الدليل الخامس: وينبغي أن يكون بائنا في الترتيب؛ لأن معناه نقل من معنى الدليل الأول، وهو أنا نعلم بالضرورة أنه يستحيل خلو الأجسام الآن عن كونها متحركة وساكنة أو مجتمعة أو مفترقة، وإنما وجب ذلك فيها لتحيزها فالتحييز حاصل لها في كل حال فيجب أن لا تخلو عن كونها كائنة في كل حال لقيام العلة الموجبة لذلك وهو التحيز.
وأما الموضع الثالث: وهو في إبطال قولهم بالهيولي والصورة، فنحن نبطل قولهم بوجوه:
أحدها: أنا نقول هذا إثبات ما لا طريق إليه، وإثبات ما لا طريق إليه يفتح باب الجهالات، ومن أين لكم أن أصل العالم جوهران وما دليلكم عليه.
الوجه الثاني: أنهما متى كانا قديمين كان أصلين؛ لأن من حق القديمين أن يشتركا في صفة القديم، فليس أحدهما بأن يكونا هيولي، والثاني صورة أولى من العكس وهذا يبطل ما ذهبوا إليه.
الوجه الثالث: أنهما متى كانا غير متحيزين لم يكن أحدهما بالحلول في الآخر أولى من عكسه فبطل قولهم.
الوجه الرابع: [94أ] أنه يلزم أن يكون كل واحد منها محتاجا في وجوده إلى الآخر، وإذا كان كذلك أدى إلى أنهما لا يوجدان؛ لأن كل شيئين احتاج كل واحد منهما محتاجا في وجوده إلى وجود الآخر فلا يوجدان وهذا حاصل في هذين فإن كل واحدا منهما محتاج إلى الآخر، وبيان ذلك أن القائل إذا قال لا أدخل هذه الدار حتى أدخل المسجد، ولا أدخل المسجد حتى أدخل الدار فهذا يؤدي إلى أن لا يوجد منه دخول أيهما.
الوجه الخامس: أن حلول الضرورة في الهيولي لا يخلو أن يكون على سبيل الوجوب إذا كان على سبيل الوجوب فهي الصفة الذاتية وهي حاصلة فيما لم يزل فيحل فيما لم يزل ويحصل التحييز في ذلك ما نقوله من أن الجواهر لا توجد إلا في متحيزه ، وإن كان على سبيل الجواز فلا يخلو إما أن يكون بالفاعل أو لعلة فإن كان بالفاعل لم يصح لوجهين:
Page 188