وأما الحقُّ الواجبُ، وحَقَّ بمعنى: وَجَبَ، من قولِه سبحانه: ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [الزمر: ٧١]، ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزمر: ١٩]، وجَبَ ووَجَبَتْ، ونقول: حُقَّ لك أن تفعلَ، وحَقِيقٌ بك أن تفعلَ، وعليك؛ يعني: واجبٌ لك، وواجبٌ عليك.
والحقُّ مصدرٌ أُقيمَ مَقامَ الصِّفَةِ، ومعناه: ذو الحقِّ، والعربُ تُسَمَّي الفاعلَ والمفعولَ بالمصدرِ تكثيرًا، يقالُ: رجلٌ عَدْل ورضًا، بمعنى: عادِلٌ ومَرْضِيٌّ، كما أنشدونا:
ترْعَى إذا غَفَلَت حتَى إذا ادَّكَرَتْ ..... فإنَّما هيَ إقْبالٌ وإدْبارُ (١)
يعنون: فإنما هي مقبلةٌ مدبره (٢)، قال سبحانه: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧]، والمرادُ به: البارُّ، أو: البِرُ بِرُّ مَنْ امنَ بالله (٣).
(١) هذا البيت من قصيدة للخنساء -واسمها: تُماضِر بنت عمرو بن الشًريد، من بني سُلَيم- ترثي بها أخاها صخرًا، وهو في وصف ناقة ثكلت ولدها، وروايته في "البيان والتبيين" ٣/ ٢٠١، و"الحيوان" ٦/ ٥٠٧، و"اللسان": (قبل): "ترتع ما غفلت .. "، وفي "ديوانها" ص ٢٤٨، و"خزانة الأدب" ١/ ٤٣١ و٢/ ٣٤: "ترتع مارتعت".
(٢) هذا أحد توجيهات ثلاث لصحة وقوع اسم المعنى خبرًا عن اسم العين، والتوجيه الثاني: أن يقال: إنه مجاز عقلي بحمله على الظاهر، وهو جعلُ المعنى نفسَ العين مبالغةً، والثالث: أنه على تقدير مضاف محذوف، أي ذات إقبال. انظر "خزانة الأدب" ١/ ٤٣١.
(٣) "التفسير الكبير" للرازي ٥/ ٣٨.