حضرة صاحب الجلالة محمد رضا شاه بهلوي إمبراطور إيران
تمثال شاعر إيران الخالد أبو القاسم الفردوسي
مدفن الفردوسي
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
من هو الفردوسي؟
حضرة صاحب الجلالة محمد رضا شاه بهلوي إمبراطور إيران
تمثال شاعر إيران الخالد أبو القاسم الفردوسي
مدفن الفردوسي
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
من هو الفردوسي؟
وفاء الزمان
وفاء الزمان
رواية تمثيلية
تأليف
أمين الريحاني
حضرة صاحب الجلالة محمد رضا شاه بهلوي إمبراطور إيران
تمثال شاعر إيران الخالد أبو القاسم الفردوسي
مدفن الفردوسي
مدفن الفردوسي الذي أقامته حكومة إيران في بلدة (طوس) تخليدا لذكراه بمناسبة عيده الألفي الذي احتفلت به خلال شهر تشرين الأول عام 1934.
أشخاص الرواية
السلطان محمود بن ناصر الدين سبكتكين الغزنوي
1
أبو القاسم بن منصور المعروف بالفردوسي
2
حسن الميمندي وزير السلطان محمود
أياز أحد رجال البلاط
رئيس الديوان السلطاني
رسول
جمال
أحد أبناء طوس
الزمان
الفصل الأول
المشهد الأول
في قصر السلطان بغزنة
1 (السلطان - رئيس ديوانه - الفردوسي.)
السلطان (وهو جالس على فراش الملك) :
قال لنا بعض رجال البلاط، وفيهم الشاعر والعالم، إنك من الشعراء المبرزين.
الفردوسي (واقفا أمامه) :
صدقوا، يا مولاي!
السلطان :
وإنك عالم بقصص الملوك وأساطير الأقدمين.
الفردوسي :
صدقوا، يا مولاي.
السلطان (مبتسما) :
وإنك على جانب من القحة يذكر ولا يشكر.
الفردوسي (باللهجة الواحدة) :
أما في هذا، يا مولاي، فما صدقوا.
السلطان :
وهل يكذب الصادقون؟
الفردوسي :
ما قلت إنهم كذبوا يا مولاي، ولكن الكمال لله.
السلطان :
وهلا قلت: ولرسوله؟
الفردوسي :
ولرسوله،
صلى الله عليه وسلم ، ولحامل لواء الرسول السيد المالك، الغازي المظفر، يمين الدولة، وأمين الملة محمود ناصر الدين أبي منصور سبكتكين.
السلطان :
إنك لمن الظرفاء. اجلس.
الفردوسي (وهو يجلس على الديوان) :
والحمد لله على ذلك.
السلطان :
وقد يكذب الصادقون في ما يقولون فيك، ويصدق الكاذبون.
الفردوسي :
إني بين يدي مولاي السلطان، أيده الله، وإنه ليرى بعين قلبه ما لا يراه الناس.
السلطان :
أحسنت في هذا. فاعلم أننا دعوناك لغرض وطني جليل. ونحن فيه مقتدون بمن أدركوا من السلف الصالح قيمة الشعر في تخليد أمجاد الملوك والتاريخ. فإن في مكتبتنا كثيرا من القصص والأساطير، المنظوم منها والمنثور، المجموعة في أيام أسلافنا المحبين للشعراء والعلماء. وأول من اهتم بجمعها، لتنظم في ديوان متمم الأجزاء والتأليف، هو الملك كسرى أنو شروان. ثم ألف أبو منصور المعمري كتابه المعروف بكتاب الملوك، وما أظنك جاهله.
الفردوسي :
ولا منكر فضله. فقد حفزني المعمري لإحياء الأمة الإيرانية باللغة الفارسية، وهيج نثره شعري.
السلطان :
وما أظنك تجهل أن أبا منصور الدقيقي شاعر الأمير نوح، آخر الأمراء السامانيين، كان قد باشر نظم الديوان المنشود.
الفردوسي :
الدقيقي، يا مولاي، شاعر مجيد، عالي الإلهام، صادق اللهجة. وإن ما نظمه لمن الشعر النفيس.
السلطان :
رحمه الله. فقد حال القدر دون عمله، فما أنجز غير جزء صغير منه.
الفردوسي :
ألف بيت لا غير.
السلطان :
وإننا متيقنون أن الفردوسي يأتينا بما لم يستطعه المتقدمون. (الفردوسي يقف وينحني أمام السلطان.)
السلطان :
أنت يا ... ما كنيتك؟
الفردوسي :
أبو القاسم، يا مولاي.
السلطان :
أنت، يا أبا القاسم، محط رحال اختيارنا.
الفردوسي :
أنحني أمام بحر التعطف والفضل، وأسأل الله ألا يغرقني فيه.
السلطان (ضاحكا) :
لتطمئن نفسك. سنبقيك على الشاطئ ولا نريك من قعر البحر، إن شاء الله، غير درره.
الفردوسي :
وما درر الشعراء إذا قوبلت بدرر السلاطين؟
السلطان :
هذا التبذل في المجاملة لا يليق بك.
الفردوسي :
صدقتم يا مولاي. لكل جواد كبوة.
