لطف في الواجب، ولطف في المندوب، واللطف في الواجب واجب، وفي المندوب مندوب؛ لأن اللطف من فعلنا إنما وجب لأنه وقع للضرر، وتحرز عنه، ولا ضرر علينا في ترك المندوب، فلا يجب اللطف فيه علينا.
وأما اللطف الذي من فعل غير المكلف، والمكلف له مكلف آخر فنحو أن يعلم الله تعالى في فعل غير المكلف من مكلف آخر أو صبي أو مجنون أو يهمه لطفا للمكلف، فلا يجوز أن يكلف الله تعالى هذا المكلف إلا أن يعلم أن لطفه الذي من فعل غيره يحصل، فإن علم أنه لا يحصل لم يجز أن تكلفه، ولا يجوز أن يكلف الله تعالى بعض المكلفين بفعل لطف لغيره إلا أن يعلم أن له لطفا ومصلحة فيه، ويكون لطفه هو الأصل في تكليفه به، ولطف بغير تابع، فإن لم يكن كذلك لم يجز تكليفه بلطف غيره.
وأما الموضع الثالث: وهو في الدليل على أن معرفة الله تعالى لطف للمكلفين في القيام بما كلفوه فاعلم أولا أنا قلنا إن معرفة الله تعالى لطف للمكلفين في القيام لما كلفوه فإن نزيد في ذلك أنها لطف في التكاليف العقلية، فأما الشرعيات فلا يصح أن تكون المعرفة لطفا فيها لأن من شرط اللطف أن يكون زائد على التمكين في الشرعيات لا يمكن العلم بها إلا بعد العلم بالله تعالى، والعلم بعدله وحكمته.
فأما العلم باستحقاق العقاب والثواب فيصح أن يعد من الألطاف في الشرعيات [48ب] له عند العلم بالشرع قبل النظر في استحقاقه الثواب والعقاب.
سؤال: إن قيل إذا قلتم إن معرفة الله تعالى لما وجبت لكونها لطفا في أداء الواجبات واجتناب المقبحات فما قولكم فيمن علم الله تعالى من حاله أنه يفعل بكل حين، ولا يحل شيء من الواجبات العقلية، واعلم أنه لا يفعل سوى عرف أو لم يعرف هل يكلف بالمعرفة أم لا؟ فإن كلف بالمعرفة، فما وجه الحسن، وقد زال ماجعلتموه وجها، وإن لم يكلف المعرفة فما يكون حكمه؟ ثم إذا أتى بالواجبات العقلية هل استحق الثواب، ويدخل الجنة أم لا؟
Page 87