Al-wuzarāʾ waʾl-kuttāb
الوزراء والكتاب
Genres
[122]
إذا لم أستتم إحسانا فقد أهدرته. وكان يقول: ما وقع غبار موكبي على لحية رجل قط، إلا أوجبت له على نفسي حفظه، وألزمتها حقه.
وكان ليحيى قبل الوزارة حاجب، يقال له سماعة، فلما تقلد الوزارة رأى بعض إخوانه أن سماعة يقل عن حجابته، فقال له: لو اتخذت حاجبا غيره، فقال: كلا! هذا يعرف إخواني القدماء.
وقع يحيى إلى رجل ظن به تغيرا عليه: ينبغي أن تكون على يقين أني بك ضنين: أريدك ما أردتني، إن نبوت عني ما كان ذلك بي وبك جميلا، فإن وقعت المقادير بخلاف ذلك، لم أعد ما يجب، والذي هاجني على الكتاب إليك أن أبا نوح معروف بن راشد سألني أن أبوح لك بما عندي، والله يعلم أني ما تبدلت، ولا حلت عن عهد، جمعنا الله وإياك على طاعته، ومحبة خليفته، بجوده وقدرته.
وقال يحيى لجعفر ابنه: يا بني انتق من كل علم شيئا، فغنه من جهل شيئا عاداه، وأنا أكره أن تكون عدوا لشيء من الأدب.
وكان يحيى أنكر على إبراهيم بن شبابة الشاعر شيئا، فكتب إليه رسالة طويلة مشهورة وكتب في آخرها:
أسرعت بي إليك مني خطيئاتي ... فجاءت بمذنب ذي رجاء
راهب راغب إليك يرجى ... منك عفوا عنه وفضل عطاء
ولعمري ما من أصر ومن تاب ... مقرا بذنبه بسواء
فعفا عن جرمه ورضي عنه.
وكان يحيى إذا رأى من الرشيد شيئا ينكره لم يستقبله بالإنكار، وضرب له أمثالا، وحكي له عن الملوك والخلفاء ما يوجب مفاقة ما أنكره، ويقول: في النهي إغراء، وهو من الخلفاء أحرى، فإنك وإن لم تقصد إغراءه، إذا نهيته أغريته.
قال عبد الصمد بن علي: ما رأيت أكرم من يحيى نفسا، ولا أحلم منه ، جعل على نفسه أن لا يكافئ أحدا بسوء، فوفى، فقال أبو الحجناء نصيب الأصغر:
عند الملوك مضرة ومنافع ... ورأى البرامك لا تضر وتنفع
إن العروق إذا استسر بها الثرى ... أشر النبات بها، وطاب المزرع
Page 224