أخبر كلود والدته أنه ينوي أخذ إنيد رويس في جولة بمركبة الجليد. إنيد كانت ابنة تاجر الحبوب الذي يدعى جايسون رويس، الذي يعد من أوائل مستوطني المنطقة، والذي ظل عدة سنوات يدير طاحونة الحبوب الوحيدة في مقاطعة فرانكفورت. إنها وكلود كانا رفيقين قديمين؛ كان يقوم بزيارة رسمية إلى منزلها الذي كان يسمى بالطاحونة في كل صيف أثناء إجازته، وكثيرا ما كان يذهب لزيارة السيد رويس في مكتبه في المدينة.
بعد العشاء مباشرة، ربط كلود الحصانين الأسودين الصغيرين القويين - بومبي وساتان - في مركبة الجليد. في ذلك اليوم، ظهر القمر قبل أن تغيب الشمس بوقت طويل، وبقي في السماء شاحبا معظم وقت ما بعد الظهيرة، وبات الآن يغمر الأرض المغطاة بالثلج بنوره الفضي. لقد كانت إحدى ليالي الشتاء المنيرة التي يحس فيها الفتى أن العالم لا يسعه على الرغم من كبره؛ أنه لا يوجد تحت قبة السماء الزرقاء المتلألئة أحد سعيد ومرهف الحس مثله، وأن كل هذه العظمة مخلوقة من أجله. دوت أجراس مركبة الجليد بموسيقى مبهجة، وكأنها سعدت بالعمل مرة أخرى بعدما ظلت صدئة ومختنقة بالغبار عدة فصول من الشتاء.
إن الطريق إلى الطاحونة الذي يمكن الوصول إليه من الطريق السريع ويمتد إلى النهر كانت له ذكريات سعيدة مع كلود. لما كان فتى صغيرا، كان يتوسل إلى والده كي يأخذه معه في كل مرة يذهب فيها إلى الطاحونة. كان يحب الطاحونة وصاحبها وابنة صاحبها الصغيرة. لكنه لم يحب منزل صاحب الطاحونة مطلقا، وكان يخاف من والدة إنيد. حتى الآن، بينما كان يربط فرسيه في الحاجز الطويل بجوار غرفة المحركات، قرر ألا يسمح لأحد بأن يحمله على الدخول إلى غرفة الاستقبال الرسمية، تلك المليئة بالأثاث الحديث والغالي؛ إذ في تلك الغرفة كانت تتخلى عنه دائما شجاعته، ولا يستطيع التفكير في أي شيء يتحدث فيه. وإذا تحرك، كان يصدر من حذائه صرير وسط الصمت، وكانت السيدة رويس تجلس وتطرف بعينيها الصغيرتين الحادتين تجاهه؛ وكلما طالت مدة جلوسه، زادت صعوبة خروجه.
أتت إنيد بنفسها إلى الباب.
صاحت متعجبة: «عجبا، إنه كلود! ألن تدخل؟» «كلا، أريد أن تخرجي معي في جولة. أخرجت مركبة الجليد القديمة. هيا، الطقس جميل هذه الليلة!» «أظن أنني سمعت الأجراس. ألن تدخل وترى والدتي ريثما أتجهز؟»
قال كلود إنه يجب عليه البقاء مع الفرسين، وعاد مهرولا إلى الحاجز. لم تتأخر عليه إنيد؛ إذ لم تكن من هذا النوع من الأشخاص. أتت بسرعة عبر الممر وعبرت البوابة الأمامية لابسة معطف قيادة عليه شعار ولاية مين الذي كانت تلبسه عندما تقود سيارتها الكوبيه في الطقس البارد.
لما اندفع الفرسان إلى الأمام، وبدأت الأجراس تجلجل، سأل كلود: «والآن، أي طريق سنسلكه؟» «أي طريق. يا لها من ليلة جميلة! وأنا أحب أجراسك يا كلود. لم أسمع أجراس مركبة جليد منذ الوقت الذي اعتدت فيه أن تأخذني أنا وجلاديس من المدرسة إلى المنزل في الجو العاصف. ما رأيك أن نمر عليها ونأخذها معنا الليلة؟ لديها، كم تعلم، أكثر من فراء الآن.» وهنا، ضحكت إنيد. «كل النساء العجائز متحيرات بشدة بشأنها؛ إنهن لا يعرفن هل أعطاها أخوك لها في عيد الميلاد أم لا. إن كن متأكدات من أنها اشترتها بنفسها، فأعتقد أنهن سيعقدن اجتماعا عاما.»
ضرب كلود الحصانين الصغيرين المتحمسين بالسوط. «ألا تسأمين من الطريقة التي يتحدثون بها على جلاديس دوما؟» «سأفعل إذا كانت تبالي هي. ولكني أعجب من هدوئها! لا بد أن هناك شيئا يتحدثون بشأنه، وبالطبع تتراكم الضرائب المتأخرة على السيدة فارمر المسكينة. بالتأكيد أشك في أن بايليس هو الذي اشتراها لها.»
لم يعد كلود متحمسا للمرور على جلاديس، وأخذها معهما كما كان منذ بضع لحظات. لقد كانا يقتربان من المدينة الآن، وكانت النوافذ المنيرة تشع بنور خافت عبر بياض الثلج المنعكس باللون الأزرق. حتى في فرانكفورت المتقدمة، كانت مصابيح الشوارع تطفأ في ليلة منيرة كتلك الليلة. كانت السيدة فارمر وابنتها تعيشان في كوخ أبيض صغير في الجزء الجنوبي من المدينة، حيث لا يعيش سوى أصحاب الدخل المتواضع. لما اقتربا أمام السياج، قالت إنيد: «يجب أن نتوقف لنرى والدة جلاديس ولو حتى لدقيقة. إنها تحب الصحبة كثيرا.» ربط كلود فرسيه في شجرة وصعدا إلى المدخل الضيق والمنحدر الذي تحيط به نباتات متسلقة مغطاة بالثلج المتجمد.
قابلتهما السيدة فارمر؛ إنها امرأة ضخمة متوردة الوجه في الخمسين من عمرها، ولها صوت جميل مثل أهل ولاية كنتاكي. أمسكت بذراع إنيد بود واصطحبتها للداخل، وتبعهما كلود إلى غرفة الجلوس الطويلة ذات السقف المنخفض وذات الأرضية غير المستوية التي بها مصباحان، واحد في كل طرف، وبها بضع قطع أثاث متهالك من خشب الماهوجني. هناك، بجانب مدفأة الفحم الصلب، كان يجلس بايليس ويلر. لم ينهض عندما دخلا، ولكنه قال: «مرحبا يا رفاق»، بصوت يتخلله بعض الإحراج. على طاولة صغيرة، وبجانب سلة أدوات الخياطة الخاصة بالسيدة فارمر، كان يوجد صندوق الحلوى الذي أخرجه من جيب معطفه قبل قليل، والذي كان لا يزال مربوطا بشريط ذهبي. كان يوجد مصباح طويل بجانب البيانو الذي من الواضح أن جلاديس كانت تتمرن عليه. تساءل كلود في نفسه هل بايليس يزعم أنه مهتم بالموسيقى حقا! في تلك اللحظة، قالت السيدة فارمر إن جلاديس في المطبخ تبحث عن نظارة والدتها التي نسيت أين وضعتها لما كانت تكتب وصفة طهي خاصة بسوفليه الجبن.
Unknown page