وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴿٤٥﴾ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴿٤٦﴾﴾ [البقرة: ٤٠-٤٦] قوله تعالى: يا بني إسرائيل يعني: يا أولاد يعقوب، وإسرائيل هو يعقوب، ولا ينصرف لاجتماع العجمة والمعرفة فِيهِ، وكل اسم اجتمعا فِيهِ وزاد عن ثلاثة أحرف لم ينصرف عند أحد من النحويين.
وقوله تعالى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠] أراد: نعمي، فأوقع الواحد موقع الجماعة، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا﴾ [النحل: ١٨] وهذه النعم هي: أن الله تعالى فلق لهم البحر، وأنجاهم من عدوهم، وظلل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المن والسلوى، إلى سائر ما أنعم الله تعالى به عليهم، وهي مذكورة فِي قوله تعالى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ﴾ [المائدة: ٢٠] وأراد بقوله: عليكم أي: على آبائكم وأسلافكم، وجعلها عليهم لأن النعمة على آبائهم نعمة عليهم.
فإن قيل: اليهود أبدًا يذكرون هذه النعم، فلم ذكروا ما لم ينسوه؟ قيل: المراد بقوله: اذكروا: اشكروا، وذكر النعمة: شكرها، وإذا لم يشكروها حق شكرها فكأنهم نسوها، وإن أكثروا ذكرها.
وقال ابن الأنباري: أراد: اذكروا ما أنعمت به عليكم فيما استودعتكم من علم التوراة، وبينت لكم من صفة محمد ﷺ، وألزمتكم من تصديقه واتباعه، فلما بعث ولم يتبعوه كانوا كالناسين لهذه النعمة.
وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي﴾ [البقرة: ٤٠] يقال: وفيت بالعهد، وأوفيت به سواء، أي: أتممته.
قال ابن عباس: هذا العهد هو أن الله تعالى عهد إليهم فِي التوراة أنه باعث نبيًا يقال له: محمد، فمن تبعه كان له أجران اثنان: أجر باتباعه موسى وإيمانه بالتوراة، وأجر باتباعه محمدًا ﵇ وإيمانه بالقرآن ومن كفر به تكاملت أوزاره وكانت النار جزاءه، فقال الله ﷿: وأوفوا بعهدي فِي اتباع محمد ﷺ، أوف بعهدكم أدخلكم الجنة.