236

وبعبارة اخرى : لا شك في اتصاف المقدمة باللابدية العقلية ؛ إذ معنى المقدمية ذلك، فيكون ترك ذيها مسببا عن تركها ، فيكون ترتب العقاب والبعد على ترك ذي المقدمة معلولا في الحقيقة لترك المقدمة ، وما هو علة لترتب العقاب والبعد ولو على غيره يكون اختياره قبيحا لا محالة ، فيكون الحسن الفاعلي المعتبر في العبادة منتفيا فيه ، فلهذا يمتنع عبادية الفعل الذي يكون تركه مقدمة لواجب.

ومن هنا ظهر أن جريان ملاك النزاع في المقدمة التي تكون علة للحرام غير مبني على القول بوجوب مقدمة الواجب ، بل يجري ولو على القول بعدم وجوبها ، وذلك لما عرفت من كفاية المقدمية واللابدية العقلية في ذلك ، فمن قال في مبحث الضد بعدم الاقتضاء لا لمنع مقدمية ترك الضد لفعل ضده بل لمنع الوجوب مع تسليم المقدمية كان له أن يقول بفساد الضد لو كان عبادة ، فيشترك هذا القول مع القول بالاقتضاء نتيجة.

الرابع : لا إشكال في أن المراد بالعبادة في المقام ليس ما يكون عبادة فعلية تامة من جميع الجهات ؛ ضرورة عدم إمكان وقوعه متعلقا للنهي وإن كان الظاهر من المحكي أبي حنيفة من القول بإيجاب النهي في العبادة للصحة ذلك ، بل المراد على ما عرفت من أن النزاع إنما هو في ثبوت العلية والملازمة العقلية بين النهي والفساد حتى باعتراف من يجعل النزاع في الدلالة اللفظية الالتزامية كصاحب الكفاية هو ما يكون اقتضاء العبادية والقرب فيه في حد ذاته ولو لا النهي تاما حتى ينحصر الكلام فيه في أنه هل يحدث من جهة النهي مانع من عبادية هذا الذي يكون في حد ذاته تاما في اقتضاء العبادية أولا.

وأما ما ليس كذلك بأن كانت المصلحة العبادية مقيدة بغيره وقاصرة عن أن تشمله كما في الصلاة في اللباس النجس أو في جزء غير المأكول فليس محلا لهذا الكلام ؛ لعدم استناد الفساد فيه إلى النهي ، بل إلى قصور المصلحة.

ومن هنا ظهر ما فيما ذكر في الكفاية مما حاصله : أن المراد بالعبادة هنا إما ما يكون عبادة في ذاته ، أو ما لو تعلق الأمر به كان أمره تعبديا لا توصليا ، ومثل له

Page 239