Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genres
الفصل الرابع
هل العربية لغة مقدسة؟
من المؤكد أن اللغة العربية تدين باستمرار وجودها حتى بداية القرن الحادي والعشرين للقرآن الكريم؛ فلولا القرآن لما ظلت العربية لغة متماسكة يتحدث بها أكثر من 240 مليون من البشر في العالم أجمع.
ومن هنا فإن علاقة اللغة بالدين من أخطر القضايا وأكثرها حساسية. وقد أسهمت بعض الأفكار الجامدة التي تقف بالمرصاد في وجه أي تطور في تحنيط اللغة وعزلها عن مجاراة العصر .
وتصب هذه الأفكار في قالب واحد وهو الربط المباشر بين العربية والدين.
ويزعم أصحاب هذه الأفكار أن العربية ليست فقط اللغة التي نزل بها القرآن، ولكنها لغة الدين ذاته؛ وبالتالي فهي محاطة بقدسية خاصة ترفعها إلى مرتبة تجعل المساس بها نوعا من أنواع الكفر. ومن هذا المنطلق ظهرت نظرية تصف اللغة العربية بأنها لغة «توقيفية» أي أنها منزلة من السماء؛ وبالتالي فهي متوقفة بجوهرها عن أي إضافة أو حذف أو تعديل بيد البشر.
وفي مواجهة هذا التيار ظهرت نظرية أخرى ساندها أصحاب العقل تقول: إن العربية مثلها مثل باقي لغات العالم، هي لغة «اصطلاحية»، أي أن الناس اصطلحوا على كلمات ومعان من واقع ثقافتهم وتجاربهم المتراكمة، ووضعوا قواعد لضبط لغتهم.
وفكرة قدسية اللغة وانتمائها إلى عالم يسمو فوق مستوى عالم الإنسان، قديمة قدم التاريخ، فالمصريون في عصر الفراعنة كانوا يؤمنون بالإله تحت، رب الحكمة والكتابة، وكانت اللغة المصرية القديمة تكتب بخطوط ثلاثة هي الهيروغليفية والهيراطيقية وظهرتا في توقيت واحد تقريبا نحو 3200 قبل الميلاد، ثم ظهرت الديموطيقية في نحو القرن السابع قبل الميلاد.
وكان أهل مصر يعتبرون كل هذه الخطوط واللغة نفسها هابطة من السماء، وأنها هبة من الآلهة. وكان المصري يرمز إلى اللغة بتعبير مدونتر، ومعناها كلام الآلهة. وكانت القناعة الراسخة هي أن الإنسان لا علاقة له باللغة، ولم يخترعها، ولم تتطور أو تتبلور، ولكنها هبطت من القوى الفوقية جاهزة للاستعمال دون تغيير أو تبديل.
ومن المؤكد أن كهنة آمون وحاشية فرعون ساعدوا على ترويج هذا الاعتقاد. وكان الهدف هو تكريس الكهنوت المسيطر على عقول أبناء الشعب البسطاء وإجبارهم على تبجيل اللغة؛ ومن ثم تبجيل الطبقة العليا المكونة من الكهنة وحاشية فرعون، الذين يعرفون أسرارها دون غيرهم، والخوف منهم واعتبارهم حملة المعرفة المطلقة والوحيدة على وجه الأرض.
Unknown page