السلطان :
أقال الله كبوتك، ووفقك في ما اخترناك له. فالحلم الذي حلمه كسرى أنو شروان، سيحققه السلطان محمود.
الفردوسي (مبتسما) :
إن شاء الله.
السلطان (وقد أدرك مغمز الشاعر) :
عفا الله عنك. إننا لمن أهل الورع والتقوى - إن شاء الله - ومن أهل الجود والكرم، فسنجزيك على ديوانك، يا أبا القاسم، خير جزاء.
الفردوسي :
جزاء الشاعر عمله، يا مولاي. ولكن هذا الشاعر، عبد الله وعبدكم، هو من أبناء الأرض، كما أنه من أبناء السماء. فقد كان أكارا قبل أن صار شاعرا. هو لذلك يحب الأرض، ويرعى حق ما يغرس ويزرع فيها. وما قسمته من أرض ربه وسلطانه غير القليل. ولكن هذا القليل عرفه بقلب الحياة الزراعية، فصار يحن إليها، ويرثي لحالها. إن طوس بلدي لفي افتقار إلى كرم الله، بل رحمته تعالى. فكثيرا ما تموت البذرة في أراضينا من الظماء، وكثيرا ما تهلك الأشجار. لأن القيظ بلاؤنا يا مولاي، وأن الجدب عدونا الأكبر. وإني واثق بالله وبمولاي الغازي المظفر أننا سنتغلب على هذا العدو.
السلطان :
الغيث والحياة بيد الله. فإن أمسك أو أرسل، فليس للإنسان غير الشكر. وهو في الحالين عاجز.
الفردوسي :
ولكن العلم، يا مولاي، يعين الإنسان في عجزه. فقد كنت منذ صباي أحلم الأحلام لإنقاذ طوس من عدوها. ولا يزال لي أمل حي مفتاحه العلم. أريد أن أبني سدا عظيما يجمع من المياه ما يكفي في أيام القيظ أرض طوس وأهلها.
السلطان :
جليل هو عملك، وشريف أملك وحلمك. فإذا كان ينقصك المال نقول: سيتحقق الحلم إن شاء الله. سنجزيك عن كل بيت من الشعر دينارا واحدا. وكلما أنجزت ألف بيت تجيئك الألف ذهبا.
الفردوسي (ينحني شاكرا) :
ولكنني لا أريد المال ألفا ألفا. أريده بكامله دفعة واحدة. وعندما يتم العمل نباشر بعد النظم البناء فيتحقق أملي بالري، كما يتحقق أملكم بالشاهنامه.
السلطان (وهو يقف) :
حقق الله الأملين، يا أبا القاسم.
الفردوسي :
في عهدكم السعيد يا مولاي، إن شاء الله. (ينحني ويخرج.)
المشهد الثاني
في القصر بغزنة بعد بضع سنوات (السلطان - الوزير - حسن الميمندي - أياز.)
حسن :
إنكم تعلمون، يا مولاي، أني أول من سمع لشعراء البلاط الذين جاءوا بالفردوسي معجبين به، وإني أول من حدث جلالتكم عنه واستعطفكم عليه.
السلطان :
وهل ندم العنصري والفرخي. وهل ندمت أنت؟
حسن :
لا والله. لست بنادم على ما تقدم مني. ولكني أعجب لما تغير منه. فهو يظنني عدوه، ويرسل لسانه في الطعن علي.
السلطان :
ومن قال لك ذلك؟ شعراء البلاط؟
حسن :
وغيرهم يا مولاي.
السلطان (يمشي إلى الديوان ويجلس) :
يتمتم {والشعراء يتبعهم الغاوون وهم في كل واد يهيمون}.
أياز (وقد وقف إلى يساره) :
وهذا الشاعر الطوسي أغوى من غوى ، وأخبث من هام، ولا تنسوا، يا مولاي، أنه من طوس، البلد الذي هو عش المعتزلة، وإن كان من ريب في انتساب الفردوسي إلى أولئك الزنادقة، فلا ريب البتة في أنه شيعي.
السلطان (واجما) :
علمنا ذلك.
حسن (وقد وقف إلى يمين السلطان) :
وألبستم حكمكم حلة الحلم.
السلطان (متبرما) :
إن في الرجل ما يشفع به.
حسن :
حتى وإن كان شتاما لوزير جلالتكم.
السلطان :
أتصدقون كل ما تسمعون؟ أو تغضبكم كلمة قد تكون كاذبة، وقد تكون مطية للفتنة؟
حسن (يقول: أرسل مائة دينار إلخ، كأنه يقلد الفردوسي فيضحك السلطان) :
هي الحقيقة يا مولاي. فهو يرسل إلى جلالتكم الأشعار ويرسل إلي الطلبات والشتائم ... أرسل مائة دينار يا ابن عم إبليس ... مائتين، يا ملعون الوالدين (يضحك السلطان)
منا المال ومنه قبح المقال على الدوام.
أياز :
وما هو والله بالشاعر الكبير ليستحق ما وعدتم به من جزاء.
حسن (كأنه يخاطب أياز) :
وهب أنه نظم مائة ألف بيت. فهل علينا دفع مائة ألف دينار؟! أعدها لإبليس ولا أعدها لهذا الخبيث.
