ولما ورد على أبي جعفر خبر خلع أهل إفريقية، اعتزم على الشخوص إلى قنسرين ليقيم فيها، ويوجه الأمداد منها، فكتم تدبيره، وأظهر إنه يسافر إلى ناحية لم يذكرها، ولم يبينها، وأمر أصحابه بالاستعداد، ولم يعرفهم القصد، فاجتمع أبو أيوب وعبد الملك والربيع، فتذاكروا ذلك، ورجموا الظنون، فلم يصيبوا شيئا، ولم يقدموا على مسألته، فقال عبد الملك: فأنا أعلم لكم ذلك، فإذا أذن فتأخروا عني ساعة حتى أكلمه، فلما أذن دخل عبد الملك، فلما استقر به المجلس قال: يا أمير المؤمنين، قد تهيأنا للمسير، وفرغنا من كل ما نحتاج إليه، وبقى علينا ما نستأجر من الظهر، وما ندري كيف نتكاراه؟ ولا علام نواقف المؤاجرين لنا فيه؟ فقال له أبو جعفر: يا بن الخبيثة، جلست الساعة وفلان وفلان، فقلتم كذا، وجرى بينكم كذا، فقلت لهم كذا، حتى رد عليه خبر المجلس، حدسا منه وفطنة، اخرج يا بن الخبيثة، فأكثر مياومة، كل يوم بألف، فأما أن أعلمك فلا، ولا كرامة.
ورخصت الأسعار في أيام أبي جعفر، فسولت لأبي أيوب نفسه أن يشتري طعام سواد الكوفة وسواد البصرة، وطمع في الربح، ففعل ذلك. فكتب المنصور عليه كتابا بذلك، وخلده الدواوين، وكان يطالبه بالمال وقتا بعد وقت، فتحمل منه الشيء بعد الشيء، وتتابع
Page 119