إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله . فالصدقة استحقاق لمجموعة من المهمشين بما فيهم ابن السبيل مثل الفقراء والمساكين والموظفين والأقليات والأسرى والمدينين والصالح العام. وهي ليست تصدقا بل واجبا دينيا أخلاقيا، وحقا، حق الفقراء في أموال الأغنياء لإعادة توزيع الدخل القومي بما يحقق أكبر قدر ممكن من العدالة والمساواة.
والرابع: «تخفيف العبادات وشروطها على عابر السبيل»، وهو تعبير آخر مثل ابن السبيل. الفرق في الحركة. فعابر السبيل متحرك دائما، مسافر من مكان إلى مكان. في حين أن ابن السبيل قد يكون قد استقر في موطن للاستراحة. فيعفى عابر السبيل من الاغتسال من الجنابة نظرا لصعوبة توافر المياه،
ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا . فالضرورات تبيح المحظورات طبقا للقاعدة الفقهية.
أما اليوم، وفي هذا العصر فقد ضاعت القرابة، وانفكت الأواصر الأسرية. فالابن يقتل والديه من أجل الحصول على شقتهما أو أموالهما. وقد يقتل أخاه أو أخته لنفس السبب. والجار قد يقتل جاره لخلاف على حائط أو ماء أو زرع أو شجار بين الأولاد. وفي الأسرة الواحدة يوجد الفقراء والأغنياء، المستقرون والمهاجرون عابرو السبيل. وكل فريق خائف من الفريق الآخر. وفي المنزل الواحد يسيء صاحبه معاملة الخادم أو الحارس أو البواب مع أنه جاره الذي يحرص على راحته ويعمل على حمايته. وفي الشارع الواحد العمارات الشاهقة والأبنية العالية بجوار الأكواخ وبيوت الإيواء.
ويعاني المهاجرون من نفس الوطن من سوء المعاملة مثل هجرة أهل جنوب الوادي إلى الشمال، والصعايدة إلى البحاروة، وأهل البدو إلى أهل الحضر، وأهل الريف إلى أهل المدن. ينشأ الصراع إلى درجة القتال بين المهاجرين والمستقرين. ويعاني المهاجرون الفلسطينيون والعراقيون والسودانيون والصوماليون وكلهم عرب مسلمون من الأوطان التي يهاجرون إليها في الإقامة والسكن والحصول على وظائف أو إعانات مالية أو تسهيلات وحلول للمشاكل الحاصلة. لا أوراق هوية، ولا بطاقات شخصية ولا إقامة شرعية، ومهددون بالترحيل في أي وقت إن نشطوا سياسيا أو اعترضوا على أوضاعهم. وتغلق الحدود بين الدول المتجاورة بسبب ما بينها من حدود مصطنعة، والشعب واحد، واللغة واحدة، والثقافة واحدة دون رعاية للجوار. بل ينشب القتال بين دولتين جارتين مثل المغرب والجزائر أو تقطع العلاقات بين مصر وإيران أو يحاصر شعب غزة وهو جار مصر. وتهدم المنازل والأكواخ لإقامة البنايات الشاهقة و«المولات». وتوضع السياجات وتشيد الحوائط حول المنتجعات والمدن الجديدة التي يقطنها الأغنياء الجدد والتي لا تحمي من الاعتداء عليها من المهمشين. ويحدث نفس الشيء في العلاقات بين الدول التي تغلق حدودها في وجه المهاجرين فيغرقون بحرا، ويقبض عليهم أرضا، وتقام لهم معسكرات الاعتقال للترحيل إلى بلادهم. والهجرة شرعية وقانون طبيعي،
إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها . فابن السبيل ضاقت به الأرض، وعز لديه الاستقرار . ولا مكان له إلا قلوب المسلمين وأوطانهم. (9) المحرومون والسائلون
ومن المهمشين مع المساكين واليتامى وأبناء السبيل المحرومون والسائلون، أي الشحاذون بلغة العصر. وقد قرنهما القرآن معا في نفس الفئة. فقد ذكر المحروم في القرآن أربع مرات، اثنتان بالمفرد، واثنتان بالجمع، وهو لفظ شائع في لغتنا العربية المتداولة، المحروم والحرمان. وقد ورد بثلاثة معان:
الأول:
حق المحروم في أموال الأغنياء،
وفي أموالهم حق للسائل والمحروم ،
Unknown page