السلطان (بلهجة صارمة) :
اسمع يا حسن، إني أقول ما تقوله في الفردوسي. وأقول ما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم، في الشعراء. وأقول ما يقوله أياز في فساد مذهب هذا الرجل. ولكني أقول أيضا إنه يقوم اليوم بما عجز دونه سائر المتقدمين والمعاصرين من الشعراء.
أياز :
هو من الشعراء الذين يحسنون الانتفاع بمن تقدمهم.
حسن :
ولا يترددون في السرقات.
السلطان (وهو ينهض غاضبا) :
اسمع يا أياز! اسمع يا حسن! أيبني البناء بدون حجارة؟ أولا يكفي من فضله، وإن كان المقلع مقلع غيره. إنه ينحت الحجارة ويصقلها ويشيد بها قصرا فخما؟
أياز :
يأخذ مجانا ولا يعطي مجانا.
حسن :
بل يتقاضى من الخزانة السلطانية أضعاف أضعاف ما يستحقه عمله. وقد أرسل أخيرا مع الرسول يقول إني أنا الممسك عنه. وإن جلالتكم غير راضين عني.
السلطان (مطيبا خاطره) :
وما همك إذا كان الأمر خلاف ذلك؟ سري عنك. وأرسل إليه نصف ما يطلب.
حسن :
سنرسل إليه الربع وهو لا يستحق نصف الربع، بل لا يستحق دينارا واحدا قبل أن يتم عمله ... (يهم بالخروج.)
السلطان (بشيء من الغضب) :
حسن.
حسن :
أمركم يا مولاي. (يخرج حسن وأياز.)
المشهد الثالث (السلطان وحده.)
السلطان :
هو على شيء من الحق. ولا لوم عليه في غير غيظه وسوء ظنه. فهو يسمح للوشاة فيقع في أشراكهم. أما إني أفرطت في ما وعدت به فهذا صحيح. إن مواد الشاهنامه هي في هذه القصص والأساطير التي جمعناها، أجل! إن المواد منا فهلا يستكثر الدينار الواحد بالبيت الواحد؟ بلى والله، هو كثير، كثير. الحق مع حسن وأياز. أما إن الفردوسي مسترفد لجوج شتام، فذلك لا يستغرب. هو في هذا مثل سائر الشعراء، ولكنه أعلاهم شعرا، وأحذقهم صناعة، وأصفاهم ذهنا، وأكثرهم علما. إذن استرفاده يغتفر، وإن اشتهاه حسن بسقر.
المشهد الرابع
في بيت الفردوسي بطوس (الفردوسي وحده.)
الفردوسي (يناجي نفسه) :
يسوفني العبد في باب السلطان ولا تسوفني أرباب القريض. أتطيعني القوافي، وتنقاد المعاني إلي، ويعصيني ذاك القابض على مفتاح الخزانة السلطانية؟ ثم يشيع أن جزائي سيكون فضة لا ذهبا؟ دراهم لا دنانير؟ وهل يخلف السلطان وعده؟ لم لا يردعه إذن؟ ولم لا يأمر في الأقل بقضاء حاجتي؟ فهل يخشى السيد عبده؟ إني أظن أن السلطان من رأي وزيره. ولا يجهر بذلك. وهل يجبن السلطان الغازي، يمين الدولة، وأمين الملة، هل يتنصل ويتذرع كالصعاليك؟ ما كان ليشغلني والله أمر سلطان أو وزير لولا هذا الوعد الذي وعدت؛ هذا الوعد المنوطة به آمالي، بل آمال طوس وأرضها، وما ضرهم وضرني إذا ما طلبت من حين إلى حين مائة أو مائتي دينار أقضي بها حاجات يومي لأستطيع أن أتمم عملي. وما عملي؟ عملي تخليد الملوك، نعم تخليد الملوك!
وهل يعيش كالصعلوك، مخلد الملوك؟ أأستدين ثم أستدين ثم أستدين؟ وماذا يبقى من مال السلطان بعد أن أدفع ديوني؟ ... مال السلطان؟ لا، وربي. بل مالي أنا، المال الموعود به. أما إذا أخلف السلطان، والله وبالله! وكيف أحقق حلمي أنا المحقق حلم السلاطين؟ أتموت أرض طوس ظمأ، وأنا الشاعر أحلم منذ صباي بأن أبني لها السد الذي فيه الحياة والخصب والسعادة؟ أتموت طوس ظمأ، ويموت الفردوسي جوعا، وهو يصوغ القوافي المخلدة لمجد إيران وملوكها؟
أطلب من اللئيم الجالس في باب الخزانة مائة دينار، فيرسل إلي عشرة دنانير - هذا إذا تلطف - أو لا يرسل شيئا. لولا الحاجة إليها، لوضعت كل دينار في بعرة جمل وأرجعتها إليه. ولكني صبرت كل هذه السنين على لؤمه، وما سخمت اليراع بهجوه. أما السلطان محمود، فإن بيني وبينه حسابا. إن كان من المخلفين إي وربي. فإن اليراع الذي خط آيات المجد يخط كذلك آيات السخط والنقمة. وفيها العار عليه والخزي والهوان.
الفصل الثاني
المشهد الأول
في القصر بغزنة سنة 400ه/1010م (السلطان في مجلسه ومعه حسن وأياز وغيرهما من رجال البلاط.)
