كانت إنيد تأتي كل يوم بعد الظهيرة، وتطلع كلود إلى زياراتها بتلهف شديد؛ إنها الشيء المبهج الوحيد الذي حدث له وجعله ينسى الشعور بالخزي بسبب وجهه الملطخ والمشوه. كان يتقزز من نفسه؛ فعندما كان يلمس الكدمات الموجودة على جبهته وتحت شعره، كان يشعر بعدم النظافة والقذارة. عندما كانت تشتد عليه الحمى في الليل، ويبدأ الألم يحتد في رأسه ورقبته، كان يدخل في نوبة اهتياج شديدة. كان يصارع الألم وكأن كلبي بولدوج يتشاجران بعضهما مع بعض. جال بعقله بين أساطير التعذيب الكئيبة؛ كل شيء قرأه يوما عن محاكم التفتيش والمخلعة والعجلة.
عندما كانت إنيد تدخل غرفته هادئة وعذبة بملابسها الصيفية الجميلة، كان عقله ينتفض لمقابلتها. لم يستطع الحديث كثيرا، ولكنه كان يرقد ناظرا إليها ومتنفسا برضا عذب. بعد مدة شعر بتحسن كبير يعينه على الجلوس نصف عار على كرسي مريح ويلعب الشطرنج معها.
في عصر أحد الأيام، كانا يجلسان بالقرب من النافذة الغربية في غرفة الجلوس ولوح الشطرنج بينهما، واعترف لها كلود مرغما أنه هزم مرة أخرى.
تمتم وهو يمسح قطرات العرق عن جبينه: «لا بد أنك مللت من اللعب معي.» أصبح وجهه الآن خاليا من أي جروح، وكان شديد البياض لدرجة أن حتى النمش الذي كان يوجد به اختفى، وكانت يده واهنة وضعيفة مثل أي رجل مريض.
طمأنته إنيد: «ستزيد مهارتك في اللعب عندما تتعافى أكثر وتستطيع أن تركز في اللعب.» تحيرت من أمر كلود لأنه سريع البديهة في بعض الأشياء، ولكنه ليس كذلك على الإطلاق في الشطرنج، وكان واضحا أنه لن تتحسن مهارته في لعبه أبدا.
اعتدل في كرسيه وتنهد: «نعم، حنكتي تخونني. انظري إلى حقل القمح خاصتي هناك على مرمى البصر. أليس جميلا؟ ولكني الآن لن أستطيع حصده. أتساءل أحيانا هل سأنهي أي شيء بدأته.»
أعادت إنيد قطع الشطرنج إلى صندوقها. «لقد تحسنت صحتك الآن، ويجب أن تتوقف عن الشعور بالحزن. يقول أبي إن كل من يصاب بمرضك يصاب دائما بالاكتئاب.»
هز كلود رأسه ببطء وهو يسندها على ظهر الكرسي. «كلا، ليس الأمر كما تقولين. إن امتلاك وقت طويل جدا للتفكير هو ما يجعلني أشعر بالحزن. كما ترين يا إنيد، لم أنجز أي شيء يجعلني أشعر بأي قدر من الرضا حتى الآن. يجب أن أكون جيدا في شيء ما. عندما أستلقي ساكنا وأفكر، أتساءل هل أحداث حياتي وقعت لي أم لأحد آخر. لا يبدو لي أن لها علاقة كبيرة بي. أنا لم أبدأ بعد أي شيء ناجح في حياتي.» «لكنك لم تبلغ الثانية والعشرين بعد. لديك متسع كبير من الوقت كي تبدأ. أهذا ما تفكر فيه طوال الوقت؟!» أشارت إليه بإصبعها. «أفكر في شيئين طوال الوقت. هذا واحد منهما.» دخلت السيدة ويلر ومعها كوب اللبن الذي يحتسيه كلود الساعة الرابعة؛ إنه أول يوم ينزل فيه إلى الطابق السفلي.
لما كانا صغيرين ويلعبان بالقرب من سد الطاحونة، رأى كلود المستقبل كأنه ضباب شفاف يفعل فيه دائما هو وإنيد أشياء معا. بعد ذلك أتى الوقت الذي أراد أن يفعل فيه كل شيء مع إرنست وقت أن كانت الفتيات مصدر قلق وإزعاج، وأخرج كل ذلك من رأسه وهو يعلم أنه يوما ما لا بد أن يفكر فيه مرة أخرى.
بات يقول لنفسه الآن إنه ما غاب عن باله قط أن إنيد ستعود، وها هي قد فعلت في عصر ذلك اليوم عندما دخلت إلى غرفته ذات الرائحة الكريهة، وجعلت أشعة الشمس تدخل إليها. ما كانت لتفعل هذا مع أحد غيره. إنها ليست من الفتيات اللاتي يخرجن بلا مبالاة عن الأعراف التي تعرف أنها جازمة. كان يتذكرها لما كانت تسير بخطوات منتظمة إلى المنصة من أجل أنشطة يوم الطفل مع غيرها من الفتيات الصغريات في فصل الأطفال الصغار؛ وهي تلبس فستانها الأبيض الخشن، وشعرها مهندم بشدة، ويخلو جوربها من أي تجعيدة، وتجعل رفيقاتها الصغريات يحافظن على النظام من خلال الجدية البادية على وجهها والميالة للإذعان، التي بدت كأنها تقول: «يا لها من شيء رائع أن نفعل هذا، وأن نفعله على نحو صحيح!»
Unknown page