وحدثنا علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن زهير بن أيمن بن الهميسع وصى ابنه عريب بن زهير ولم يكن له ولد غيره، فقال: يا بني، قد انتهى إليك ما كان من وصية جدك سبأ بن يشجب بن يعرب، وما افترق عليه ابناه يوم الوصية والقسمة، وهما جداك حمير وكهلان فلا تجرين الأمر إلا على ما جرت به الرسوم من لدنهما إلى هذه الغاية. وأوصِ بعدك من يصلح لهذا الأمر من ولدك ومن إخوتك. وأوصيك بالثبات على ما وجدتني عليه من العدل في الرعية والتجاوز عن المسيء والكف عن أذى العشيرة، والتحفظ بها والتحبب إليها، فما المرء إلا بقومه ولو عز. وأنشأ يقول: " من البسيط "
عَريبُ لا تنسَ ما وصَّى أبُوكَ بهِ ... إنَّ الوصية لمَّا يعدُها الرَّشَدُ
كلُّ امرئٍ عِزُّهُ ... فاعلم عشيرتُهُ وفي العشيرةِ يُلغى العِزُّ والعددُ
ما البيتُ لو لمْ يكنْ فوقَ الأساسِ ولم ... تقلّه دعمٌ للسعف والعَمَدُ
لولا الغَريفُ ولولا خيسُ غابَتهِ ... لما سطا موهِنًا بالقُدرةِ الأسدُ
فضيلة المرء تؤويه وتعضدُهُ ... إن الذليلَ الذي ليست لهُ عَضُدُ
والمرءُ تسلمُ دُنياهُ ونعِمتُهُ ... ما ليسَ يأتيهِ من إخوانِهِ الحسدُ
وصية عريب بن زهير
وحدّثني علي بن محمد، عن جده الدعبل بن علي، أن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير وصى بنيه وهم أربعة نفر؛ الصباح وجنادة وأبرهة وقطن بنو عريب بن زهير فقال لهم: يا بني، إني وجدت الشرف والسؤدد والعز والنجدة والطاعة والملك يدل على ستة أشياء. إني وجدت السؤدد لا يزايل الكرم، ولا يسود من لا كرم له. وإني وجدت العز مع العدد حيثما كان، ولا عز لمن لا عدد له، ولا عدد لمن لا عشيرة له، وإني وجدت النجدة في الأيادي، ولا نجدة لمن لا أيادي له، وإني وجدت الطاعة مع العدل، ولا طاعة لمن لا عدل له، وإني وجدت الملك في اصطناع الرجال، ولا ملك لمن لا يصطنع الرجال، يا بني، احفظوا وصيتي واثبتوا عليها، واعملوا بها، ولا تعصوا أخاكم قطنًا فإنه خليفتي فيكم بعد الله وولي الملك بعدي دون أي أحد. وأنشأ يقول: " من البسيط "
مضتْ لأسلافنا فيمنْ مضى سُنَنٌ ... ساسُوا بها لَهمُ مُلكًا فما وَهنُوا
فَسُسْتُ بعدهُمُ المُلكَ الذي مَلكُوا ... وأنتَ سائسُ ذاكَ المُلكَ يا قَطَنُ
لم أعدُ سِيرتهُمْ يومًا وأنتَ لهمْ ... لا تعدُ عن سيرتي ما أورقَ الفَننُ
بالأصلِ تُمرعُ لا بالفَرعِ مونقةٌ ... وكيفَ يخضرُّ لولا أصلُهُ الغُصنُ
ذَرِ التغافُل عن نيلٍ تجُودُ بهِ ... إن التغافلَ غيٌّ والهُدى فِطَنُ
قال علي بن محمد: قال الدعبل بن علي: فيقال إن قطن بن عريب ولي الملك بعد أبيه، وسار في الناس بسيرته وسيرة أسلافه، وقلد الملك في حياته ابنه الغوث بن قطن بن عريب، وقال له: يا بني إني لم أقلدك الملك ارتفاعًا عنه ولا رغبة في أجل منه، إلا أني أردت أن أقف على سيرك بالناس وسياستك للملك بينهم، وأن أعلم كيف طاعتهم لك كيلا أخرج من الدنيا ولي غصة في ذلك من أمرك وأمر الناس. يا بني، أوصيك بإخوتك أن تفعل لهم ما فعلته لك، وأن تبذل لهم نصيحتك، وتخفض لهم جناحك. وأسألك أن تفعل للعشيرة ما سألتك أن تفعله لهم ولإخوتك، فما الراحة إلا بالأصابع، وما الساعد إلا بالعضُد.
وأنشأ يقول: " من البسيط "
وصَّيتُ غوثًا بما وصَّى أوائلُهُ ... وللوصيَّة إمهالٌ وإمكاثُ
قلَّدتُه المُلكَ لما أن رأيتُ به ... خصائلًا نحوها للمُلك إحثاثُ
ورَّثتهُ سُننًا قد كنتُ وارِثها ... وللملوكِ مواريثٌ وورَّاثُ
قد يُنعشُ المُلكَ ذُو الرأي الأصيلِ كما ... يحييْ زراعتهُ بالرأيِ حراثُ
كُلُّ امرئٍ والذي كانتْ عليهِ لهُ ... اباؤُهُ ولكُلٍّ منهُ ميراثُ
والشَّريُ شريٌ ولو أبصرته عسلًا ... والأريُ أريٌ ولو غَالتهُ أحداثُ
وفي الزّواعب خطِّيٌ وذُو خورٍ ... وفي القواضبِ مِذكارٌ ومِئناثُ
وفي السحاب صبير هويُهُ دلسٌ ... ومطبقٌ مسبِلٌ بالجُودِ لثاثُ
1 / 6