السلطان :
إن هذا اليوم لأسعد عندنا من غزو مظفر. أجل إننا مغتبطون فرحون بما وفق الله به عبده الشاعر العظيم الفردوسي.
فقد أتم الملحمة الكبرى - الشاهنامه - وها هي بين يدينا في سبعة أجزاء. شد ما كانت رغبة أسلافنا من الملوك بأن يزين عهدهم ويكلل بهذا الأثر الشعري الخالد.
أجل، إن في هذه الأجزاء السبعة ستين ألف بيت من الشعر العالي المخلد لذكر الأجداد بلغة الأجداد. وإننا مبرون بوعدنا. فبادر يا حسن إلى التنفيذ. أرسل إلى الفردوسي حمل فيل من الذهب؛ ستين ألف دينار.
حسن :
أمركم مطاع، يا مولاي. ولكني أستأذن جلالتكم بكلمة قلتها سابقا وأعيدها اليوم. وإني اليوم أثبت قدما، وأشد حجة، في ما أجرؤ به على جلالتكم. إن في الخزانة المال. ولكن لدينا من أوامر صاحب الجلالة ما كاد يستنفد تنفيذه ما فيها. وشئون الملك قبل شئون الشعراء. أفلا تأمرون إذن بأن يكون جزاء الفردوسي حملا من الفضة بدل الذهب؟ هو جزاء سلطاني كبير، يا مولاي، ومن أمراء هذا الزمان وملوكه ...
السلطان :
كفى، كفى، ليكن المال ستين ألف درهم من الفضة.
حسن :
سمعا وطاعة يا مولاي.
المشهد الثاني
سوق في غزنة (الرسول عائد من منزل الفردوسي ومعه خادمان يحمل كلاهما كيسين من الفضة.)
الرسول :
لله من غضب هذا الشاعر، ولله من كرمه، كأنه هو السلطان محمود. وكأن السلطان من مواليه. فضة السلطان (يقلد الفردوسي)
خذوها ولا شكر ولا فخر. خذوها، أنا ما أبتغيتها. ولا أدنس يدي بها (ينتهي التقليد)
ما رأيت في حياتي، وما أظن أحدا رأى مثل هذا الذي رأيته اليوم. وما سمعت في حياتي وما أظن أحدا سمع مثل هذا الذي سمعته الآن. إني محزون والله وإني مسرور ... مسرور محزون، وكيف يكون ذلك؟ هو والله كذلك، إني محزون لأني عالم بالوعد السلطاني. وما كنت أظن أن السلطان يخلف بوعده، وإني مسرور مبتهج، وحق الله. فمن لا يسر، من لا يبتهج بعشرين ألف من الفضة؟ عشرين ألفا أعطاني هذا الشاعر. عشرين ألف درهم، هي هذه الأكياس (يشير إلى الأكياس التي يحملها الخادمان)
لقد أصبحت من المدرهمين. عجيب هذا الشاعر في كرمه وعجيب هو في غضبه. فقد نفح قيم الحمام الذي كان يستحم فيه عشرين ألفا كذلك. عشرين ألف درهم، كأنها عشرون فضة. وهبها وهو يقول: ما نظمت الشعر طمعا بالمال، بلغ السلطان ما سمعت وما رأيت. ولولا الشاهدان - هذان الاثنان - لما صدق الناس ما سأخبر به. فبعد أن أغناني الشاعر، وأغنى صاحب الحمام، نادى بائع «الفقاع» فصب له كأسا، فشربه وحمد الله، وأعطى الساقي ما تبقى من المال - عشرين ألفا عدا، كذلك وزع الهدية السلطانية - في سورة من الغضب - لله من غضبه! وراح يقول: ويل لهذا السلطان مني، سأدك عرش مجده بقصيدة. الله أكبر. الله أكبر ... (يخرج الرسول والخادمان.)
المشهد الثالث
في منزل الفردوسي بغزنة (الفردوسي ثم الزمان.)
الفردوسي :
مولى من موالي الترك - عبد ابن عبد - يجلس على العرش ويظن نفسه من السلاطين. وهل يخلف السلاطين بوعودهم؟ محمود بن ناصر الدين بن سبكتكين، لو كنت ذا نسب شريف لما أخلفت بوعدك. لو كان في عروقك شيء من دم الرسول
صلى الله عليه وسلم ، لأجلست الفردوسي إلى جنبك على العرش. (خلال هذه النجوى يدخل الزمان, وهو شيخ هرم جليل، أبيض اللحية طويلها ، محدوب الظهر ، وبيده عصا يعتصي عليها. يدخل دون أن يراه الفردوسي فيباغته)
الزمان (بصوت هادئ ناعم جازم) :
وستجلس وحدك على عرش أرسخ من عرشه وأعلى؟
الفردوسي :
ومن أنت أيها الشيخ؟ ومن جاء بك إلي؟
الزمان :
أنا الزمان.
الفردوسي (بلهجة السخرية) :
ما شاء الله. وهل تحسب نفسك صديقا تسعد زيارته؟
الزمان (بلهجته الأولى) :
إني صديق من آمن بي من أبناء العبقرية.
الفردوسي :
لقد آمنت بك وسجلت إيماني في ختمة الشاهنامه.
