فقال مصطفى: ولكن فوزي يهددنا بقوله: إنه في إمكانه أن يظهر إفك سنداتنا وبطلان تهمة الأمراء. فعلى من يستند يا ترى؟
وقال رجب بك: إن فوزي يناضل بالظاهر عن الخلافة، والحقيقة أنه يناضل عن الخليفة عبد المجيد والأسرة العثمانية. فإذا كنا نعفو عن هؤلاء الأمراء فيمكن أن تخف حدة المعارضة.
فقال مصطفى باشا: إن طرد الخليفة والأمراء هو الفوز الحقيقي. فإذا لم نطردهم نبقى عرضة لمكايدهم ودسائسهم، ونبقى كأننا مقيدون بالخلافة.
فقال عصمت: أي نعم. يجب أن نقلع الشجرة من جذورها، وإلا نبتت ثانية. يجب أن نقيم حجابا منيعا بيننا وبين الماضي، ولا يبقى أمامنا إلا المستقبل.
وتكلم البقية بهذه الروح أيضا، وأخيرا قال مصطفى باشا: إذن ما رأيكم النهائي؟ هل نصوغ المشروع ونطرحه للاقتراع في الجلسة القادمة؟
فقال الجميع: نعم. يجب بت المسألة في الجلسة التالية. ولا ريب أن الاقتراع ناجح.
وبعد مناقشة قصيرة اتفقوا على صيغة المشروع، وعلى أن يخطب مصطفى باشا خطبة ضافية ثم يطرحه للاقتراع. •••
في أول مارس سنة 1924 انعقدت جلسة المجلس الوطني والأفكار ثائرة؛ لأن الموضوع شغل بال جميع الأعضاء، ولغطوا به في كل مجلس ومجتمع، وأصبح حديث الأندية والمجتمعات، وما من أحد إلا تكلم فيه وقال قولا. فلما التأمت الجلسة كان كل الأعضاء حاضرين، وكان الناس حول المجلس متجمهرين ينتظرون النتيجة مهما كانت.
ثم وقف الغازي مصطفى باشا. وألقى خطبة رنانة استغرقت نحو ساعة، حام فيها حول موضوعين رئيسيين؛ الأول : أن أعضاء الأسرة المالكة، الذين هم عالة على الأمة، ينقبون تحت أساس الجمهورية لكي يهدموها. والثاني: أن الخلافة كانت عبئا ثقيلا على الدولة، وأن أوروبا محمرة العينين من تركيا بسبب الخلافة التي هي مركز تآلب المسلمين. ولذلك يجدر بتركيا الجديدة أن تطرح هذا العبء عن عاتقها وتلقيه على أمة إسلامية أخرى. وثم يتسنى للأتراك أن يرقوا أنفسهم من غير أن تناهضهم أوروبا.
وما زال يطرق على هذا السندان ويتلقى الاعتراضات من جهة فيصدها بترس أشد منها، والتحبيذات من جهة أخرى فتشد أزره، حتى انتهى بين التصفيق العام والتحبيذ من معظم النواب، وصاح كثيرون: فلتلغ الخلافة من عندنا وليأخذها العرب.
Unknown page