اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء في الدنيا لغرس الأشجار ولا لكري الأنهار، ولكن لظمأ الهواجر، وقيام الليل في الشتاء، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
فبكى الحارث بن عميرة فقال له: ما يبكيك؟!
قال: والله ما أبكي لقرابة بيني وبينك ولا لدينا كنت أصيبها منك، ولكن كنت أصيب منك علما، فأخاف أن ينقطع.
قال: فلا تبك، فإنه من يرد العلم أتاه كما أتى إبراهيم خليل الرحمن وليس ثم يومئذ علم ولا إيمان.
واعلم -رحمك الله- أن هذه الدنيا سوق: متجر الأبرار، وحلبة السباق بين الكرام الأخيار، ومزدرع التقوى ليوم القرار، ومحل تحصيل الزاد للسفر الذي ليس هو كالأسفار.
فبادر -رحمك الله تعالى- قبل فوات إمكان البذار، واغتنم أنفاسك العظمية المقدار، واذر من دموعك الغزار، على ما سلف منك من تفريط الأوزار، فإن القطرة من الدموع من خشية الله تعالى تطفئ البحور من النار. وتيقظ في ساعات الأسحار عند نزول الجبار، واحضر بقلبك قول العزيز الغفار:
هل من سائل فأعطيه، هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فأغفر له.
Page 78