أؤيده هنا تأييدا تاما، لكنه يمضي بعد ذلك ليقول أشياء مثل: «نحن نعلم أن أغلب أعضاء جسدك لا تولد الوعي. كبدك، على سبيل المثال، معقدة للغاية، ولكن لا يبدو أن لديها أي مشاعر.»
16
إذا كان بإمكان المرء أن يتخيل أن للدودة مستوى ما من الوعي (وأنها ستحافظ على وعيها أثناء وجودها في جسم بشري)، فإن إسهام الدودة في مجال الوعي الذي أختبره «أنا» في الوقت الحالي من عدمه لا علاقة له بمسألة ما إذا كانت الدودة نفسها تختبر شيئا ما. لذا فإن هذه الخيوط المنفصلة من الدراسة (ما يسهم في وعيي «أنا» مقابل ما هو «واع») تنتهي بتشويش السؤال الأكبر حول ما هو الوعي في المقام الأول، وأين سنجده في الكون.
ومن خلال التفكير في مفهوم أن البكتيريا أو الخلايا المفردة يمكن أن يكون لها مستوى من الوعي، يبدو كوخ منفتحا على نسخة عصرية من شمولية الوعي، ولكن في الحوار نفسه، يؤكد أن المخيخ، الذي يضم تسعة وستين مليار خلية عصبية، «لا يولد الوعي». لكن لمجرد أن المخيخ غير مسئول عن الجزء الذي يحكم اللغة من مخي أو غير مسئول عن تدفق الوعي الذي أعتبره «أنا»، فلا يعني هذا أننا لا نستطيع أن نتساءل عما إذا كان المخيخ «منطقة أخرى» من الوعي (أو مناطق من الوعي)، تماما كما يمكننا التكهن بأن دودة أو بكتيريا قد تكون واعية. وعلى الرغم من أن كوخ يتعامل هنا مع الوعي في سياقين مختلفين - التفكير في وجهة نظر شمولية الوعي في السياق الأول، والإشارة إلى عمليات محددة في الجسم ليست مدرجة في التجربة التقليدية للوعي في السياق الثاني - فإن التفكير الإجمالي في هذا الموضوع في علم الأعصاب والفلسفة يميل إلى أن يكون متضاربا؛ أو على الأقل، غالبا ما يكون جزء من النقاش مفقودا.
وكما ذكرنا سابقا، فرغم أن تعريف توماس ناجيل لكلمة «الوعي» (أي كونه «مثل شيء») هو أصح طريقة للحديث عن التجربة الذاتية، فثمة مجموعة متنوعة من الطرق التي يستخدم بها الناس الكلمة (القدرة على التأمل الذاتي، اليقظة، الانتباه، وما إلى ذلك)، وهو الأمر الذي يسبب حيرة إضافية. لكن يمكننا الاستمرار في طرح الأسئلة بشأن ما إذا كان الوعي موجودا خارج الأنظمة التي يمكنها الإفادة بوجوده؛ وعلينا فقط القيام بذلك على مستوى آخر من المحادثة. حين أكون غير واع خلال مدة من النوم العميق، على سبيل المثال، فكل ما نعرفه هو أن الجزء من النظام الذي يشكل «أنا» قد توقف؛ وتتوقف معه استمرارية (وحتى واقعية) تجربتي لمدة من الوقت؛ لأن عمل هذا الجزء من النظام يتوقف لهذه المدة من الوقت. ولكن ما إذا كان الوعي نفسه مستمرا في مناطق أخرى من دماغي أو جسدي بينما تكون خبرة «أنا» متوقفة، فذلك لا يزال سؤالا ينتظر الإجابة.
وبغض النظر عن مقدار المعرفة التي نكتسبها حول كيفية عمل الدماغ، من المرجح أن يبقى السؤال المطروح دون إجابة هو: ما عمق انتشار الوعي في الكون؟ في كتاب «العقل الواعي»، يقترح ديفيد تشالمرز أن الوعي يمكن أن يتجلى في عمل شيء أساسي مثل جهاز تكنولوجي بسيط:
بينما نتحرك على طول النطاق الممتد من الأسماك والرخويات عبر شبكات عصبية بسيطة وحتى ننتهي بمنظمات الحرارة، أين يجب أن يختفي الوعي؟ ... يبدو أن منظم الحرارة (أو الترموستات) ينفذ نوع معالجة المعلومات التي تحدث في سمكة أو رخوية عند تجريدها إلى أبسط أشكالها؛ لذلك ربما يكون لديه أيضا نوع مناظر من الظاهراتية في أكثر أشكالها تجريدا. إنه يميز واحدا أو اثنين من الاختلافات المهمة التي تحدد ما يجب عمله؛ وبالنسبة إلي، على الأقل، لا يبدو من غير المعقول أن تكون هناك اختلافات مناظرة في التجربة.
17
لذا، إذا كان من المعقول أن تكون الديدان أو البكتيريا (أو منظمات الحرارة!) مصحوبة بمستوى ما من الوعي، مهما كان ضئيلا ومهما كان مختلفا عن خبرتنا أنفسنا، فلماذا لا نتبع المنطق نفسه عندما يتعلق الأمر بالأعضاء في الجسم، أو المخيخ (الذي يحتوي على معظم الخلايا العصبية في الدماغ)؟ هل مجرد عدم ظهور شيء ما في مجال ما «أنا» أخبره يعني استبعاد احتمال وجود العديد من أشكال الوعي في الوقت نفسه داخل حدود جسدي؟
وثمة مصدر محتمل آخر للحجج الخاطئة ضد شمولية الوعي يستند إلى التطور، حيث إن أغلب الدعم العلمي والفلسفي لفكرة أن الوعي يقتصر على الأنظمة العصبية للكائنات الحية يعتمد جزئيا على الزعم بأن الوعي هو نتاج للتطور البيولوجي . المنطق مفهوم، بالنظر إلى أن أكثر أساليبنا تطورا للبقاء على قيد الحياة يبدو أنها تتطلب الوعي. ولكن إذا لم يحدد الوعي سلوكنا كما كنا نفترض في المعتاد، فإن حجة التطور لا تصمد. فكيف يمكن أن يزيد الوعي من احتمالات البقاء على قيد الحياة إذا لم يؤثر على سلوكنا بالمعنى التقليدي؟
Unknown page