244

ثم ضبط الأمر بعده زعيمه على نظامه، وإقامته «10» في قوامه، وهذا ما تولاه أبو بكر رضي الله عنه حين ودع عمره، من غير أن سلم إلى أحد أمره، فإنه قام به قيام ثابت القلب، مستقل بمقاومة الخطب، غير مفكر في رد راد، ولا مبال بمعاداة معاند «11»، حتى حمى حريم الدين، وجمع شمل المسلمين، ولم يرض بأن يلم ببيضة الشريعة ملم، ولا [137 ب] أن يتغير من أحكامها حكم، فلقب خليفة رسول الله لا نتدابه لحياطة دين الله، ثم تحصين حوزة الإسلام من عوارض الفساد، وعادية الأعداء والأضداد، والمجاهدة في استضافة ديار المخالفين، إلى جانب الإسلام ومجامع المسلمين.

وهو ما أتاه عمر رضي الله عنه لما آل إليه الأمر، فإنه صرف جده «1» وجهده إلى الجهاد، وقصر وكده «2» وكده على افتتاح البلاد، حتى اتسع نطاق هذه الملة، وخضعت الرقاب لأهل هذه القبلة، فلقب أمير المؤمنين، إذ كان نعم العون لرسول رب العالمين «3».

قد فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من الأمر الأعظم، والشأن الأفخم، وأطفأ لهيب كل ملتهب، على رغم «4» من أبي لهب، والتأم بسعي الشيخين رضي الله عنهما شعب الأمرين الآخرين «5». وبلغ الإسلام «6» من الإحكام مبلغا ليس فيه مستزاد، ولا يشين بياض غرته سواد، ولم يبق للتابعين سوى التمسك بدين ممهد، ومراعاة بناء مشيد، فلم يقدروا على القيام «7» به، واحتجبوا وراء حجابه.

ولما أتت الخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، كان منه ما كان من [138 أ] تبديل زي «8» النسك بزينة الملك، وتغيير سيرة الأئمة حين توسع في النعمة، حتى اجتنى ثمرة ما جنى، وتيه به سوء ما أتى.

Page 253