156

[84]

ولما حال الحول على المهدي في الخلافة، تقدم إلى أبي عبيد الله بمناظرة عيسى بن موسى، على أن يخلع نفسه من ولاية العهد، فناظره وقال له: إن المنصور قدم المهدي عليك وعوضك، فإن أخرجت نفسك من هذا الأمر عوضك المهدي ما هو أنفع لك، وأبقى عليك، وإن أبيت استحل منك المحظور، بمعصيتك وخلافك أمره، وقد لزمتك طاعته، ووجب عليك القبول منه. فسارع إلى الإجابة إلى خلع نفسه، فعوض عشرة آلاف ألف درهم، وكتب أبو عبيد الله عن المهدي بذلك، وبتقليد الهادي موسى العهد إلى الآفاق، فقال بعض الشعراء:

كره الموت أبو موسى وقد ... كان في الموت نجاة وكرم

خلع الملك وأضحى لابسا ... ثوب لوم لا ترى منه القدم

ولما حج المهدي بعد عقد البيعة لموسى خلفه ببغداد خليفة له، وضم يزيد بن المنصور خال المهدي مدبرا لأمره، وقلد كتابته ووزارته أبان بن صدقة، وذلك في سنة ستين ومائة، وقلد عمر بن بزيع دواوين الأزمة. في سنة اثنتين وستين ومائة. وقد قيل: إن المهدي أول من أحدثها.

قال عبد الله بن ربيع: سمعت مجاهدا الشاعر يقول:

خرج المهدي متنزها ومعه عمر بن بزيع، فانقطعا عن المعسكر في طلب الصيد، فأصاب المهدي جوع، فقال لعمر بن بزيع: ويحك! هل من شيء؟ قال: ما من شيء، قال: فإني أرى كوخا، وأظنها مبقلة، فقصدا قصده، فإذا نبطى في كوخ، وإذا مبقلة، فسلما عليه، فرد السلام، فقال: هل عندك شيء نأكل؟ قال: عندي ربيثاء وخبز شعير. فقال له المهدي: إن كان عندك زيت فقد كمل، قال: نعم، قال: وكراث؟ قال: نعم، وعندي تمر، وعدا نحو المبقلة، فجاء ببقل وكراث وبصل، فأكلا أكلا كثيرا وشبعا، فقال المهدي لعمر بن بزيع: قل في هذا شعرا، وكان يعرف بقرض الشعر، فقال:

إن من بطعم الربيثاء بالزيت ... وخبز الشعير والكراث

لحقيق بصفعة أو بثنتين ... لسوء الصنع أو بثلاث

فقال المهدي: بئس ما قلت! ليس هكذا، ولكن:

لحقيق ببدرة أو بثنتين ... لحسن الصنيع أو بثلاث

Page 156