185

Wihda Italiyya

الوحدة الإيطالية

Genres

وأصدر مينه بريه الرئيس الجديد بيانا ندد فيه المتطوعين قائلا فيه بأن على إيطالية أن تتمسك بتعهداتها وأن تتجنب حربا أخوية مع فرنسة، وحيث إن خروج القطعات الإفرنسية قد أيقظ روح السخط العنيف؛ فقد اعتبر بيان الحكومة ضد المتطوعين تواطؤا مع الإمبراطور فحدثت حوادث عنيفة خطيرة في ميلانو وفلورنسة وتورينو ذات صبغة شبه جمهورية، حتى إن المعتدلين أنفسهم أجابوا على بيان الوزارة بأن الحرب ضد فرنسة أقل أخوة من مقاتلة المتطوعين الطليان، ثم اضطرت الحكومة إلى أن تنجرف مع التيار شاءت أم أبت، وفي 30 تشرين الأول؛ أي في اليوم الذي دخل فيه الإفرنسيون روما اجتازت القطعات الإيطالية الحدود.

وأصبح الوضع موقوفا على الطالع الذي سيرافق غاريبالدي، ولما وصل غاريبالدي إلى الحدود في «تيريني» وجد الأمور مرتبكة وأن عزيمة المتطوعين قد وهنت ومعنوياتهم قد خفت بسبب الأخطاء التي ارتكبها قادتهم، وقد غامر بعضهم فحاول إدخال السلاح إلى روما ولكنه هوجم حين اقترب من المدينة ورد على أعقابه فانسحب، ومع أن المدن البابوية كانت قومية النزعة متحمسة للقضية؛ فإن القرى ظلت إلى جانب البابا ولم تساعد المتطوعين، وبعد أن حشد غاريبالدي سبعة آلاف رجل في باسوكويزة في سرعة عظيمة هاجم قصر «مونته روتوندو» القديم، وهو موضع منيع يبعد عن روما تسعة عشر كيلو مترا ونصف كيلو متر ويسيطر على طريق السكة الحديدية وكانت حامية القصر ثلاثمائة جندي، وقد استطاع غاريبالدي بعد عشر ساعات من القتال العنيف أن يحتل القصر فنشر احتلال القصر الذعر في روما، ولما كان الناس حينذاك لا يعلمون فيما إذا كان الإفرنسيون سيأتون فقد أسرع أنصار البابا إلى إخلاء البلاد من حدود المدينة، وبذلك مكنوا المتطوعين من احتلال فيتربه وفيلليتري ثم تقدم غاريبالدي نحو روما إلا أن الأمطار عاقت حركته وأنهكت رجاله، ومع ذلك فقد أوشك أن يصل إلى أسوار المدينة واتصل به خبر كاذب عن نشوب ثورة في المدينة فعزم على مهاجمة موضع الستار الحصين في مونته ماريو، ثم تبين كذب الخبر وأدرك خطورة موقفه، ولم يبق أمامه سوى حركة واحدة، وهي الرجوع إلى مونته روتونده وحشد باقي المتطوعين، وأحدث عزمه على الانسحاب تمردا بين المتطوعين وتضاعف التمرد بسبب ضعف الأمل في بلوغ الهدف والخوف من أن يصبحوا بين نارين بعد صدور بيان الملك، وربما فعلت دسائس الجمهوريين فعلها وبلغ فقد الانضباط بينهم أن فر منهم ألفان في يومين.

