أما الموضع الأول: وهو أن الجسم إذا لم يخل من الأعراض المحدثة يتقدمها فقد شاركها في حقيقة الحدوث، فالذي يدل على ذلك أنا لا نعني بحقيقة الحدوث الوجود الذي لوجوده أول أو ما تقدم لوجوده عدم، فإذا ثبت أن الأكوان محدثة لوجودها أول، وثبت أن الجسم لا ينفك عنها ولم يسبقها فقد شاركها في حقيقة المحدث، وحقيقة الحدوث لا محالة ولم يشاركها في أن لوجوده أول فكان لوجوده لا أول له، وبطل قولنا أنه لم يخل منها ولم يتقدمها، ويصير الحال في ذلك كالحال في زيد وعمرو، فإذا علمنا أن أحدهما لم يتقدم الآخر في الولادة، ثم علمنا أن لأحدهما عشر سنين فإنا نعلم أن للآخر كذلك.
وأما الأصل الثاني: وهو أن ما شارك المحدث في حقيقة الحدوث وجب أن يكون محدثا مثله، فالذي يدل عليه أن ثبوت حقيقة الشيء يقتضي بثبوت ذلك الشيء المحقق، أو لا يجوز انفصال أحدهما عن الآخر، ولهذا كان الحد والمحدود كالعبارتين الموضوعتين لمعنى واحد، ولزم من الإشتراك في أحدهما الإشتراك في الآخر، ولهذا لا يجوز أن يثبت لأحد اللفظين وينفى بالآخر، فلا يجوز أن يقال هذا محدث وما شارك المحدث في حقيقة الحدوث انتهى أو شاركه في حقيقة الحدوث وليس بمحدث ينتهي بل يعد من قال ذلك مناقضا لكلامه.
الدليل الثاني: أن الجسم إذا لم يخل من الأعراض ولم يتقدمها وجب أن يكون وجوده معها أو بعدها، وكل ما كان وجوده مع المحدث أو بعده فهو محدث مثله، والدلالة مبنية على أصلين:
أحدهما: أن الجسم لم يخل من الأعراض المحدثة ولم يتقدمها، وجب أن تكون وجوده معها أو بعدها.
والثاني: أن ما وجد مع المحدث أو بعده فهو محدث مثله.
أما الأصل الأول: فالذي يدل عليه أنها قسمة حاضرة وبيان ذلك أنك تقول الشيء لا يخلو إما أن يتقدم على غيره أو توجد معه أو بعده [96أ] ولا يعقل قسم رابع باطل أن يتقدمه؛ لأنا قد أبطلنا أن يكون الجسم متقدما على الأعراض في الدعوى الثالثة لم يبقى إلا أن توجد معه أو بعده.
Page 192