Wazir Ibn Zaydun
الوزير ابن زيدون مع ولادة بنت المستكفي
Genres
ولست بأول ذي همة
دعته لما ليس بالنائل
ولا شك أنها قلتك؛ إذ لم تضن بك، وملتك؛ إذ لم تغر عليك، فإنها أعذرت في السفارة لك، وما قصرت في النيابة عنك، زاعمة أن المروءة لفظ أنت معناه، والإنسانية اسم أنت جسمه وهيولاه، قاطعة أنك انفردت بالجمال واستأثرت بالكمال، واستعليت في مراتب الجلال، واستوليت على محاسن الخلال حتى خيلت أن يوسف حاسنك فغضضت منه، وأن امرأة العزيز رأتك فسلت عنه، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت، والنطف عثر على فضل ما ركزت، وكسرى حمل غاشيتك، وقيصر رعى ماشيتك، والإسكندر قتل دارا في طاعتك، وأزدشير جاهد الطوائف بخروجهم عن جماعتك، والضحاك استدعى مسالمتك، وجذيمة الأبرش تمنى منادمتك، وشيرين قد نافست بوران فيك، وبلقيس غايرت الزباء عليك، وأن مالك بن نويرة إنما أردف لك، وعروة بن جعفر إنما رحل إليك، وكليب بن ربيعة إنما حمى المرعى بعزتك، وجساسا إنما قتله بأنفتك، ومهلهلا إنما طلب ثأره بهمتك، والسمؤال إنما وفى عن عهدك، والأحنف إنما احتبى في بردك، وحاتما إنما جاد بوفرك ولقي الأضياف ببشرك، وزيد بن مهلهل إنما ركب بفخذيك، والسليك بن السلكة إنما عدا على رجليك، وعامر بن مالك إنما لاعب الأسنة بيديك، وقيس بن زهير إنما استعان بدهائك، وإياس بن معاوية إنما استضاء بمصباح ذكائك، وسحبان إنما تكلم بلسانك، وعمرو بن الأهتم إنما سحر ببيانك.
وإن الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك، والحمالات بين عبس وذبيان أسندت إلى كفالتك، وأن احتيال هرم لعلقمة وعامر حتى رضيا كان ذلك عن إشارتك، وجوابه لعمر وقد سأله عن أيهما كان ينفر وقع عن إرادتك، وأن الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك، والمهلب أوهى شوكة الأزارقة بيدك وفرق ذات بينهم بكيدك، وأن هرمس أعطى بلينوس ما أخذ منك، وأفلاطون أورد على أرسطاليس ما نقل عنك، وبطليموس سوى الإصطرلاب بتدبيرك وصور الكرة على تقديرك، وبقراط علم العلل والأمراض بلطف حسك، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك، وكلاهما قلدك في العلاج، وسألك عن المزاج، واستوصفك تركيب الأعضاء، واستشارك في الداء والدواء، وأنك نهجت لأبي معشر طريق القضاء، وأظهرت جابر بن حيان على سر الكيمياء، وأعطيت النظام أصلا أدرك به الحقائق، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق، وأن صناعة الألحان اختراعك، وتأليف الأوتار والأنقار توليدك وابتداعك، وأن عبد الحميد بن يحيى باري أقلامك، وسهل بن هارون مدون كلامك، وعمرو بن بحر مستمليك، ومالك بن أنس مستفتيك، وأنك الذي أقام البراهين ووضع القوانين وحد الماهية وبين الكيفية والكمية وناظر في الجوهر والعرض وميز الصحة من المرض، وفك المعمى وفصل بين الاسم والمسمى، وصرف وقسم وعدل وقوم وصنف الأسماء والأفعال، وبوب الظرف والحال، وبنى وأعرب، ونفى وتعجب، ووصل وقطع، وثنى وجمع، وأظهر وأضمر، واستفهم وأخبر، وأهمل وقيد، وأرسل وأسند، وبحث ونظر، وتصفح الأديان، ورجح بين مذهبي ماني وغيلان، وأشار بذبح الجعد وقتل بشار بن برد، وأنك لو شئت خرقت العادات، وخالفت المعهودات، فأحلت البحار عذبة، وأعدت السلام رطبة، ونقلت غدا فصار أمسا، وزدت في العناصر فكانت خمسا، وأنك المقول فيه: كل الصيد في جوف الفرا.
وليس على الله بمستنكر
أن يجمع العالم في واحد
والمعني بقول أبي تمام:
فلو صورت نفسك لم تزدها
على ما فيك من شرف الطباع
والمراد بقول أبي الطيب:
Unknown page