Women's Rights in Light of the Quran and Sunnah
حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة
Publisher
(بدون ناشر)
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٧ م
Genres
حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة
دراسة عصرية موثقة
إعداد
د/ مرزوق بن هياس آل مرزوق الزهراني
(١) المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين: نبينا محمد حجة الله على الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن استجاب لدعوته وعمل بما أنزل الله عليه وهو الحق المبين، وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الدعوة إلى تحرير المرأة في هذا العصر جاءت ضمن حملة شعواء شاملة على كل ما ينتمي إلى الإسلام، وقد نحج الأعداء في استقطاب ثلة من أبناء المسلمين للقيام بمهمة الدعوة إلى تحرير المرأة، والعجب أن الدعوة مبنية على أن المرأة لم تأخذ حقوقها كاملة في ظل الإسلام، وقد أدرك الأعداء أن خير من يقوم بهذه المهمة هم أبناء وبنات المسلمين، بعد أن زودوا بالأفكار والمبررات المختلقة لهذا الفكر الهدام، فالمسلمون يقبلون من أبنائهم وبناتهم ما لا يقبلونه من الأعداء، فاكتفى الأعداء بإعداد خطط الهدم، وأبناء المسلمين وبناتهم يقومون بالتنفيذ، ومن هنا وجب على علماء المسلمين العالمين بكتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ أن يتصدوا لهذه الهجمة الشرسة، ببيان حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة، وذلك لأهمية الموضوع في العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه، وليأمن الناس على أن حقوقهم المشروعة تصل إليهم في ظل الإسلام، ولاسيما في بلادنا المملكة العربية السعودية، إذ الحكم فيها قائم على الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس بعد النظر في الأشباه والنظائر، وما تقضي به المصالح المرسلة فيما لا ضرر فيه ولا ضرار.
(١) المقدمة الحمد لله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين: نبينا محمد حجة الله على الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن استجاب لدعوته وعمل بما أنزل الله عليه وهو الحق المبين، وسار على نهجه إلى يوم الدين، أما بعد: فإن الدعوة إلى تحرير المرأة في هذا العصر جاءت ضمن حملة شعواء شاملة على كل ما ينتمي إلى الإسلام، وقد نحج الأعداء في استقطاب ثلة من أبناء المسلمين للقيام بمهمة الدعوة إلى تحرير المرأة، والعجب أن الدعوة مبنية على أن المرأة لم تأخذ حقوقها كاملة في ظل الإسلام، وقد أدرك الأعداء أن خير من يقوم بهذه المهمة هم أبناء وبنات المسلمين، بعد أن زودوا بالأفكار والمبررات المختلقة لهذا الفكر الهدام، فالمسلمون يقبلون من أبنائهم وبناتهم ما لا يقبلونه من الأعداء، فاكتفى الأعداء بإعداد خطط الهدم، وأبناء المسلمين وبناتهم يقومون بالتنفيذ، ومن هنا وجب على علماء المسلمين العالمين بكتاب الله ﷿ وسنة رسوله ﷺ أن يتصدوا لهذه الهجمة الشرسة، ببيان حقوق المرأة في ضوء الكتاب والسنة، وذلك لأهمية الموضوع في العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه، وليأمن الناس على أن حقوقهم المشروعة تصل إليهم في ظل الإسلام، ولاسيما في بلادنا المملكة العربية السعودية، إذ الحكم فيها قائم على الكتاب والسنة، والإجماع، والقياس بعد النظر في الأشباه والنظائر، وما تقضي به المصالح المرسلة فيما لا ضرر فيه ولا ضرار.
