ظل جيش الملك عاطلا أمام فيرونه خمسة عشر يوما، وكان المتطوعون في أثنائها يتقدمون زرافات، وكانوا مزيجا غريبا من كل الأعمار ومن جميع الطبقات والإيالات، فمنهم شباب من علية القوم، ومنهم طلاب وعمال، ومن الجنود القدماء الذين اشتركوا في معارك نابليون، ومنهم أساتذة كهول وقرويون ونمسويون هاربون من الجيش وقطاع طرق ... إلخ.
وكان باستطاعة الأربعة آلاف الذين يؤلفون جيش الآلبة من متطوعة ميلانو وجنوة وبارمه؛ أن يقطعوا على راديتسكي خط الانسحاب لو ساعدتهم قوة من الجيش النظامي، بيد أن الملك شارل ألبرت أمرهم بالانسحاب إلى برشيه وبارغامه للانخراط في الكتائب اللمباردية الحديثة التشكيل؛ لأنه كان لا يميل إلى إضعاف قوته بإفراز جزء إلى التيرول من جهة؛ ولأنه كان يخشى الاختلاطات الديبلوماسية التي قد تؤدي إلى احتلال التيرول من جهة أخرى.
وظل الجيش يقضي وقته في مناورات لا فائدة منها وبمظاهرات عابثة أمام بشييرا ومانتويه، وكان جنود طوسكانه ونابولي في الجنوب في «كرتانونة ومونتانارة» يراقبون قلعة مانتويه، وطلب أهل فراره من الملك الهجوم على المدينة ووعدوه هم - بدورهم - أن يثوروا، ولما كان الموقف السياسي يتطلب نصرا عاجلا حاسما فإن قوات بيمونته هاجمت سلسلة الروابي، ومع أن الهجوم كان قد نجح فإن الملك المتردد أمر جنوده بإخلاء القرية التي ضبطوها والانسحاب إلى مواضعهم.
وأوشك أن يقع ما كان مازيني يتحاشاه دائما؛ إذ إنه من الصعب أن يترأس أحد أمراء إيطالية الحركة القومية من دون أن يحرك غيرة الأمراء الآخرين، ولا سيما لأن لكل عرش إيطالي مطمحا في الحصول على بعض الأراضي، فلروما مطامح في بارمه وروفيجو، ولنابولي في «أنكونه»، وتطمح طوسكانه وبيمونته في ضم «لونجيانه وماسا كراره».
وقد يطمع شارل ألبرت ولئوبولد في تاج صقلية أضف إلى هذا أن بعض العناصر المهمة في طوسكانه وروما ونابولي كانت تخشى - قبل كل شيء - الالتحاق في بيمونته، ولمخاوفهم هذه بعض الأساس؛ إذ إن رجال الوحدة كانوا يرغبون في أن يروا شارل ألبرت ملكا على إيطالية جميعها، وكان يطلق على هؤلاء الذين اعتنقوا مذهب جيوبرتي وبالبو اسم «رجال ألبرت - الإلبرتيني»، وقد انبثوا بعد نشوب الحرب في لونجانه ومودينه وبارمه وأخذوا يعملون فيها بنشاط، وكان «جنولي» و«بيركت» في فلورنسة و«سابافينة» في نابولي و«ممياني» إلى حد ما في روما يسعون لإقامة مملكة إيطالية موحدة بزعامة آل صافويه.
فلذلك أخذت طوسكانه ترتاب من جانب بيمونته لما أعلنت نابولي
آذار. أما البابا فإنه حاول بعد إعلان الحرب أن يتخلص من تبعته بتمطيط حبل المذاكرات وشاهد أن طوسكانه وبيمونته مستعدتان لها، غير أن باريتو أجاب فورا بأن الحرب تتقدم على كل شيء، وعاضد الاقتراح القائل بالاتفاق الهجومي، فأرسل البابا في 18 نيسان رفضه البات في الانضمام إلى الاتفاق، وبذلك خابت آماله في إيجاد طريقة حل سلمي فضلا عن أن غضبه من ضياع بارمه وشكوكه من مطامع بيمونته في الروماني ومطامع نابولي في المارك شجعت ميله نحو إهمال القضية.
والواقع أنه كان بابا قبل أن يكون وطنيا، ولعله لا يبالي بالاستقلال القومي أكثر من اهتمامه باسترجاع الأراضي التي كانت البابوية تدعيها؛ فلذلك نراه يبارك أعلام القطعان من جهة ويأمر من جهة أخرى قائدها الجنرال جيوفاني دوراندو بأن لا يجتاز الحدود إلا لاحتلال روفيجو التي كان يدعي أنها له، واحتج بشدة على الأمر اليومي الذي أصدره دوراندو للجنود ذاكرا فيه أن البابا يبارك سيوفهم، بيد أنه قال بعد انقضاء بضعة أيام إنه ينحني أمام الحوادث، ووافق على أن تجتاز قواته نهر بو.
ومع ذلك فإن البابا لم يكن يريد أن يذكر اسمه مع اسم شارل ألبرت في صبيحة الحرب الصليبية الجديدة، وأخذت طلبات الانشقاق ترد إليه من الأساقفة الألمان، فأصبح على استعداد أن يضحي بكل شيء بدلا من أن يكون سببا في تضحية الكنيسة على هذه الصورة؛ ولذلك فإنه أعلن في 29 نيسان انفصاله النهائي عن الحزب القومي، وذكر في رسالته العامة أن الحرب ضد النمسة تخالف مبادئ بابا يحب جميع الشعوب وجميع الأمم ويساوي بينها في عاطفة الود.
وقد فقد بذلك نفوذه الشعبي فأصبحت الدولة في يومين أو ثلاثة بلا حكومة، وطلب قسم كبير من الناس استقالة الحكومة الأولى وتعيين حكومة مؤقتة، ثم حاول البابا بعد ذلك أن يصحح خطأه فكتب إلى إمبراطور النمسة يطالب إليه أن يتخلى عن الإيالات الإيطالية، ووعد شارل ألبرت أن يساعد جنوده في الحركة إذا رفض الإمبراطور الصلح.
Unknown page