العباسية أبو جعفر المنصور، وهو يشبه معاوية في الدولة الأموية، قوي، حازم، وعلى يده تأسست الدولة، ثم هارون الرشيد، وقد كان حاد العاطفة متقلبها: تتحرك عاطفته الدينية فيكثر الصلاة، ويحج ماشيا، ثم تثور عاطفة الشهوية فيشرب ويمعن في الشراب ويحظى بالجواري الحسان. وربما عرفت أوروبا الإسلام عن طريقه، وتصورته من صورته، بل ربما تصورت العالم الشرقي كله ممثلا فيه وفي ألف ليلة وليلة الذي اشتهر صيته بينهم، وفيه صور كثيرة لا يرضى عنها الإسلام. ووزراؤه البرامكة كانوا كزياد بن أبيه والحجاج في الدولة الأموية، إلا أن زيادا والحجاج نزعتهما عربية والبرامكة كانت نزعتهم فارسية؛ فهم من أصل فارسي وثني يعبد النار، فقد استعمل فيهم أيضا عاطفته، فمكن لهم في الأرض حتى كانت لهم كل السلطة، ثم غضب عليهم فقتل منهم جعفرا وبعض أشياعه، فصلبه بعد أن حز رأسه. ثم كان خلفه المأمون، وقد كان له عقل واسع حمله أن يخدم الثقافة من طريقة اهتمامه الشخصي بالعلوم اليونانية خلال العشرين سنة التي حكمها، فكان يشتري الكتب اليونانية حيثما اتفق، ويشجع على ترجمتها ثم التأليف منها، وحاول أن يجمع في مكتبته التي في بلاطه والتي ببيت الحكمة كنوز العلوم اليونانية والفارسية والهندية، وعني بالعلوم الرياضية، ومنها علم الفلك، فترجمت له مصنفات أقليدس، ونقلت كتب بطليموس في الفلك وتصويره للأرض، وقد أمر المأمون بمراجعة جداول بطليموس هذا وأصلح منها، وكان ذا شغف بالمناظرات الكلامية - كما حكت لنا كتب الجدل - فهو يقرب المتكلمين إليه، ويدخل في الجدل معهم كما كان أبوه الرشيد يقرب الشعراء، وأيد المعتزلة ونصرهم على أهل السنة. ولما أمعن الفقهاء في شكل العبادات دون روحها، واخترعوا العلل في الهروب منها أمعن الصوفية في تقديم الجانب الروحي للعبادات، وفشا التصوف، حتى ظهر الحلاج يدعو إلى وحدة الوجود، فأفتى العلماء بقتله فقتل، ولكن قتله كان إحياء؛ فانتشرت الفكرة، وكثر التصوف وفر أتباعه إلى خراسان حيث ظهر فيما بعد الشعر الصوفي الفارسي والتركي. وكان على رأس هؤلاء جلال الدين الرومي، الذي وضع كتاب المثنوي، على نظرية الحلاج في وحدة الوجود، وكان ذا أثر كبير عند الفرس والأتراك حتى عدوه القرآن الثاني، وكان أساسا لطريقة المولوية التي كثر أتباعها بين الفرس والأتراك.

وسار العباسيون سيرة الأمويين؛ من عصبية لبيت العباس ضد البيت الأموي، ومن فتك بالأمويين، وقتل كل من ظهر من الطالبيين، ولئن كان المثل الأعلى للخلفاء الأمويين هم الغساسنة، والمناذرة، ورؤساء القبائل في الجاهلية والإسلام؛ فقد كان المثل الأعلى للعباسيين هم الأكاسرة؛ ولذلك نقلوا العاصمة من دمشق إلى بغداد التي أسسوها في العراق، وكان البرامكة لهم كوزراء الفرس؛ إذ كانوا من أصل فارسي كهنوتي في نوبهار إحدى الصوامع البوذية في بلخ، وقد زعم بعضهم فيما بعد أن هذه الأسرة كانت من كهنة الفرس عبدة النار.

Unknown page