1 / 1
إن عدالة الإسلام المباركة يراد منها إحقاق الحق كما أراد الله ورسوله، وإنصاف كل فرد على وجه الأرض، بإعطائه حقوقه المشروعة، ذكرا كان أو أنثى، حتى لو كان عدوا، ولهذا على علماء المسلمين حماية الشريعة الغراء من عبث العابثين، وانتحال المبطلين، وعليهم رد كيد الأعداء، الطاعنين في الإسلام بزعمهم أنه بخس الحقوق، وقيّد الحريات، ولاسيما حقوق المرأة وحريتها، وهو بهتان عظيم، وافتراء على أقدس الأديان، وأوسعها وأكملها عدلا وحرية ومساواة، فالإسلام لم يأت إلا رحمة للناس كافة، ولذلك أرسل نبينا محمد ﷺ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (١) هكذا الأمر للناس كافة دون استثناء، بل وللجن أيضا ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ﴾ (٢) وما حدث هذا الأمر إلا لمخاطبتهم بالإسلام الذي جاء به نبينا محمد ﷺ، وإذا كان مجيء الإسلام جملة وتفصيلا على لسان نبينا محمد ﷺ ليكون رحمة للعالمين: الجن والإنس، من عند خالقهم العليم ببيان ما يصلح أحوالهم وما يفسدها، فكيف يتسنى لزاعم أن يزعم أن الإسلام فيه ظلم وعسف وتقييد للحريات، والعجب أن تسمع هذا الهراء من بعض المنتسبين إلى الإسلام، وكان أحسن منه قولا في الإسلام قول من لم يؤمن بمحمد ﷺ: ذلك المستشرق، إذ قال: "وفي الحقيقة لو قرأ المسيحيون باهتمام شريعة المسلمين
_________
(١) الحسنة التي الآية (١٠٧) من سورة الأنبياء.
(٢) الآية (٢٩) من سورة الأحقاف ..
1 / 2
وتاريخهم، وتدبروهما لاستولى عليهم الحياء حين يشاهدون هؤلاء المسلمين ذوي غيرة على عبادتهم وتقواهم وتصدّقهم، وإلى أي حد هم متفانون في إخلاصهم، قانتون في مساجدهم، وإلى أي حد هم مطيعون لرئيسهم الروحي، حتى أن الحاكم لا يحاول أمرا إلا بعد مشورة المفتي، وإلى أي حد هم مهتمون بمراعاة أوقات الصلوات الخمس، في كل يوم حيث وجدوا، وأيا كانت مشاغلهم، ما أشد مراعاتهم دائما لصومهم، من الصباح حتى المساء، طول أيام الشهر بلا انقطاع، وما أكثر توادّ المسلمين وتراحمهم، وما أعظم ما يرى من عنايتهم بالغرباء في نزلهم، سواء بالفقير أم بالنازح المسافر، لو تأملنا عدالتهم ونزاهتهم، وسائر فضائلهم الخلقية، لخجلنا من جمودنا، سواء في عبادتنا، أم في تراحمنا، ولخجلنا من جورنا وإفراطنا وتعسفنا، ولا ريب أن هؤلاء الناس سيقيمون الحجة علينا، ولا شك أن عبادتهم وتقواهم وأعمالهم والرحمة فيهم هي الأسباب الرئيسة لنمو الدعوة المحمدية" (١).
ويقول مستشرق آخر أشد عداوة للإسلام من هذا: "نجد كثيرين من الإغريق من ذوي المواهب العالية والميزات الخلقية، قد بلغ من تأثرهم بتفوق المسلمين، أنهم حتى عندما كانوا يتجنبون الاندماج في خدمة السلطان (٢)، بأداء ضريبة الأبناء، كانوا يدخلون في دين محمد بمحض إرادتهم".
إن ما يعزوه المنصفون من المستشرقين من فضائل وأخلاق حسنة إلى المسلمين، مرده الإسلام نفسه الذي لا يعرف إلا الكمال في كل فضيلة، ومن قرأ تأريخ الإسلام بفقه وتجرّد، لا
_________
(١) المستشرق توماس آرنولد في كتابه (تاريخ الدعوة الإسلامية).
(٢) المراد السلطان في الدولة العثمانية الحكمة بالإسلام.
