وفي جميع أرجاسك وفواحشك لم تذكري أيام صباك، وإذ كنت لم تشبعي، زنيت مع بني آشور ولم تشبعي، فلذلك أقضي عليك بما يقضى على الفاسقات وسافكات الدماء، وأجعلك قتيل حنق وغيرة.
واليهود مع عطلهم من الفن والصناعة عطلا تاما، يجد لهم لوبون آدابا غنية، ولوبون يقول مع ذلك: «وليست تلك الظاهرة خاصة ببني إسرائيل فقط؛ فهي تشاهد لدى جميع الأمم السامية، ولا سيما العرب الذين كانوا قبل الإسلام ذوي شعر بعيد الصيت حقا، على أن الشعر، مع الموسيقى، فن جميع الأمم الفطرية، والشعر مع بعده من التقدم موازيا لتقدم الحضارة، تجده يضيق أهمية وتأثيرا كلما ارتقت الأمم؛ فقد اقتضت الحضارة قرونا طويلة لاختراع الآلة البخارية واكتشاف سنن الجاذبية، مع إمكان ظهور قصائد كالأوذيسة والإلياذة، وأغاني أوسيان في أدوار الجاهلية.»
وعند لوبون أن الشريعة اليهودية بأسرها ليست إلا وجها بسيطا للنظام الكلداني، وأن معتقدات اليهود هي من أساطير البابليين المعقدة التي لم ينتحلها عالم الغرب المتمدن إلا بعد أن تحولت بمرورها من خلال روح الساميين البسيطة، وقد تطورت هذه المعتقدات في الغرب تطورا ابتعدت به عن أصولها، فأخذت شكلا لا يكاد يمت إلى السامية بصلة، وفي ذلك يقول لوبون: «فما كان لمبادئ كهذه أن يتمثلها ذلك الشعب اليهودي الصغير المتعصب الأناني الصلف المغرور المفترس.» وبسبب ذلك يقول لوبون: «ولما يحل الوقت الذي ترسم فيه يد الإنصاف تكوين تلك المعتقدات الكبرى، ولا يكاد فجر ذلك الزمن يلوح، ولا يزال المؤمنون والملحدون يقيمون بدوائر من التصديق أو الجحود على غير برهان، ولا يزال الرجل المعاصر يئن تحت عبء الوراثة الثقيل، ولا تزال متماسكة المؤثرات الإرثية التي حصرت نفوس الغرب في قوالب منذ نحو ألفي سنة، وإن أخذت هذه المؤثرات تنحل؛ فقد ترك الماضي في نفوسنا آثارا يجب أن تمر عليها أمواج الزمان غير مرة حتى تمحوها.» «نعم إن الشعب اليهودي لم يكن غير ذي نصيب ضئيل جدا في شيد ذلك البناء القديم، غير أن القرون بلغت من تجسيم شأنه الظاهر ما لا تبصر معه سوى أناس قليلين، حتى بين أشد الناس ارتيابا، تحرروا من سلطان الماضي فاستطاعوا أن يضعوا بني إسرائيل في مكانهم الصحيح.» «ومع إمكان جهل الرجل المثقف العصري لتاريخ الحضارات العظيمة التي أينعت فوق أرض الهند جهلا تاما، تجده لا يجرؤ على الاعتراف بأنه يجهل أعمال شمشون أو مغامرات يونان الذي التقمه الحوت.»
ويبحث لوبون في وقائع اليهود فيجدها هزيلة لحمتها المشاغبات، وسداها ضروب التوحش والمنكرات، وفي ذلك يقول: «وحوادث تافهة كتلك لا يعنى بها التاريخ، وإذا ما عني بها التاريخ فلأسباب مستقلة عن أهميتها؛ ومن ذلك أن حصار عصابة من البرابرة لمدينة تروادة الصغيرة واستيلاءهم عليها قبل الميلاد باثني عشر قرنا، مما غدا حادثا ذا بال في تاريخ العالم؛ لأن أوميروس تغنى به، لا من أجل نتائجه.
وما أتى به مؤرخو اليهود من تدوين لتلك الحوادث عقب وقوعها مع تجسيم عظيم هو دون ما صنعته الكنيسة النصرانية بعد ذلك.
ومن يقرأ سفر صموئيل وسفر القضاة بشيء من روح النقد، يبصر دور العنت الذي جاوزه بنو إسرائيل في استقرارهم بفلسطين، غير أن هذه الأقاصيص نفسها إذا ما نظر إليها من خلال أبخرة الحماسة الدينية ألقت في النفوس وهما قائلا: إن ذلك الفتح ساطع معجز.
وظلت أوروبا النصرانية زمنا طويلا تقرأ كتب مؤرخي اليهود بالروح التي أرادها هؤلاء المؤرخون، وما وده أولئك المؤرخون من تمويه على معاصريهم ارتضاه أمثال أوغوستن وبسكال وبوسويه وشاتو بريان، أكثر من ارتضاء ذلك الشعب الجاهل المتعصب الذي حاولوا إقناعه.»
ويستولي الرومان على فلسطين، «وتحير لهجة الشعب اليهودي الفارغة دولة روما العظمى نفسها، وتقتصر على احتقاره مع أنها كانت تعلم قدرتها على سحق وكر المتعصبين المشاغبين ذلك عند الضرورة، ولم تعتم فوضى ذلك الشعب الصغير المزعج وفساده وضوضاؤه أن استنفدت صبر تلك الدولة العظمى، فعزمت على إبادته لكيلا تسمع حديثا عنه، ففي سنة 70 من الميلاد استولى تيطس على أورشليم وجعلها طعمة للنيران، وبدئ بتشتيت شمل اليهود.»
وفي هذا الكتاب يذهب لوبون إلى أن بني إسرائيل كانوا من الساميين، أي من العرق الذي كان ينتسب إليه الآشوريون والعرب، ولكن بني إسرائيل قد اكتسبوا بانفصالهم من ذلك العرق تلك المساوئ التي وجدها لوبون فيهم، فظل العرب بريئين من مثلها، ومع ذلك يرى لوبون في كتابه «حضارة العرب» أن تلك القرابة تقوم على تجانس اللغات وبعض الصفات الجثمانية، وأن من الممكن أن يجادل في ذلك؛ فقد قال في ذلك السفر الجليل: «ومهما تكن وحدة تلك الصفات التي نجادل في قيمتها، ومهما تكن أهمية تلك القرابة السامية التي لا نجزم بها، نراها ترجع - على فرض وجودها - إلى ما قبل التاريخ، وقد كانت تلك الأمم السامية على اختلاف وتباين منذ أقدم عصور التاريخ كما دلت عليه الروايات.» فيكون ذهاب لوبون إلى أن بني إسرائيل والعرب من أرومة واحدة في كتاب «الحضارات الأولى» من قبيل التجوز إذن.
وفي كتاب «حضارة العرب» يقول لوبون: «ولا جرم أن الشبه قليل بين العربي أيام حضارته، واليهودي الذي عرف منذ قرون بالنفاق والجبن والبخل والطمع، وأن من الإهانة للعربي أن يقاس باليهودي، وأن العربي - مع إقراره لليهودي بالقرابة - أول من يحمر وجهه خجلا منها.»
Unknown page