al-wiʿāʾ al-marmarī
الوعاء المرمري
Genres
فقال: إذن سأذهب لأراها.
ولم يبق ليستمع إلى قول ريحانة وهي تحاول أن تمنعه، وذهب مسرعا وقلبه يتوجس. دع خيلاء حيث هي؟ لمه؟
وكانت خيلاء في حجرتها إلى جانب تمثال العذراء، فسمعت طرقا على بابها، وقامت فاترة تجفف عينيها، وكان على وجهها ظل من فزع تملكه قسرا. وفتحت الباب وقالت في صيحة مكتومة: سيف!
ثم ردت بصرها مسرعة واكتسى خداها حمرة. واندفع سيف نحوها مادا يديه قائلا: أحمد الله إذ أراك سالمة.
وتبسمت بسمة ضئيلة ومدت يدها قائلة: ما علمت أنك هنا.
وسارت أمامه إلى أريكة فجلست على طرفها، وجلس على قيد ذراع منها وهو يعجب من فتورها. ما الذي ذهب بنضرتها وأذبل عينيها؟ أبلغ بها الحزن على أبرهة أن تغمرها مثل هذه الكآبة البائسة؟ وأحس شيئا من الخيبة في لقائها الساهم الجامد. أهكذا تلقاه فلا ترتمي بين ذراعيه وترسل دموعها الحزينة على عنقه، وتلتمس من وجودها عند صدره ظل الأمن والطمأنينة والعزاء؟ وشردت عنه الألفاظ فلم يدر كيف يفتح الحديث معها. كان يحسب أنها تطالعه بوجه فيه الحزن وفيه اللهفة وفيه إشراقة من سرور، وكان يحسب أنه يتدفق في الحديث ليقول لها إنه هناك، وإنه يبذل نفسه في سبيل حمايتها وإسعادها. ولكنها تستقبله بعين كليلة وبوجه ساهم متردد ينم عن انكماش وانطواء عنه، فماذا يجول في أعماق ضميرها ويقيم ذلك الستار بينه وبينها؟
وانتزعت خيلاء كلمة بعد لحظة صمت، فقالت: لك العزاء يا سيف.
وزادت خيبته عندما سمع كلمتها. أتقول لك العزاء كما يقول الألوف من المواسين الذين لا تزيد مواساتهم على لفظة؟ لم تفض إليه بحزنها ولا بجزعها ولم تلجأ إليه هو، ولم تقل له: «ذهب من كان يظلني برحمته، ولم يبق لي غيرك.»
وقال في ارتباك: حق لنا أن نحزن على أبرهة يا خيلاء، ولكن لا تدعي الحزن يبلغ منك ما أرى. أرى عليك أثرا لا أدري ماذا أسميه. ألا تحدثينني عما بك؟
فقالت: ليس بي شيء سوى أنني كنت أصلي. كنت أصلي من أجل روح أبرهة المسكين الذي تعذب وتألم.
Unknown page