1 / 3
يجد غير هذا، ويجد أن الإسلام لم ينطلق فاتحا الأقطار شرقا وغربا إلا لنجدة الناس ورحمتهم، كيما يحرر قلوبهم من العبودية لغير الله تعالى، وينير عقولهم بالتفكير في من خلقهم، ومن أجلهم خلق ما في الأرض، وخلق الأزواج كلها ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ (١) وقال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (٢) جاء الإسلام فاتحا ليحرر الضمائر والعقول، من قيود الوثنية والجهل بالله تعالى، ويطلق حريات الناس في البحث عن الحق، ومحاربة الباطل، لإقرار العدالة بين الناس كافة، ومنع الفساد في الأرض، ومن أجل ذلك انطلق إلى الشرق يقاتل، من أجل رحمة الناس، وإخراجهم من تلك الإهانة البالغة: عبادة الفروج والأبقار، إنسان كرّمه الله يعبد بقرة خلقت لخدمته وأكله وشربه، وهو في ذل مقيت يتبرك بروثها ويغتسل ببولها، إنه أمر عجيب أن يهدر إنسان كرامته، وأن يعبد فرجا أو قردا أو خنزيرا، أو غير ذلك مما لا عدّ له ولا حصر في ديانات الوثنيين، التي جعلت الإنسان الذي كرّمه الإسلام، في هوان مستمر وحقارة لا مثيل لها، جاء الإسلام لرحمة الناس من هذا البلاء ومن بلاء العنصريات، التي أذابها بين المؤمنين به كما يذوب الملح في الماء، وفي غير الإسلام لا زالت قائمة ماثلة للعيان، فبالأمس القريب كانت جنوب إفريقيا مضرب المثل في
_________
(١) من الآية (٢٩) من سورة البقرة.
(٢) الآية (٢١) من سورة الروم ..
1 / 4
التمييز العنصري، ولا زالت تشوبها أكدار العنصرية، وما يلاقيه الشعب الفلسطيني من عذاب وقتل ودمار وتهجير من أبرز أسبابه العنصرية، ومن زعم أن الإسلام جاء لغير الرحمة والعدل والمساواة، وموازنة الحقوق والواجبات، فقد أعظم الفرية على الله ورسوله والمؤمنين، ولهذا فإننا حينما نطرح حقوق المرأة في الكتاب والسنة النبوية إنما نفعل ذلك لبيان الحق ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ (١) إننا يقول للناس: إن الإسلام هبة من الله تعالى لآدم ﵇ وبنيه، فلم يكن أمرا جديدا جاء به نبينا محمد ﷺ، بل ما جاء به ﷺ حق مرتبط بالرسالات السابقة، إنها جميعا تدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وتطالب بتحكيم شرعه، فكل فرد من بني آدم مطالب أن يرتبط بالرسالة الربانية في كل شئونه في الحياة، وكان الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام أول من استجاب للرسالة الربانية، وتبعهم أصحابهم ومن بعدهم من العلماء العاملين، والدعاة المصلحين، والأئمة المجتهدين، وليس ذلك مقصورا على زمان دون آخر، بل طالبهم بالإيمان بما جاءت به الرسل، في كل زمان ومكان، أمر الله بذلك نبينا محمدا ﷺ فقال تعالى: ﴿قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
_________
(١) من الآية (٤٢) من سورة الأنفال ..
1 / 5
رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (١) وخاطب المؤمنين به ﷿ فقال: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾ (٢) وأمرهم بالتطبيق العملي لذلك فقال تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ (٣) هذا وصف لما عليه المسلمون مع نبينا محمد ﷺ، وبيان بأن هذا النهج هو نهج النبي إبراهيم ﵇ ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (٤) وقال تعالى: ﴿قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ
_________
(١) الآية (٨٤) من سورة آل عمران.
(٢) الآية (١٣٦) من سورة البقرة ..
(٣) الآية (٧٨) من سورة الحج.
(٤) الآية (١٣٥) من سورة البقرة.
1 / 6
الْمُشْرِكِينَ﴾ (١) وأثنى الله تعالى على هذا المنهج فقال: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ (٢) وأمر تعالى نبينا محمدا ﷺ أن يعلن بأن الله هداه إلى طريق الحق فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (٣) وبيّن تعالى أن هذا الاتباع ما هو إلا وحي منه تعالى إلى نبينا محمد ﷺ ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ (٤) وكان ما جاء به نبينا محمد ﷺ خاتمة كل الأديان، وكان ﷺ خاتمة الأنبياء والرسل، فلا نبي بعده، ولا رسول بعده، ولا دين غير ما جاء به ﷺ، وما سواه من الأديان إما حق منسوخ بما جاء به ﷺ، أو باطل مفترى، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ
_________
(١) الآية (٩٥) من سورة آل عمران.
(٢) الآية (١٢٥) من سورة النساء.
(٣) الآية (١٦١) من سورة الأنعام ..
(٤) الآية (١٢٣) من سورة النحل.
