ولما أخضع النمسويون البلاد لحكم البابا أعلن برنيتي رئيس حكومة البابا في روما أن دورا جديرا لحكومة روما سيبدأ، واستهل هذا الدور برفض شروط الهدنة وإصدار الأمر إلى جنوده بقتل أهل ريمني إحدى المدن الثائرة، ولما انتهى دور الثورة وبدأ دور المناورات السياسية بين الدول لحماية ممتلكات البابا أخذ الرأي العام في فرنسة يبدي استياءه من كون النمسة وحدها تأخذ على عاتقها حماية البابا، وأصبحت سياسة فرنسة تستهدف إجلاء النمسويين عن الروماني وحث البابا على القيام بالإصلاحات لتهدئة الخواطر في بلاده.
أما مترنيخ فكان يريد أن يساعد البابا في مقاومة الأحرار ولم تطق الدول الأخرى أن ترى القضية أصبحت نزاعا بين فرنسة والنمسة، فاجتمع ممثلوها في روما للنظر في كيفية حمل القوات النمسوية على الانسحاب من الميدان الإيطالي، والعمل للقضاء على مساوئ الحكومة التي كانت سبب الاضطرابات.
وعليه، فقد أجبرت إنجلترة وفرنسة وبروسية على ضرورة القيام بإصلاحات واسعة ولكن النمسة وروسية خالفتا في ذلك ثم تظاهرتا فيما بعد بالموافقة ووقعتا مذكرة قدمتها الدول للبابا تطلب إليه تعيين موظفين علمانيين في الوظائف المدنية والمحاكم، ولعل إنجلترة الوحيدة التي كانت صادقة في توقيعها المذكرة، وسرعان ما أخذت النمسا وروسية تتأمران على المذكرة، فاكتفى برنيتي بالوعد بتأسيس المجالس في الولايات وتوظيف العلمانيين، وانسحبت على ذلك القوات النمسوية من ممتلكات البابا.
وشاهد الناس انسحاب النمسويين، وسرعان ما شبت نار الفتنة في الروماني ثانية، وامتنع الناس عن دفع الضرائب واستقالت الحكومات في بولونيه ورافيته وفورلي، وكان أهل الروماني على استعداد لأن يتخلوا عن الانفصالية، على أن تقبل روما المنهج الإصلاحي المعتدل، وكان جواب روما على ذلك أن أمرت بإغلاق الجامعات سنة وزادت ضريبة الأملاك، فاجتمع مندوبو الولايات الثلاث وعقدوا المجلس، ومعنى ذلك أنهم جهروا بالعصيان، وشجعت الدول - باستثناء إنجلترة - برنيتي على أن يطلب إلى الثوار الخضوع بلا قيد ولا شرط، وكانت فرنسة تصر على أن يجري قمع الثورة من قبل جنود البابا؛ خشية تدخل جنود النمسة.
فوجه برنيتي جيشا قويا لضرب الثوار، وقد استطاع بعد مقاومة الثوار العنيفة أن يتغلب في سيسنة بدك المدينة بكنائسها، ونهبت مدينة فورلي، وأوشكت بولونيه أن تكابد المصير ذاته لولا أنها استقبلت القوات النمسوية حين اقتربت منها باعتبارها حامية فأصبحت في مأمن من شر القوات الباباوية.
علمت فرنسة بذلك فأرسلت هي أيضا جيشا لاحتلال أنكونه فحيا الأحرار الإفرنسيون هذا العمل واعتبروه ممهدا لحرب استقلالية لإنقاذ إيطالية، ولما دخلت القوة أخلى قائدها سبيل المسجونين السياسيين بينما كان الجنود ينشدون نشيد المارسييز، ولما هدد برنيتي بقطع العلاقات السياسية مع فرنسة ولوحت روسية لفرنسة بالحرب خمدت حماسة الحكومة الفرنسية وتفاهمت مع النمسة على ضريح آمال الأحرار.
فشلت الثورتان في الروماني؛ لأن الذين قادوا الحركة فيهما لم يكونوا ذوي خبرة، وكان معظمهم من الحقوقيين والمعلمين الذين يجهلون خفايا السياسية والذين كانوا يحاولون تحريض الناس بالأمثال والحكم غير آبهين بالقوى المعنوية التي هي روح كل ثورة وكانوا بعيدين عن فهم روح الشعب وكان الرئيس أوجييني طاعن السن، ضعيفا ولم يكن الجنرال زوكي يثق بالمتطوعين، أما الجنرال أرماندي فكان يبحث عن الوحدة الطليانية كأنما يبحث عن طوبى، فليس غريبا إذن أن نرى الشعب الذي حيا الثورة بحماسة إبان نشوبها؛ عاد غير مهتم بها بعد فترة قصيرة.
الفصل الثامن
مازيني وإيطالية الفتاة
1832-1844
Unknown page