الزمان :
لقد قلت هناك ما يقوله كل شاعر في قصائده، وهو محفوز بالأمل لا باليقين.
الفردوسي :
وهل تحسبني أنت من سواد الشعراء؟
الزمان :
ذاك ما حسبته أنت بنفسك. فقد ناوأت من ناوأك لضعف في خلقه، وغضبت منه لنقص في جزاء مادي. وما كنت لتفعل ذلك لو أنك أدركت وتيقنت ما هو مكتوب لك من الجزاء الأكبر.
الفردوسي (بشيء من القنوط) :
إني مدرك ذلك ومتيقنه، ولكنني - وأنا ابن يومي - سلوت.
الزمان :
سلوت، نعم، سلوت. وما ذلك من شيمتك، بل من شيم الشعراء غير المجلين.
الفردوسي (غاضبا مستهترا) :
لست مسرورا بزيارتك، ولا بكلامك، فقد طعنتني مرارا في الصميم، وجئت الآن تذر الملح على جروحي. بعدا لك.
الزمان (دون أن يغير لهجته) :
إني صديقك الأكبر، يا أبا القاسم. وما جئت أذر الملح على جروحك، بل جئت ببلسم الحقيقة. أذكرك ...
الفردوسي (يقطع عليه الكلام) :
وهلا جئت السلطان مذكرا؟ وهلا جئت منذرا ذلك اللئيم الحامل مفتاح الخزانة السلطانية؟
الزمان :
اطو كشحك عنها وعنه، يا أبا القاسم، وانساهما ...
الفردوسي :
والوعد السلطاني؟
الزمان :
وعود السلاطين كأحلام الشعراء.
الفردوسي :
وأحلام الشعراء حقائق إلهية.
الزمان :
والحقائق الإلهية لا تتم، ولا تظهر للناس إلا بواسطتي. أنا الزمان عد إلى حكمتك وحلمك ومزق هذه القصيدة التي تهجو بها السلطان. مزقها وأحرقها. وإن ذكرت، فلا تذكر غير فضله في اختيارك لنظم الشاهنامه.
الفردوسي :
بئس هذه الزيارة، وبئس ما تقول. فهل وجد غيري مثلي وفضلني عليه؟
الزمان :
إن فضله لفي ما عرف منك. إن فضله في إكرام العبقرية بمواهبك.
الفردوسي (متمردا متكابرا) :
ذلك فخر له وليس لي. واعلم يا عدو العباقرة أن الفردوسي لا يحتاج إلى تشجيع السلاطين، وإنه لفي غنى عن موالاة الزمان.
الزمان (بلهجته المعتادة) :
إن غضبك لا يغير ما بي. أستودعك الله. (يخرج الزمان فيتبعه الفردوسي ويقفل الباب بشدة غاضبا.)
الفردوسي :
الزمان؟ قبح الله وجه الزمان!
المشهد الرابع
في قصر السلطان (السلطان ثم الحاجب وحسن.)
السلطان (وفي يده القصيدة التي هجاه الفردوسي بها) :
يا عدو الله. يا ابن من ما عرف الله ولا الرسول. أهذا منك جزاء الإحسان؟ أتعيش في ظل السلطان، وتنعم بعطفه وفضله، ثم يكون هذا الغدر منك؟ أتأبى يا فردوسي، إكرامنا وخيرنا، وترسل لسانك في الطعن علينا، ثم تهجونا هجو اللئام من أصحاب القوافي؟ وتريد بعد ذلك أن تعلمنا الكرم ...
إننا نحمد الله لما كان من إخلاف الوعد، فقد أظهر ذلك ما في نفس الرجل من الخبث واللؤم, ولسنا نخشى والله حكم الزمان، فما الفرق بين هذا الشاعر في سلوكه المنكر وبين غيره من الشعراء؟ غدد السم تحت أنيابهم، لقد صدق الرسول
صلى الله عليه وسلم ، صدق والله (يصفق كفا على كف)
سينال اللئيم جزاء ما خطت يده الأثيمة. (يدخل الحاجب.)
علي بحسن (ينحني الحاجب ويخر)
سيندم وسيعفر وجهه أمامنا مستغفرا. (يدخل حسن.)
حسن :
أمركم يا مولاي.
السلطان :
علي بالفردوسي، أحضره في الحال.
حسن (يخاطب نفسه) :
أتت النهاية كما خشيت، (يخاطب السلطان)
قد طالما قلت لمولاي ...
السلطان :
أقصر. لا تكلمني ب «قد طالما قلت» أرسل الآن من يحضر الرجل.
حسن :
قد سمعت يا مولاي، أنه رحل عن المدينة.
السلطان (وثورة الغضب في ازدياد) :
يا رسول السوء، يا بذرة الخبث والنتانة، أرسل الشرطة يبحثون عنه ويأتون به مقيدا بالحديد، عجل، عجل الله أجلك. (ينحني حسن ويخرج.)
المشهد الخامس
في الطريق (الفردوسي في زي الدراويش وجمال.)
الفردوسي :
هل صادفت مرة قطاع الطرق؟
الجمال :
مرات يا شيخي، ولكني لا أخشاهم لأني عشيرهم. لا تخف، لست منهم اليوم، ولا غدا. أنا اليوم رفيقك في السفر، ودافع عنك شرورهم إن شاء الله.