1 / 7
الْحِسَابِ﴾ (١) فلا يطلب دين سواه، ولا يعبد الله بغيره، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ (٢) وقال رسول الله ﷺ:
١ - (لا يسمع بي من أمتي، يهودي، أو نصراني، ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار) (٣) فالإسلام ليس نظرية تبنى على التجربة، إنه علم مؤكد لا ريب فيه، لأنه وحي منزّل من خالق عليم، لبيان أن ما وقع فيه بنو آدم من عبادة غير الله، أو تحريف ما هو حق وتزويره، بقصد وضع مناهج للحياة أنه من عمل الشيطان، الذي يجلب على بني آدم بخيله ورجله ليضلهم عن سبيل الله، ومن لم يقتنع بهذا فلا نملك له الهداية، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
_________
(١) الآية (١٩) من سورة آل عمران.
(٢) الآية (٨٥) من سورة آل عمران.
(٣) سنن النسائي الكبرى حديث (١١١٧٧).
1 / 8
(٢)
خطة البحث
رأيت أن يبنى هذا البحث على أبواب، وفصول ومباحث على النحو التالي:
الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان:
الفصل الأول: خلق الإنسان، وفيه مباحث:
المبحث الأول: تعريف الإنسان.
المبحث الثاني: بيان أصل خلقة.
المبحث الثالث: اصطفاء الإنسان وتكريمه.
الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث
المبحث الأول: الرسالة إلى الإنسان.
المبحث الثاني: ارتباط الإنسان بالرسالة.
الباب الثاني: المساواة بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان:
الفصل الأول: أصل الخلق وحق الحياة، ومتطلباتها، وفيه مباحث:
المبحث الأول: المساواة في أصل الخلق.
المبحث الثاني: المساواة في حق الحياة.
المبحث الثالث: المساواة في متطلبات الحياة.
المبحث الرابع: المساواة في حق التكريم.
المبحث الخامس: المساواة في حق الكسب.
المبحث السادس: المساواة في حق النكاح المبني على الشرع.
المبحث السابع: المساواة في حق اختيار الزوج.
المبحث الثامن: المساواة في حق قضاء الوطر.
المبحث التاسع: المساواة في تحريم نكاح المشركين.
1 / 9
الفصل الثاني: المساواة في التكليف وتحمل المسئولية، وفيه مباحث.
المبحث الأول: المساواة في التكليف.
المبحث الثاني: المساواة في تحمل المسئولية.
المبحث الثالث: المساواة في الحدود.
المبحث الرابع: المساواة في حق الشورى.
المبحث الخامس: المساواة في حرية الرأي.
المبحث السادس: المساواة في حق التعليم.
المبحث السابع: المساواة في حق تعليم الغير.
الباب الثالث: الفروق بين الرجل والمرأة، وفيه فصلان.
الفصل الأول: ما ينفرد به الرجل عن المرأة، وفيه مباحث.
المبحث الأول: القوامة.
المبحث الثاني: وجوب الصلاة في جماعة.
المبحث الثالث: إباحة الزواج بأكثر من امرأة.
المبحث الرابع: إباحة الاستمتاع بملك اليمين.
المبحث الخامس: إباحة الزواج من المرأة الكتابية.
المبحث السادس: جعل العصمة بيد الرجل.
المبحث السابع: الطلاق صيغته وصفته للرجل.
المبحث الثامن: الرجوع عن الطلاق للرجل.
المبحث التاسع: الإمهال في حالة الإيلاء.
المبحث العاشر: الولاية على المحارم.
المبحث الحادي عشر: انتساب الأبناء.
المبحث الثاني عشر: زيادة النصيب في الميراث وليس مطلقا.
المبحث الثالث عشر: شهادته بشهادة اثنتين وليس مطلقا.
1 / 10
المبحث الرابع عشر: حرمة الاستمتاع من الزوجة بالفرج في حالتي الحيض والنفاس.
المبحث الخامس عشر: حرمة إتيان الزوجة في الدبر.
المبحث السادس عشر: الولاية العامة والخاصة.
المبحث السابع عشر: الجهاد.
المبحث الثامن عشر: وجوب النفقة على الزوج.
المبحث التاسع عشر: وجوب نفقة المرضعة على الزوج.
