فصاح كليم بالجموع التي كانت تنظر إليهم من بعيد: إلينا يا شباب وساعدونا، فهذا وقت المروءة. فهجم الناس لمساعدتهما، ولكنهم لم يستطيعوا الفصل بين المجنونين وفريستهما إلا بجهد شديد، فذهب لوقا طمعون نحو خيام المستر كلدن والدماء تسيل من وجهه، والجماهير تتبعه ليغسل جروحه، أما مخلوف والشيخ فقد أدركتهما نوبة الجنون حنقا لعجزهما عن خنق خصمهما، فسقطا على الأرض مصروعين بلا حراك، فقيدهما كليم لئلا يضرا نفسيهما، ثم نقلهما إلى الغرفة المقابلة للكنيسة، وأقفل الباب.
أما سليم فكان مشغولا في ذلك الحين بمعالجة أمين وتنبيهه من إغمائه، وإذ لم ينتبه نقله سليم والمكاري إلى خيمة كانت لبعض المسافرين هناك، وقد تجمهر عليهم الناس يسألون: ماذا وقع للمريض؟
هذه هي الحادثة التي كانت سببا في الجلبة التي سمعها المستر كلدن، بينما كان يحادث امرأته.
الفصل الخامس عشر
ذئب لدى لبوة
موقف حرج
فهنا - وا أسفاه - لم تبق حاجة إلى شرح الحادثة التي تقدمت؛ لأن القارئ اللبيب فهم كل تفاصيلها وروابطها وأسبابها، وعرف مبلغ تعاسة إميليا.
وما استقر المستر كرنيجي برهة في الخيمة مع المستر كلدن وزوجته حين دخوله عليهما - كما تقدم - حتى دخل الترجمان يقول: إن رجلا يدعى الخواجه لوقا طمعون قد حضر من بيروت للسلام على المستر كلدن. فعاد الاضطراب حينئذ إلى إميليا، ونهضت لتخرج إلى خيمتها، فأومأ إليها المستر كلدن أن تبقى لتلتذ بمشاهدة خصمها، ثم همس بضع كلمات في أذن سكرتيره ليطلعه على طرف من المسألة، وبعد ذلك قال للترجمان: قل للرجل أن يدخل.
فدخل لوقا طمعون باشا ضاحكا كأنه لم يصب بمكروه، فحيا أجمل تحية، فجاوبه المستر كرنيجي، أما المستر كلدن فقد كان يتشاغل بتقليب الأوراق على المائدة، وأما إميليا فقد أدارت ظهرها، وانحرفت نحو الظل وهي ترتجف من الغضب والحقد.
فساء لوقا هذا الاستقبال البارد فجلس منقبضا، وبعد أن دام السكوت دقيقة قال المستر كلدن بنزق، وهو ينظر في الأوراق لا في وجه ضيفه: ماذا تريد حضرتك؟ فأجاب لوقا: لقد كتبت لجناب السر أعرض عليه خدمتي في كل ما يريده في الشرق؛ إذ بلغني أنه يطلب وكيلا. فقال كلدن: وكيف تريد أن أتخذك وكيلا من غير أن أعرف أمانتك واستقامتك؟
Unknown page