الفردوسي (وهو يبتسم بسمة التهكم) :
وما قاطع الطريق بشر يتقى.
فالناس أعداء الله. وقاطع الطريق يعيد إليهم شيئا من التقوى، أو يلقي في قلوبهم خوف الله.
الجمال :
إن خوف الله وافر فيك على ما يظهر، لست بحاجة إلى من يقطع عليك الطريق. أنت من رجال الله.
الفردوسي :
ما أنا غير درويش عابر سبيل، ولا أزال في أول الطريق ينقصني كثير من العلم والحكمة فضلا عن مخافة الله.
الجمال :
لا تخادعني. لأني أرى في تواضعك برهانا على علمك وتقواك، نفعني الله برفقتك.
الفردوسي :
نعم قاطع الطريق أنت. فإنك على شيء من الوداعة والخلق.
الجمال :
لا فضل لي بذلك، فمن يعيش على الدوام في البراري، كقاطع الطرق على الناس، تعلمه الأخطار ما لا تعلمه الكتب والأسفار. وفي الكر والفر ما يذكي المشاعر، ويقصر الأجل.
الفردوسي :
وهل تعد قصر العمر من النعم؟
الجمال :
وهل تسألني ذلك أيها الدرويش الفيلسوف؟ أليس الموعود فيه في الآخرة خيرا مما تلقاه في دنياك هذه؟
الفردوسي :
إي والله. إي والله. (مخاطبا نفسه)
خذوا العلم والحكمة من الجمال (مخاطبا الجمال)
وقد قال الشاعر الدقيقي إن الكريم لا يطيل الإقامة، وإن المياه الراكدة تأسن.
الجمال :
وهذا ما يقوله قاطع الطريق.
الفردوسي :
ولك أن تقول كذلك إن المياه الراكدة أطول عمرا من المياه الجارية؛ المياه التي تجري إلى البحر.
الجمال :
وزد على ذلك أن المياه الجارية - أنت وأنا وأمثالنا - هي أصفى وأنفع من المياه الراكدة.
الفردوسي :
ما أنت بقاطع طريق، والله، ولا أنت بجمال، أنت من أهل العلم!
الجمال :
هذا من حسن ظنك. وهل تقول لي ما الفرق بين العالم والجاهل؟
الفردوسي (بلهجة التهكم المحزن) :
العالم يتقرب من الملوك، والجاهل يبتعد عنهم.
الجمال :
أحسنت، وهناك غير ذلك.
الفردوسي :
العالم يحمل القلم، والجاهل يحمل المحراث.
الجمال :
أعد الرمي.
الفردوسي :
العالم يعادي الزمان، والجاهل يواليه.
الجمال :
أظنك من العلماء الذين يعلمون أنهم يجهلون. أو أنك من الدراويش الظرفاء في ما يجهلون ويعلمون. هاك من قاطع الطريق الجواب وقد يكون فيه ما يزيدك علما أو جهلا. الفرق بين العالم والجاهل، يا شيخي، هو أن الجاهل يموت غنيا، والعالم يموت بين يدي الفقر والهجر.
الفردوسي :
أحسنت وربي، أحسنت، فقد زدتني علما بجهلي. (يخرجان وهما يتحدثان.)
المشهد السادس
في القصر بغزنة، بعد إحدى عشرة سنة أي سنة 411ه/1021م (السلطان محمود ورئيس الديوان.)
السلطان :
وماذا بعد ذلك؟
الرئيس :
وبعد أن أكرمه أمير طبرستان، الأمير شهريار بن شروين، وأحسن، صرفه إكراما لجلالتكم. سافر إلى بغداد، وتقرب من الخليفة العباسي، القادر بالله، فأكرمه، وقيل إنه نظم للخليفة قصة يوسف وزليخة فأجازه عليها. وبعد أن بلغه خبر عفو جلالتكم عنه، عاد إلى وطنه، ولكنه عاد شيخا مزعزعا محزونا.
السلطان :
هل هو اليوم في مدينة طوس؟
الرئيس :
هو اليوم بطوس نعم يا مولاي أسير الفاقة، وأليف البؤس والغم، وقد علمت أخيرا أنه مريض.
السلطان (متأثرا) :
الفردوسي فقير بائس مريض، وأنا السلطان محمود مستمتع بالخير والنعيم؟ وقد لا أبرؤ أمام الله مما أصيب به في سنواته الأخيرة. بل قد أعد من المسئولين عما لقيه من الشقاء وهو ينظم ديوانه الخالد. لا، لست متذرعا بشيء، ولست متهما غير نفسي. فقد سمعت لحسن وأياز، وكان ينبغي ألا أمدهما في هواهما. كان من الواجب علي أن أعمل برأيي في بادئ أمره، ووفقا لقلبي في فاتحة حبه ... الفردوسي فقير بائس مريض؟ ما فات الأمر، والله، ما فات الأمر، سيتمتع ولو بيوم واحد سعيد قبل موته؛ بيوم واحد ينسيه ما هو فيه، وينسيه ما كان من تقصير سلطانه. سارع إلى الخازندار وعدوا ستين ألف دينار ذهبا وإذا نقص شيء منها فأرسلوا بقيمته نيلا. وحملوها على جمالنا، وسيروها عاجلا إلى طوس؛ إلى الفردوسي بطوس.