الفصل الثاني: ما تنفرد به المرأة عن الرجل، وفيه مباحث.
المبحث الأول: خلقها من الرجل.
المبحث الثاني: وجوب الحجاب.
المبحث الثالث: حق الرضاع والحضانة.
المبحث الرابع: حق الزينة والتجمل.
المبحث الخامس: حق رعاية الأسرة.
المبحث السادس: حق الأمومة، وزيادة البر.
المبحث السابع: عدم وجوب الجهاد.
المبحث الثامن: وجوب العدة على المرأة.
المبحث التاسع: حرمة كتمان ما يخلق في الأرحام.
المبحث العاشر: حق المرأة في كيفية الطلاق.
المبحث الحادي عشر: حق المرأة في المخالعة.
المبحث الثاني عشر: حق المرأة في العدل وعدم المضارة.
المبحث الثالث عشر: حق المرأة الميراث.
الخاتمة
الفهارس:
فهرس الآيات. فهرس الأحاديث. فهرس المصادر. فهرس الموضوعات.
1 / 11
(٣)
الباب الأول حول الإنسان، وفيه فصلان:
١/ ٣ - الفصل الأول: خلق الإنسان، وفيه مباحث:
٢/ ٣ - المبحث الأول: تعريف الإنسان
الإِنسانُ أَصله إِنْسِيانٌ، لأَن العرب قاطبة قالوا في تصغيره: أُنَيْسِيانٌ، فدلت الياء الأَخيرة على الياء في تكبيره، إِلا أَنهم حذفوها لمّا كثر في كلامهم، والجمع الناس، مذكّر، وفي التنزيل: يا أَيها الناسُ، وقد يؤنّث على معنى القبيلة أَو الطائفة، كقولهم: جاءَتك الناسُ، معناه: جاءَتك القبيلة، أَو القطعة منهم، وفي حديث ابن صَيَّاد: قال النبي ﷺ ذاتَ يوم:
٢ - (انْطَلِقوا بنا إِلى أُنَيسيانٍ قد رأَينا شأْنه) وهو تصغير إِنسان، جاء شاذًّا على غير قياس، وقياسه أُنَيْسانٌ، وإِذا قالوا أَناسينُ فهو جمع بَيِّنٌ، مثل بُسْتانٍ وبَساتينَ، وإِذا قالوا: أَناسي كثيرًا، فخففوا الياء، وأَسقطوا الياء التي تكون فيما بين عين الفعل ولامه، مثل قَراقيرَ وقراقِرَ، ويُبَيِّنُ جواز أَناسي، بالتخفيف، قول العرب: أَناسيَة كثيرة، والواحدُ إِنْسِيٌّ وأُناسٌ، روي عن ابن عباس ﵄ أَنه قال: إِنما سمي الإِنسان إِنسانًا لأَنه عهد إِليه فَنَسيَ، وهو حجة قوية لمن قال: إِذا كان الإِنسان في الأَصل إِنسيانٌ، فهو إِفْعِلانٌ من النِّسْيان (١).
فالإنسان اسم جنس يطلق على بني آدم، الذكر والأنثى، الصغير والكبير، الأبيض والأحمر، والأصفر والأسود، وهذا الجنس من خلق الله تعالى، كتب له الاصطفاء من سائر المخلوقات، والتكريم
_________
(١) انظر (لسان العرب ٦/ ١٠ - ١١) بتصرف.
1 / 12
على سائرها، قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (١) والذي يهمنا في هذا البحث الإنسان المرأة:
٣/ ٣ - المبحث الثاني
بيان أصل خلق الإنسان
لقد خلق الله البشر من نفس واحدة هي آدم ﵇، وكان خلقه من تراب، قال تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ (٢) هذا ما يتعلق بخلق آدم ﵇ بادئ ذي بدء، ثم خلق من هذه النفس التي هي آدم زوجها حواء، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٣) ومن هذين الزوجين تحوّل خلق الناس جميعا من نطفة، كوّنها الله تعالى في علاقة بين الذكر والأنثى، نطفة من ماء مهين، أمشاج ﴿أَكَفَرْتَ
_________
(١) الآية (٧٠) من سورة الإسراء.
(٢) الآية (٥٩) من سورة آل عمران.
(٣) الآية (١) من سورة النساء.