وأخيرا وصل الإفرنسيون وكانت الحكومة الإيطالية قد أوقفت في الحدود النجدات والذخيرة، وكان منع المتطوعين من الفرار أمرا صعبا فعزم غاريبالدي على السير نحو ميتفولي؛ حيث يجد فيها النجدات ويترقب سنوح الفرصة المناسبة مستندا إلى جبال الأبنيين حيث يستطيع أن يدبر حرب عصابات، على أن هذه الخطة خطرة؛ لأنها تعرض جانبه للعدو المتقدم، ولو أسرع غاريبالدي لوصل إلى متفولي سالما غير أن ضباطه لم ينفذوا التعليمات التي بلغهم إياها واستمع إلى آراء ابنه، فنشأ عن ذلك أن تأخر السير بضع ساعات، وأرسل إليه القوميون في روما تفاصيل خطة هجوم الإفرنسيين إلا أنه أبى أن يصدقهم، وهكذا وقع في الفخ في قرية «منتانة» الصغيرة وبوغت خمسة آلاف من المتطوعين في موقع غير ملائم ومن دون قادة فدافعوا دفاعا صحيحا أمام قوة تعادل قوتهم من جند البابا إلى أن لم صفوفهم غاريبالدي وقام بهجوم بالحراب، وبينما كان يكبد العدو خسارة وينزل به الضربات ظهر الإفرنسيون في الخط الثاني، وظل المتطوعون يقاتلون ببسالة ولكن قوة العدو أصبحت تفوق قوتهم بنسبة الضعف، وأخذت نيران بندقية الشاسبو تحصدهم فخسروا المعركة في الساعة الرابعة من عصر ذلك اليوم، وانسحب في اليوم نفسه معظم المتطوعين نحو الحدود.

لقد كانت منتانة ضربة أليمة لمعنويات إيطالية وقد رفعت منزلة البابوية ومست كرامة إيطالية وخلقت بذور الفتنة في الداخل والارتباك السياسي في الخارج، وساد البلاد في تلك اللحظة سخط شديد على فرنسة، وهتف الناس في ميلانو للحرب ضد فرنسة، وسارت في فيرونه مظاهرات صاخبة ضد الرهبان وتنادى بمقاطعة البضائع الإفرنسية، تلك هي بعض أعراض الحمى التي انتابت البلاد.

أما الحكومة فرأت أن السياسة الوحيدة الممكنة هي اجتناب الاصطدام مع فرنسة وعدم إعطاء أية حجة لبقاء الإفرنسيين، وعليه فإنها أبت أن تعترف بنتائج الاستفتاء من فيتربه وفيللتري؛ لأن فرنسة أنذرتها بأن الاعتراف بالاستفتاء سيؤدي إلى إشهار الحرب، وأسرعت فسحبت القطعات الإيطالية من أراضي البابا وألقت القبض على غاريبالدي وأرسلته إلى كاربيره وطالبت فرنسة بأن تتمسك بوعدها في سحب جندها.

وكان نصر منتانة قد أنعش آمال الكاثوليك وراح الإكليريكيون يطلبون من فرنسة في صرخات دواية بأن تسترد بولونيه وإنكونه، وأمل الإمبراطور أن يتملص من كل تبعاته بدعوة الدول المعظمة إلى مؤتمر يكون الحكم بين روما وإيطالية، ولكن الدول كلها لم تقبل هذه المهمة المكروهة ما عدا إسبانية واغتبطت بروسية بهذا الارتباك واعتبرته ضمانا لسلامتها، أما إيطالية فبذلت جهدها لإحباط المؤتمر، وبينما كانت المفاوضات تطول كان المجلس النيابي الإفرنسي يتذاكر حول الحملة الأخيرة، فرأى تيرس المجال واسعا لإظهار سخطه على إيطالية وخشي رئيس الوزراء سوء العاقبة فأسرع إلى القول: «بأن فرنسة لن تساعد إيطالية على أخذها روما.» وحصل رئيس الوزراء على ثقة المجلس بعد ذلك إلا أنه ساعد على حفر هوة بين إيطالية وفرنسة، هوة ستكلف فرنسة دموعا وبكاء ولم يجرؤ الإمبراطور على إغضاب الكاثوليك بالتنصل من حمايته للبابا، وإذا كانت قطعاته قد تركت روما قبل نهاية السنة إلا أنها لم تنسحب من جيفتا فيكيا.

الفصل الحادي والأربعون

نحو روما

كانون الأول 1868-1871

حين جرى في المجلس النيابي الإيطالي في 22 كانون الأول اقتراع على الاقتراح بتأييد حقوق إيطالية في روما واستنكار معركة منتانة وعدها عملا لا ينطبق على الحقوق الدولية؛ رفض الاقتراح بأكثرية صوتين، فاضطر مينا بريه إلى الاستقالة، ثم أعاد تأليف الوزارة، على الرغم من إخراجه الأعضاء المتشددين في رجعيتهم فإن الوزارة ظلت من أشد الوزارات المحافظة التي شهدتها المملكة.

Unknown page