الرئيس :
سمعا وطاعة، يا مولاي. (ينحني ويخرج.)
المشهد السابع
في طوس (جنازة تمر في أعلى المسرح - اثنان من أهل المدينة أحدهما الجمال - في وسط المسرح يتحدثان.)
الأول :
قيل إنه كان في بغداد عزيزا مكرما. ولكنه عاد إلى وطنه فقيرا، ومات فقيرا حقيرا.
الجمال :
سبحان الله. إني أذكر حديثنا منذ عشر سنوات. كنا في الطريق إلى طبرستان. وكان هو في زي الدراويش، فما عرفته إلا بعد أن حل ضيفا على الأمير هناك. سألته في الطريق: ما الفرق بين العالم والجاهل؟ فأجاب بما دل على ما كان في نفسه من الغم والألم، ثم قلت له: الجاهل يموت غنيا والعالم يموت فقيرا، رحم الله الفقراء. (يدخل رسول السلطان، فيقف عند المدخل ويخاطب رفقاءه الباقين مع الحملة خارج السور.)
الرسول :
انتظروا ريثما نسأل. فقد تكون البوابة الأخرى أقرب إلى البيت. (يتقدم إلى وسط المسرح حيث الرجلان يتحدثان.)
الرسول :
السلام عليكم.
الجمال :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الرسول :
هل لكم أن تدلونا على بيت الشاعر الفردوسي؟
الجمال :
بيت الفردوسي؟ اتبع هذه الجنازة تصل إليه.
الرسول :
وجنازة من هي؟
الجمال :
أما علمت. ألست من طوس؟
الرسول :
لو لم نكن من رجال السلطان، أيده الله، لقلت إننا غرباء، فقد جئنا من غزنة نحمل هدية سلطانية إلى الفردوسي.
الجمال :
الله الله. (وهو يضرب كفا بكف).
الرجل الآخر :
عودوا أدراجكم.
الجمال :
أو سيروا في الجنازة، وضعوا الهدية مع الشاعر في قبره.
المشهد الثامن
الزمان :
ما صدق الشاعر ما قلته له منذ ألف سنة، وهو أن جزاءه الأكبر عندي. فقد عاش شاعرا فارسيا ومات شاعرا فارسيا، وهو اليوم من أكبر شعراء العالم. له المنزلة العالية العزيزة في المشارق والمغارب. والبرهان في هذا المهرجان. والدليل في هذه الوفود الجليلة من الأمم الشرقية، ومن الجامعات الكبرى الأوروبية والأمريكية.
أجل، قد فتح الفردوسي فتوحا تصغر عندها فتوح السلاطين والملوك الأقدمين، فهي دائمة في مجدها، خالدة في خيرها، وفي جميل آثارها. المجد للشاهنامه، والخير للأمم التي تجتمع اليوم وفودها في عاصمة إيران، وفي مسقط رأس الشاعر الخالد. المجد والخير للأمم التي ترفع العقل على الأهواء، والروح على الأطماع، والشعر على المشاعر الظاهرة، والثقافة على السيف والمدفع. إن الفتح الأعظم، الفتح الخالد المجيد المفيد، إنما هو للعبقرية، وللأمم التي تمجد العبقرية، فترفع فرحة أعلامها البيضاء المذهبة الحواشي، ترفعها عاليا باسم الإخاء الإنساني، والتضامن الدولي، والسلام والهناء في ممالك الانسان شرقا وغربا.
المجد للشاهنامه التي ولدت فارسية، وجازت القفار والبحار إلى البلدان القصية، غازية باسم السلام. منتصرة باسم العبقرية.
فاستوت على عرشها في اللغات الأخرى الأوروبية والشرقية، الفرنسية والإنكليزية والألمانية والطليانية والتركية والعربية.
أنا الزمان منصف الشعراء، ومنصف الممالك وأربابها، أقف اليوم مفاخرا بملك وأمير وسلطان. وبالشاه المجدد لمجد إيران. أقف مفاخرا بكسرى أنو شروان. أول من فكر في كتاب الملوك وشجع على نظمه.
وبالأمير نوح الثاني من آل سامان. المقتفي أثر أنو شروان. وبالسلطان محمود الغزنوي الذي تشبه بسلفيه وفاقهما فبرزت الشاهنامه كاملة باهرة في عهده المجيد. وبالشاه رضا خان بهلوي روح الدولة القديمة الجديدة ورب هذا المهرجان الفردوسي.
المهرجان الفردوسي مهرجان العلم والثقافة. مهرجان الشعر والنور. مهرجان السلام والإخاء الإنساني. مهرجان التآلف والتضامن بين الأمم. مهرجان الولاء الدولي بين الشرق والغرب.
أنا الزمان أقول للشرق وملوكه: أشعلوا مصابيح الثقافة والوئام في الثغور ودونها، بينكم وبين الجيران.
أنا الزمان أقول للغرب وأربابه: أشعلوا مصابيح العلم والعدل في الثغور ودونها، بينكم وبين الأمم الشرقية.
أنا الزمان أقول: المستقبل للعلم الذي فيه خير الناس أجمعين، وحرية الأمم جمعاء. لا للمال المستعبد للأمم والشعوب.