1 / 13
بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا﴾ (١) تسري في رحم المرأة بعد علاقتها بالرجل، في أطوار التخليق، قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ (٢) فيخرج بعد ذلك بشرا سويا، ليأخذ مساره في الحياة وفق ما قدّر الله له، قال تعالى: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ (٣) وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ (٤) فكان أصل خلق الإنسان وهو آدم ﵇ من تراب، ثم خلقت فيه النطفة، وخلقت له الزوج حواء، ومنهما خلق الأزواج، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ
_________
(١) من الآية (٣٧) من سورة الكهف.
(٢) من الآية (٥) من سورة الحج.
(٣) من الآية (٥) من سورة الحج ..
(٤) الآية (٦٧) من سورة غافر.
1 / 14
خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ (١) ومن هنا ورد قول رسول الله: ﷺ
٣ - (إنما النساء شقائق الرجال) (٢) أي مثلهم في الخلق، ومثلهم في التكريم، ومثلهم في العبادة، ومثلهم في تحمل المسئولية، كل حسب قدراته وما فطر عليه، وما اقتضى التكوين الخلقي استثناءه للرجل أو للمرأة، فذلك لكونه لا يصلح له غيره.
٤/ ٣ - المبحث الثالث
اصطفاء الإنسان وتكريمه
لما خلق الله آدم ﵇ أسكنه وزوجه الجنة ﴿وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ (٣) وكان فيما قدّر الله ﷿ أن آدم وزوجه يأكلان من الشجرة، ويخرجان من الجنة، بسبب تزيين الشيطان ذلك لهما ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا
_________
(١) الآية (١١) من سورة فاطر.
(٢) أحمد حديث (٢٦١٩٥).
(٣) الآية (٣٥) من سورة البقرة.
1 / 15
مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ﴾ (١) فأكلا منها ووقعا في الخطأ ﴿وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ (٢) وكان من قضاء الله تعالى أن يخرج آدم وزوجه من الجنة ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ (٣) وتاب الله ﷿ على آدم وغفر له خطأه ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (٤) وغلب آدم موسى ﵉ لما حاجّه في الخروج من الجنة قال رسول الله ﷺ:
٤ - (احتجَّ آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبوينا خيَّبتنا وأخرجتنا من الجنة، قال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخطَّ لك بيده، أتلومني على أمر قدَّره الله عليَّ قبل أن يخلقني بأربعين سنة؟ فحجَّ آدم موسى، فحجَّ آدم موسى) (٥) وجاء دور الاصطفاء لأدم وذريته ليستعمرهم الله تعالى في الأرض، فقال تعالى للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا
_________
(١) الآية (٢٠) من سورة.
(٢) من الآية (٢٢) من سورة.
(٣) من الآية (٣٦) من سورة البقرة.
(٤) الآية (٣٧) من سورة القرة.
(٥) البخاري حديث (٦٦١٤) ومسلم (٢٦٥٢).
1 / 16
مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ (١) وكرّم الله آدم وذريته ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ (٢) كرّمهم الله تعالى بالعقل وتحمّل أمانة التكاليف التي يبلّغها الرسل إليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وبنى ﷿ ذلك التكريم على مقدار الاستجابة لله ورسوله، وما يحدثون من خير وشر، ولم يفرّق بين الذكور والإناث في هذا الأمر، لكل منهم ما اكتسب من الخير أو الشر ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (٣) والإنسان مسئول عن عمله ومجزي عليه، وذلك بمقتضى العهد الذي أخذ على بني آدم ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ (٤).
_________
(١) من الآية (٣٠) من سورة البقرة.
(٢) الآية (٧٠) من سورة الإسراء.
(٣) الآية (٣٨) من سورة المدثر.
(٤) الآية (١٧٢) من سورة الأعراف.
