إضافة إلى حرص العلماء على تعويض الخسارة العلمية التي لحقت بالأمة الإسلامية من آثار غزو التتار لبلاد الإسلام وإتلافهم لنتاجهم العلمي. فانتشرت المدارس في عهد الأيوبين وبعدهم، قال ابن خلكان: "ولما ملك السلطان صلاح الدين الديار المصرية لم يكن بها شيء غير المدارس" (^١).
فبلغت المدارس في القاهرة وحدها سنة (٦٠٠ هـ) ثلاث عشرة مدرسة، ثم تضاعف هذا العدد في زمن المماليك (^٢).
إضافة إلى كثرة المكتبات الزاخرة بأمهات الكتب في شتى فنون المعرفة، ولا غرابة في ذلك إذا كان الحكام يشجعون على العلم، ويهتمون بنشره، وتقريب أهله.
قال المقريزي (^٣) عن الملك الكامل: "وكان يحب أهل العلم، ويؤثر مجالستهم، وشغف بسماع الحديث النبوي ... وكان يناظر العلماء، وعنده مسائل غريبة من فقه ونحو يمتحن بها، فمن أجاب قدَّمه وحظي عنده" (^٤).
وبالجملة فالحالة العلمية في هذا العصر تميزت بالازدهار والنشاط وكثرة المكتبات ودور العلم.
وأعظم ما يدل على هذه الحركة العلمية كثرة العلماء الأعلام في
(^١) وفيات الأعيان (٧/ ٢٠٦).
(^٢) القاهرة وتاريخها وآثارها، د. عبد الرحمن زكي، ص (٧٣).
(^٣) أحمد بن علي بن عبد القادر المصري، المشهور بابن المقريزي، مؤرخ محدث، فقيه، حنفي، له مؤلفات كثيرة، منها: "الخبر عن البشر"، "كتاب النقود" توفي بالقاهرة سنة (٨٤٥ هـ). الضوء اللامع (٢/ ٢١)، شذرات الذهب (٩/ ٣٧٠).
(^٤) السلوك لمعرفة دول الملوك (١/ ٢٥٨).