عائلية ليفصل فيها بين الزوجين المختلفين يعد نفسه خبيرًا، فأنا قد حضرت في المحكمة أكثر من ثلاثين ألف جلسة سمعت فيها من الزوج وسمعت من الزوجة، وأنا -فوق ذلك- أشتغل بالتحليل النفسي والدرس الاجتماعي، وإذا أنا يومًا أحلت على التقاعد ولم أشتغل بالمحاماة ولا بالكتابة والتأليف، فإني أفتح مكتبًا للدراسات العائلية أقوم فيه بحل المشاكل الزوجية، فأنا خبير فني في الموضوع (١)، فاسألني.
قال: ألا ترى أن أكثر المتزوجين في خلاف مستمر؟
قلت: أحبّ أولًا أن أحدد معنى الخلاف؛ فإذا كنت تريد (وكان إخوانك الذين سألتهم يريدون) حياة زوجية خالية من كل اختلاف في الرأي بين الزوجين، وأن يكون العمر كله شهرًا من شهور العسل وجلسة واحدة من جلسات روميو وجولييت أو قيس وليلى، فهذا لا يكون. وماذا في مجالس الحب إلاّ هذا الكلام الفارغ؟ تقول له: «أحبك»، ويقول لها: «أحبكِ»، ويعيدان هذه الكلمة حتى لا يبقى لها معنى، ثم يملاّن ويسكتان! فهل يمكن أن تكون الحياة كلها أحبكَ وأحبكِ، كما يتوهم الفتيان الصغار؟ ولو أن قيسًا تزوج ليلى واقتصر على حديث الحب لوقع الخلاف بينهما من أول الشهر الثاني، ولسمع الجيران خصامهما في الشهر الثالث، ولأقيمت دعوى التفريق في المحكمة الشرعية قبل نهاية السنة!
(١) أُحِلت على التقاعد سنة ١٩٦٦، ولكني لم أصنع هذا، بل عكفت على الكتابة والإذاعة والتأليف. وأنا أكتب هذا الكلام سنة ١٩٨٨.