1 / 17
٥/ ٣ - الفصل الثاني التوجه والارتباط، وفيه مباحث
٦/ ٣ - المبحث الأول: الرسالة إلى الإنسان
لما كان المصطفى من المخلوقات آدم وذريته، ونال بذلك شرف التكريم على سائر المخلوقات، كانت الرسالة إلى الإنسان دون ما سواه من المخلوقات، وذلك لإحكام العلاقة بين الخالق رب العزة والجلال والمخلوق آدم وذريته، من خلال ما يرد في الرسالة من تنظيم لحياة وحقوق وواجبات هذا المخلوق، ولرسم الطريق السوي بينه وبين خالقه، وتحديد نتيجة سلوك المخلوق، والتحذير من عدم سلوك المنهج السوي، وبيان ما ينتج عن ذلك من تدمير لاصطفاء الإنسان وتكريمه، وكان من رحمة الله ﷿ ببني آدم أنه رفع عنهم العذاب قبل الرسالة قال تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ (١) وأنه يرسل إليهم الرجل منهم بلسانهم كيما يفهموا المراد، ولا يلتبس عليهم الأمر، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ (٢) ولكن بعد رسم طريق الخير، وبيان طريق الشر، وتمكين الإنسان من التمييز بينهما، وإعطائه القدرة الكاملة على الاختيار ﴿مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا
_________
(١) من الآية (١٥) من سورة الإسراء.
(٢) الآية (٤) من سورة إبراهيم.
1 / 18
يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ (١) وقال تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾ (٢) وكان الرسل ﵈ كافة مرتبطين عمليا بالرسالة في كل شئون الحياة، على أن الحياة الدنيا مؤقتة تستنبت فيها الأعمال لصالح الآخرة: الحياة الدائمة، ولذلك علّموا المؤمنين ذلك الارتباط، ليكون الولاء للمرسل والرسالة، وللرسول بالتبع، ولذلك قال ﷺ:
٥ - (لا تطروني، كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولوا: عبد الله ورسوله) (٣) وعلّم أصحابه أن الرسالة هي الباقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن الرسول هو المعلّم المبلّغ في زمن محدود، ثم يذهب وتبقى الرسالة في الأمة، وقد طبّق هذا الرسل جميعا من نوح ﵇، إلى نبينا محمد ﷺ، والقرآن شاهد بذلك، فكل نبي أرسله الله بلّغ المؤمنين به قدسية الرسالة والارتباط بها، وعملوا على تحقيق ذلك، لأن الرسالة هي الباقيه لإكمال مشوار الحياة بعد المبلّغين.
_________
(١) الآية (١٥) من سورة الإسراء.
(٢) الآية (٢٩) من سورة الكهف ..
(٣) البخاري حديث (٣٤٤٥).
1 / 19
٧/ ٣ - المبحث الثاني
ارتباط الإنسان بالرسالة
لقد كان الإسلام والمسلمون في الصدر الأول شيئا واحدا، الإسلام هو المسلم، والمسلم هو الإسلام، قوة إيمانية بالله ورسوله هائلة، وتصديق بشرع الله ورسوله، وتطبيق عملي فريد لمنهج الإسلام، ومن هنا جاء قول الرسول ﷺ:
٦ - (خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) قال عمران: لا أدري، أذكر النبي ﷺ بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) (١) فالمركز الأول عصر النبوة والأصحاب ﵃، والمركز الثاني عصر التابعين بما فيه من قصور عن سابقه، والثالث عصر أتباع التابعين بما فيه من قصور عن سابقه أيضا، وفي الحقيقة أن بدء الجفوة ولو في أمر يسير بين الإسلام وبعض المسلمين برز بعد مقتل عثمان ﵁، والفتنة بين علي ومعاوية ﵄، وأخذ يتنامى إلى أن صح قول من قال: إن الإسلام شيء والمسلمين شيء آخر، وإن كان هذا لا ينطبق تماما على عهد الدولة الإسلامية الواحدة، فقد كان فيها خير كثير، لكنه قوي لمّا تشرذمة الدولة الإسلامية بفعل أعداء الإسلام، وتمادى أكثر المسلمين في المفارقة حتى أصبح القول المذكور حقيقة لا تنكر في هذا العصر، وليس على كل فرد، والسبب في هذه المفارقة الشديدة، عدم الأخذ بما أخذت به القرون المفضلة، فقد تناول أهلها الإسلام بالنظر إلى قدسية المرسل والرسالة والرسول (٢) وكان تعظيم الرسول ﷺ عندهم منبثقا من تعظيم المرسل
_________
(١) البخاري، حديث (٢٦٥١) ومسلم حديث (٢٥٣٥).
(٢) المراد الأغلبية الساحقة.
1 / 20