فإن كنت في ريب من ذلك فتذكر أن في مصر شبانا تعجلوا الوصول إلى الشهرة فوصلوا إليها قبل الأوان، ولكنهم سيعيشون أطفالا ويموتون أطفالا، وسيكون مصيرهم مصير الصحفي الذي اشتغل بالتحرير في الجرائد المصرية أربعين سنة ثم مات قبل أن يشهد القراء بأنه صار من الكتاب.
وكان عندك في جريدة «الصباح» محرر أنقذته أنا من هذا المرض، فقد كان أخرج ديوانا شعريا منذ سنين، وطنطنت به الجرائد والمجلات، ولكني أبيت أن أشير إليه في مقالاتي بجريدة البلاغ، فلما عاتبني قلت له: لن أعرفك إلا يوم تظفر بالدبلوم من كلية التجارة، ومن حقي أن أعتز بأنني أنقذت هذا الشاب من جنون الشهرة، فكانت النتيجة أن يظفر بدرجة عالية من درجات الجامعة المصرية، ولعل من واجبي أن أتجاهل مكانته الأدبية إلى أن يصبح من رجال الاقتصاد.
لقد ذهب ابني سليمان منذ أعوام إلى جريدة البلاغ لينشر بعض اختباراته في اللاسلكي فرحبت به الجريدة، ولكني تدخلت لوقف مقالاته، فكيف جاز أن تشجعه في غيبتي؟ أنا يا صديقي أبغض هذا النوع من التشجيع.
إن هذا الشاب يريد أن يتشبه بأبيه، ولكن في أي باب؟ إنه يريد أن ينشر مقالات وأقاصيص في الصحف والمجلات كما يصنع أبوه، فهل يعرف هذا الشاب المفتون أن أباه أحرز خمس شهادات عالية أصغرها شهادة الليسانس في العلوم الفلسفية والأدبية؟
وهل نسى هذا الشاب المفتون أنه رسب في البكالوريا وهو يعيدها وقد يكون الجري وراء الشهرة الكاذبة سببا في أن يرسب مرة ثانية؟
قد يراجعني هذا الشاب فيقول: وأنت أيضا يا أبت رسبت في امتحانات الليسانس مرتين!!
وهذا حق، ولكن اللجنة التي أسقطتني مرتين في امتحانات الليسانس كانت مؤلفة من إسماعيل رأفت ومنصور فهمي وطه حسين.
فمتى يكون من حظك أيها الشاب المفتون أن تسقط في امتحانات الليسانس أمام لجنة مؤلفة من أمثال هؤلاء الرجال؟
ومتى يكون حظك أن تظفر بإجازة الليسانس كما ظفر أبوك وهي مذيلة بأسماء كهذه الأسماء؟
إن هذا الشاب عمل بالمثل الذي يقول: «غاب القط فالعب يا فار» فهو قد انتهز غيبتي بالعراق وأهمل دروسه ومضى يركض بين المطابع لينشر كتابا في اللاسلكي، ولو كان من أصحاب القلوب لعرف أني أقوم مفزوعا من نومي في كل ليلة، لأني لا آوى إلى فراشي إلا وأنا مشغول البال عليه، فمن أي الصخور صيغ قلب هذا الشاب المفتون؟
Unknown page