الوجه الخامس: أن يقال لهم: إنكم فسدتم النظر بالنظر، وهذا يبطل مذهبكم وتحقق هذا الوجه أنا نقول لهم: هل علمتم أن النظر لا يؤدي إلى الشك والحيرة بالضرورة أم بالنظر؟ فإن قالوا بالضرورة ظهر عنادهم وقابلناهم بمثل دعواهم، وقلنا لهم: إنا نعلم بالضرورة أن النظر يؤدي إلى العلم.
وإن قالوا بالدلالة قلنا لهم فهذا اعتراف منكم بأن النظر طريق إلى العلم وموصل إليه، ونحن لا ندعي أن كل نظر يولد العلم، وإنما ادعينا ذلك في بعض الأنظار، وقد سلمتم ذلك -يعني أن النظر يؤدي إلى الشك والحيرة-.
الوجه السادس: أنا لم نقل أن الأنظار جميعها تؤدي إلى العلم وإنما اشترطنا بالنظر أن يكون على الوجه الصحيح وأن تجتمع شرائطه، ومتى كان كذلك حصل العلم ، ومتى لم يكن كذلك لم يحصل العلم وهؤلاء الذين إذا هم نظرهم إلى الشك والحيرة نظروا على الوجه الفاسد فمثل الفلاسفة [66ب] والملحدة والمجبرة وغيرهم، وأكثر ما يدل هذه الشبهة على أن في النظر ماهو فاسد وغير مولد للعلم ولسنا نؤكد ذلك، وإنما ذكرنا قولهم أنه لا يولد العلم بحال، والشبهة لم تتعرض ذلك فإذن هي لا تدل على موضع الخلاف.
أما شبهة من قال الأدلة متكائنة، فإنهم قالوا: إنا وجدنا أهل المذاهب المختلفة كلامهم قد احتج لمذهبه بحجة يضاهي مخالفة ويسألونها، وكل فريق منهم قد تكلم على حجة خصمه بما يبطلها، ولا يرجح بكلام بعضهم على بعض، ولا مرية بل كل ما رجح به فريق منهم فقد رجح خصمه بنظيره فإن الأدلة متكائنة، والجواب عليهم من وجوه:
أحدها: أنا نقول لهم إنا نعلم ضرورة تعد اختيار النظر أنه يؤدي إلى العلم ولهذا فإن العقلاء يفزعون إليه عند التباس الأمور عليهم، فكما يفزعون إلى الإدراك عند التباس المدركات عليهم والشبهة إذا وردت على ما نعلم ضرورة لم نعيدها ولم يلزم الجواب عليها لعلمنا بأن ما خالف الضرورة فهو الفاسد دون الضرورة كما في شبهة ال السوفسطانية.
Page 126