أنا الزمان أقول: المستقل لسياسة العمران العالمي، لا لسياسة الاستعمار الدولي.
أنا الزمان أقول: المستقبل للمدنية التي تعزز العقل والروح كما تعزز المادة، لا للمدنية التي تعززها الجيوش والأساطيل.
من هو الفردوسي؟
انتهت في الصفحة السابقة الرواية الرائعة التي ألفها الكاتب الفيلسوف النابغة الأستاذ أمين الريحاني عن حياة «الفردوسي»، وقد رأينا بهذه المناسبة أن نأتي على ترجمة هذا الشاعر بكلمات موجزة:
نشأة الفردوسي
هو أبو القاسم منصور بن فخر الدين أحمد بن فرخ الفردوسي، ولد حوالي سنة 329ه في قرية اسمها باز من ناحية طبران إحدى مدينتي طوس؛ لأن طوس كناية عن مدينتين أكبرهما طبران والأخرى نوقان، وفي بعض الروايات أن الفردوسي من شاداب، وفي بعض الكتب أنه من قرية رزان قرب طوس.
الرؤيا
لما ولد الفردوسي رآه أبوه في المنام على سطح عال متجها تلقاء القبلة يصيح فيسمع أصداء صوته من كل جانب، فذهب إلى الشيخ نجيب الدين وقص عليه الرؤيا، فعبرها بأن الفردوسي سيكون فصيحا يسمع صوته في أربعة أركان العالم فيلقاه الناس بالقبول. ولما بلغ الفردوسي سن التعلم شغل بالعلم وفاق أقرانه وعكف على قراءة الكتب وقد شغف بتاريخ الفرس.
سد الماء
وكان يحبب إليه الجلوس على جدول يرفده نهر طوس، ويأنس بالماء الجاري ويغتم كلما طغى السيل فجرف السد فانقطع الماء. وكان يتمنى أن يبني سد الماء بالحجارة والآجر والحديد، ونذر أن ينفق في هذا السبيل ما يملكه من مال.
اللقب
والفردوسي لقبه الشعري كدأب شعراء الفرس، ويقال إنه نسبة إلى بستان في طوس اسمه الفردوس كان لعميد خراسان سوري ابن المغيرة، وكان أبو الفردوسي خادمه.
والفردوسي كما يقول «دولتشاه» كان فقيرا، وقد فر إلى غزنة من ظلم والي طوس، وظل يرتزق بإنشاد الشعر حتى عرفه العنصري فقدمه إلى السلطان.
على أن المؤرخ العروضي يخالف دولتشاه في رأيه بالفردوسي ويقول: إن الفردوسي كان من دهاقين طوس، وكان له شوكة عظيمة في قريته، وكان في غنى بما تغله ضياعه، ويظهر من الشاهنامه أنه كان صاحب زرع، وكان يشكو من البرد الذي أتلف الزرع وأهلك الغنم ولم يدع شيئا، وجعل الأرض كقطعة من العاج إبان الخراج.
الشاهنامه
المتفق عليه في كتب الرواة أن الفردوسي نظم كتابه «الشاهنامه» في خمس وثلاثين سنة آخرها سنة 400ه أو قبلها بقليل، وقد كتبه النساخ علي الديليمي في سبعة مجلدات. أما كيفية اتصاله بالسلطان محمود وما تم بعد ذلك من غضبه عليه ثم رضائه عنه ثم موته، فيراه القارئ مفصلا بعض التفصيل في خلال هذه الرواية التمثيلية الطلية.
وفاة الفردوسي
يقول دولتشاه: إن الفردوسي توفي سنة 411ه، ويروي غيره أن وفاته سنة 416ه. فيكون إذن أوفى على الثمانين، وهذا يلائم ما يروى في خاتمة الشاهنامه.
شاعرية الفردوسي
ويقول نلدكه: إن الفردوسي شاعر مطبوع يستولي على فكر القارئ ويحول القصة التافهة بإنطاق الممثلين أمامنا، بل كثيرا ما تضيع الحركات في خلال الأقوال ، وهو يفصل الحادثات فيبين أحسن إبانة عن حادثة لم يكتب عنها في الأصل الذي نظم عنه أكثر من أنها وقعت، ويبيح لنفسه أن يخلق حادثات صغيرة ليتم الوصف، وهو يعرف كيف يحيي أبطاله، بل يخرج أحيانا البطل في صورة جديدة غير التي عرفته بها الروايات وما أقدره على تبيان ما وراء أعمال الأبطال من أسباب وأفكار. والوصف النفساني رائع جدا، ونغمة البطولة مسموعة في الكتاب كله، وعظمة الزمان القديم وأبهته وفرحه وترحه وجلاده، مصورة في أسلوب معجب حتى ليسمع الإنسان صليل السيوف وصدى المآدب.
موضوع الشاهنامه
الشاهنامه تجمع معظم ما وعى الفرس من أساطيرهم وتاريخهم من أقدم عهودهم حتى الفتح الإسلامي، وهي مرتبة ترتيبا تاريخيا، تذكر الأسرة فتبدأ بأول ملوكها تبين تاريخه، وما كان في عهده من الحادثات، ثم تذكر الملك الثاني ... وهلم جرا.
Unknown page