أما علمتم أن تلك ليست لكم بدار مقام، ولا محل منام؟!
أما أيقظكم الأيقاظ، أما وعظكم الوعاظ؟!
قالوا: بلى والله قد علمنا فتجاهلنا، وأوقظنا فتناومنا، وسمعنا فتصاممنا!
فقيل لهم: تبا لكم آخر الدهر.
فعضوا أيديهم ندما، وبكوا على التفريط بعد الدموع دما، وبقوا آسفين متحيرين، ووقفوا منتظرين أن يتصدق عليهم بعض الذين صاروا ملوكا بشفاعة أو يتكلم لهم عند الملك بكلمة.
فهؤلاء إن خرجوا من الجزيرة على طاعة الملك لم يهتكوا حرمة ولم يتعدوا حدوده رجي لهم بعض الاتصال بالملك.
3- أما الفرقة الثالثة:
فجاءوا يحملون أوزارهم على ظهورهم آيسين بائسين مبلسين حيارى سكارى، قد زلت بهم القدم، وحل بهم الندم، ونزل بهم الألم، وافتضحوا عند الأمم، فأبعدهم الملك عن داره وطردهم من جواره، وأمر بهم إلى السجن فجروا إليه: قد أيقنوا بالعذاب، وجل أمرهم عن العتاب، {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين}.
فانظر -رحمك الله- تفاوت ما بين المنزلتين وما حصل من الفرق بين الفريقين بالصبر في تلك المدة القصيرة اليسيرة التي أقاموها في الجزيرة.
فهذا تقريب مثال الدنيا: ومن عمل فيها بالطاعة، ومن استوعبها بالتفريط والإضاعة.
فاجتهد رحمك الله تعالى في الكون من الفرقة الأولى:
1- الذين استوعبوا الساعات بالطاعات. ولم يفرطوا في شيء من الأوقات.
Page 44