وبقرب تلك المعارك، مما يلي الكفار عقبة «9» تعرف بعقبة غوزك «10»، ينخفض عنها طرف العقاب، ويعسكر دونها جيش السحاب، ذات مهاو ومشارف، ومثان ومعاطف، وفي بعض أوهادها شريعة ماء كالشريعة الحنيفية في الطهارة، لا تقبل قذرا، ولا تحمل غثاء ولا غثرا، فإن ألقي شى ء من القاذورات [16 أ] فيها، اكفهرت له السماء، واختلفت النكباء «1»، وأظلمت الشواهق والأعماق، وغصت بالزمهرير الآفاق، حتى يرى الموت الأحمر عيانا، والعذاب الأكبر حقيقة وبيانا. فعندها أمر الأمير بإلقامها ضربا من النجاسات تعمدا، فقامت القيامة على الكفرة الفجرة، وتوالت عليهم الصواعق والقوارع، وأحاطت بهم الرياح الزعازع، ومدت السماء عليهم سرادق البرد والخصر «2»، وأثارت عليهم زعازع الإعصار والقتر، حتى عميت عليهم المذاهب والمهارب، وانسدت دونهم المساري والمسارب، فاستسلموا لفرط الهول والوهل، وشهدوا بأن قد شاهدوا الموت قبل حلول الأجل.
وأرسل چيبال يطلب الصلح، ويستكف الحرب على مال يؤديه، وحكم للأمير في فيلته ومملكته يمضيه، فهم الأمير بإجابته إلى ملتمسه إشفاقا على أوليائه، أو لصواب عن له في رأيه، فنهر السلطان يمين الدولة وأمين الملة أولئك الرسل نهرا، وأبى أن يكون فيصل الحرب إلا عنوة وقهرا، حمية للإسلام والمسلمين، وثقة بالله رب العالمين، فانصرفوا بما عرفوا من صورة الحال، وضيق المجال. [16 ب] فاضطر «3» چيبال ما أعياه من الحيلة في أمره إلى إعادتهم في طلب المكافأة خاشعا، والتماس الموادعة طائعا ضارعا.
وكانت زبدة كلامه أنكم قد عرفتم حمية الهند، واستهانتهم بالموت إذا طرقهم طارق محذور، وحزبهم حازب مكروه، فإن يكن امتناعكم عن الصلح طمعا في الغنيمة والفى ء والفيلة والسبي، فما هو إلا صري «4» عزم نمتطيه في استهلاك الأموال، وسمل الأفيال، وعرض الغلمان على النيران، ومشي الرجال بعضهم إلى بعض بأطراف الحراب، وظبات السيوف. ثم شأنكم وما يبقى من جماد ورماد، وموات ورفات.
Page 32