96

============================================================

الله فى فقال لهم رسول الله}: "أصبروا وأبشروا، فإن الأمروشيك، أو كان قد تم "(1) .

وقال عليه أفضل الصلاة والسلام : "سيأتي بعدي قوم ياكلون أطايب الدنيا والوانها، وينكحون اجمل النساء والوانها، ويلبسون ألين الثياب وألوانها، ويركبون أفره الدواب والوانها، لهم بطون من القليل لا تشبع، وأنفس بالكثير لا تقنع، عاكفون على الدنيا، يغدون ويروحون إليها، اتخذوها آلهة دون إلههم، وربا دون ربهم، إلى أمرها ينتهون، وأهواعهم يتبعون (2) فعزيمة من محمد بن عبد الله لمن أدرك ذلك الزمان من عقب عقبكم ، وخلف خلفكم، الا يسلم عليهم، ولا يعود مرضاهم، ولا يتبع جنائزهم، ولا يوقر كبيرهم، فإن فعل ذلك فقد أعان على هدم الاسلام (1) اي : النهاية التي توقفكم على فضل صبركم وجهادكم لانفسكم، وهذا هو مقام الفقر الحق.

الذي أسس الصوفية قواعده وأهابوا بالمسلمين أن يستمسكوا بعروته، وليس الفقر كما يفهم الدارسون السطحيون، ولكنه مقام بالغ الدقة والخفاء الفقر هو تجرد القلب عن الظاهر الكونية، واستقلاله بالله تعالى وحده، وتخلي القلب عن الأملاك لأنها شواغل وقواطع لكل عبد يسكن إليها بقلبه ويتعلق بها ويفكر فيها كل وقته أو اكثره . وعلامة صحة التجرد عن الأملاك إلا بتغيير حال الفقير بوجود الأسباب وعدمها، لا في القوة ولا في الضعف، ولا في السكون، ولا في الانزعاج، ولا تؤثر فيه المهالك، لا بهزه وجودها، ولا يستفزه عدمها، فإن ملك فكأن لم يملك، وإن لم يملك فكأن قد ملك، لا يرى لنفسه في الدنيا ولا في الآخرة مقاما ولا قدوا، وكسما لا يرى لا يطلب، وكما لا يطلب لا يتمنى، فهو مشتغل بربه ، واقف بلا طمع، لا يسقط عن نفسه بالرد، ولا ينهض على الجادة بالقبول، ولا يعتقد أن طريقه أفضل من طريق غيره وقد بالغوا في توضيح خفايا الفقر لدقته وغموضه على أغلب الأذهان حتى أذهان الدارسين المحدثين، فقالوا : لا بد آن بخرج عن فقره، بانتفاه شهود فقره فاعتقاده في نفسه آنه فقير يخرجه عن شرف الفقر، والفقير ليس وحشي الطباع، فلا بد أن يصفو قلبه لكل إنسان ويسلم صدره من كل دنس، وتسمح نفسه بالبذل والإيثار.

(2) حديث و ميأق على الناس زمان : ميأت تخريجه

Page 96