42

Yawm Islam

يوم الإسلام

Genres

وهكذا افترق المسلمون بعد أن كانوا مجتمعين بسبب قتل عثمان، ونمت هذه الفرق واختلفت فيما بعد، حتى بلغت نحو سبعين فرقة كلها تنتحل الدين، وكلها فرق دينية بعد أن كانت فرقا سياسية لمحض النزاع على الخلافة، يضاف إلى ذلك ما سببه هذا الحادث - من قيام طلحة والزبير لمغالبة علي ومنازعته بدعوة الطلب بدم عثمان - ومكن ذلك معاوية من الغلبة على الجميع. ولكن ما سبب هذه الفتنة؟ إن تعليل معاوية لهذه الفتنة هو أن عمر وكل الأمر إلى ستة نفر؛ فكل تمناها لنفسه وتمناها له قومه، ويعلل ذلك ابن خلدون في تاريخه بقوله: «لما استكمل الفتح، واستكمل للملة الملك، ونزل العرب بالأمصار في حدود ما بينهم وبين الأمم من البصرة والكوفة والشام ومصر، وكان المختصون بصحابة الرسول

صلى الله عليه وسلم

والاقتداء بهديه وآدابه المهاجرون والأنصار من قريش وأهل الحجاز ومن ظفر بمثل ذلك من غيرهم. وأما سائر العرب من بكر بن وائل، وعبد القيس، وسائر ربيعة، والأزد، وكندة، وتميم، وقضاعة، وغيرهم؛ فلم يكونوا من تلك الصحبة بمكان إلا قليلا منهم، وكانت لهم في الفتوحات قدم؛ فكانوا يرون ذلك لأنفسهم مع ما يدين به فضلاؤهم من تفضيل أهل السابقة ومعرفة حقهم. فلما انحسر ذلك العباب، وزاد العدد، واستفحل الملك كانت عروق الجاهلية تنبض، ووحدوا الرياسة عليهم للمجاهدين والأنصار من قريش وغيرهم، فأنفت نفوسهم منها، ووافق أيام عثمان فكانوا يظهرون الطعن في ولائه بالأمصار، والملاحظة لهم باللحظات، والخطرات، والاستبقاء عليهم في الطاعات، والتجني بسوء الاستبدال منهم، والعزل، والفيض في النكير على عثمان، وفشت المقالة في ذلك في أتباعهم وتنادوا بالظلم من الأمراء في جهاتهم، وانتهت الأخبار بذلك إلى الصحابة بالمدينة؛ فارتابوا لها، وأفاضوا في عزل عثمان، وحمله على عزل أمرائه، وبعثوا إلى الأمصار من يأتيهم بصحيح الخبر (ثم انتهى ذلك كله بقتل عثمان).

ومن رأي المرحوم الأستاذ عبد الحميد الزهراوي أن العرب كانت قبائل متفرقة متعادية، يأكل القوي منها الضعيف، فما لبثوا حتى اجتمعت كلمتهم، واتحدت وجهتهم، ولانت منهم قسوة. فلما مات رسول الله

صلى الله عليه وسلم

يظهر أن القليلين من الذين كانوا لم يتخلوا عن المساوئ، ولم يتحلوا بالمحاسن قد صاروا كثيرين بدليل ما حدث من حروب الردة، وهذا يدعونا ألا نفسر الصحابة بالتفسير المشهور؛ وهو كل من رأى النبي وآمن به، بل نحن نفسر الصحابة بما تساعد عليه اللغة فهم الذين صحبوا النبي

صلى الله عليه وسلم

صحبة حقيقية يصح أن يطلق عليها لغة وعرفا اسم: «الصحابة»؛ فهؤلاء وأمثالهم هم الصحابة الحقيقيون، وهؤلاء وأمثالهم الثقات العدول، وأما أولئك الأعراب الذين كانوا يفدون عليه ولم يكونوا يلبثون عنده إلا عشية أو ضحاها؛ فيقال لهم مسلمون لمحمد، ولا يصح على هذا التفسير الحقيقي أن يقال إنهم صحابة، وإذا ثبت هذا فالاختلاف الذي جرى بين الصحابة لا شك أن جرثومته من فئة لم تأخذ بنصيب وافر من صحبة النبي، ولم تتضلع من التهذيب المحمدي. من هذا استنتج: (1)

أن القبائل البدوية كانت آلة بيد رجال من قريش، وأكثر أفرادها لم يكونوا قد رأوا النبي

صلى الله عليه وسلم

Unknown page