Vieusseux
في فلورنسه المحل الوحيد في إيطالية الذي يتمتع الناس فيه بحريتهم، فيتداولون في الأمور السياسية، ويقرءون جرائد أوروبا المهمة.
وكانت الضرائب خفيفة وعادلة، وليس هناك من حصر أو امتيازات تقيد التجارة، وكانت ضريبة المستوردات أقل منها في أوروبا، وبلغ تعلق الناس بحرية التجارة إلى درجة أنه رفض الاقتراح بوضع تعريفة تقيد أجرة للمركبات في فلورنسه.
أما الجيش فقد أهمل أمره تماما، بل أهين، وإذا ما أريد الاحتفاظ به فذلك تنفيذ لما فوضته المعاهدات من جهة ولسماع الموسيقة العسكرية من جهة أخرى، وكان أغلب الضباط من الأسر الغنية والجنود من سواد الشعب، وهناك كتائب تدعى كتائب التوبة يساق إليها المجرمون، وكان للحكام تأثير في الفساد العام، وبلغ التردي في هذا الأمر درجة أصبحت معها العدالة في طوسكانه فاسدة لا يوثق بها.
ورغم أن الحريات ظلت مرعية فقد أضاعت البلديات كل سلطتها الفعلية، وأصبحت أداة لجباية الضرائب، وكانت طوسكانه تاريخيا مجمعا من ناحيات أعرق ديمقراطية من الدول المتحدة الأمريكية، أما الآن فأصبحت عاجزة عن فرض الرسوم، تعين الحكومة المركزية الموظفين، وهؤلاء كانوا يطأطئون الرءوس أمام سيدهم المطاع: الشرطة، ولعل طوسكانه كانت أرقى دولة في إيطالية، بيد أنها كانت كما قيل عنها «حديقة من حدائق الجنة»، محرومة من شجرة العلم وشجرة الحياة.
ولم يكن الأشراف في طوسكانه من دوحة الأشراف القدماء، إنما كانوا من أحفاد المتمولين والأمراء التجار في فلورنسه في القرون الوسطى، فظلوا دائما تجارا وزراعا، وبرز من هؤلاء الأشراف مصلحون اجتماعيون غير، وكانت جمعية جورج فيس
George Fils
تشجع الناس على دراسة الاقتصاد وفتح المدارس وتأسيس صناديق التوفير واشتهر «روفائيلو لمبرو شكيني وأنريكو ماماير» في نشر التعليم الابتدائي والثانوي كما أن «برنامي وريكاسولي» اندفعا نحو الإصلاحات الزراعية، وكان الكثير منهم يرى «أن السياسة لا تغني فتيلا، وأن العادات الاجتماعية هي الكل في الكل.»
وكانت الكنيسة في طوسكانه متمتعة إلى حد ما باستقلالها، وقد رفضت الحكومة أن تتساهل مع اليسوعيين، وبما أن الحكومة تدرك الدور السيئ الذي لعبته الهيئات الدينية فيما مضى فإن هدفها أصبح إنقاذ البلاد من استبداد الإكليروس الذي استبعد بيمونته، ودمر الروماني، وطبيعي أن يكون التعليم سيئا حينما ترعاه إدارة فاسدة وإكليروس جاهل، وقد كانت الحكومة تحمي جامعتي «بيزه وسينه»، اللتين يدرس فيهما العلوم ما عدا الحقوق والطب إلا الشيء القليل، وكانت المواضيع حتى في هاتين الشعبتين لا تتعدى الدرجة الثانوية، فضلا عن أن النتائج كانت ضعيفة لضعف الأساس في التعليم الابتدائي.
وكانت المدارس الثانوية قلية ولكل ناحية مدرسة ابتدائية مجانية للبنين، وكان عدد التلاميذ الذين يؤمون المدارس في الأرياف لا يتجاوز عشر الذين تؤهلهم أعمارهم للانتماء إليها، ولما وضع الأعضاء الناهضون في الوزارة مشروع الدراسة الابتدائية لم يكن فيهم الحماسة الكافية لمقاومة دسائس روما التي جهدت لإحباط المشروع.
Unknown page