فأشفق الأمير الرضا وأركان دولته من أن يتفاقم الأمر، ويتراكم الشر، ويعضل حادث الداء، وينضب باقي الماء. فخوطب فائق في الاستمالة، وقوبلت عثرته بالإقالة، واستنهض إلى بخارى للاستظهار به على سد الخلل، وتعديل الميل. وسرب عنها بعد حسن القبول والإقبال، وإزاحة العلة بالأموال إلى سمرقند «1»، فلم يرعه إلا خبر بغراخان وهو الملقب بشهاب الدولة وظهير الدعوة، وقد استعار إليه قوادم الطير ركضا، لم ينل فيه جماما ولا غمضا، فولى فائق من سمرقند من «2» بين يديه هزيما «3»، ولم يلو على تعرف الحال مقيما، وجعل من كان معه من أصحاب السلطان عرضة للسيوف، وفريسة لأنياب الحتوف.
وتوافقت الشهادات على أن انهزامه كان عن مواطأة منه لبغراخان، على آل سامان، فعل من لا وفاء [51 أ] يزعه، ولا حياء يردعه، ولا نعمة تحفه، ولا حرمة تكفه.
وسار كما هو حتى أقعى «4» بعقوة «5» بخارى، فراع السلطان بالداهية الدهياء، والخطة النكراء، والقضاء المبرم من السماء، حتى اضطر إلى مفارقة الدار، واللياذ بذمة الاستتار.
ذكر ورود بغراخان بخارى، وهجرة الرضا عنها، وانصرافه ثانيا
إليها بعد فصول بغراخان عنها
ودخل بغراخان بخارى، فاستقبله فائق مختصا به، ومنخرطا في سلكه، ومكثرا لسواده، وملقيا إليه لين قياده، كأنهما كانا على ميعاد، وتلاقيا على سابق صحبة واتحاد.
ولما استقرت الدارية «6» قرارها، استأذنه فائق في النهوض إلى بلخ لا ستضافتها إلى ولايته، وإثارة أموالها لخزانته، فأذن له فيه وسار إلى ترمذ، وبعث بعثا إلى بلخ، فاحتاط عليها، ونصب بها من يجبي الأموال ويدبر الأعمال.
Page 98