قالت المعتزلة ومن قال بقولهم - وتطرقوا في ذلك واحتجوا وقالوا: - لو مات في أجله فلا يؤاخذ به. وحكى عن الحسن البصري أنه قال في أولاد أيوب عليه السلام: « الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم » (¬1)
¬__________
(¬1) 22) سورة البقرة: 243. يذكر الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره عدة اختلافات في المراد من هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم. فيقول: والأظهر أنهم خرجوا خائفين من أعدائهم فتركوا ديارهم جبنا، وقرينة ذلك عنده قوله تعالى: { وهم ألوف } فإنه جملة حال وهي محل التعجب، وإنما تكون كثرة العدد محلا للتعجيب إذا كان المقصود الخوف من العدو، فإن شأن القوم الكثيرين ألا يتركوا ديارهم خوفا وهلعا. والعرب تقول للجيش إذا بلغ الألوف « لا يغلب من قلة » فقيل هم من بني إسرائيل خالفوا على نبيء لهم في دعوته إياهم للجهاد ففارقوا وطنهم فرارا من الجهاد، وهذا الأظهر، فتكون القصة تمثيلا لحال أهل الجبن في القتال، بحال الذين خرجوا من ديارهم بجامع الجبن وكانت الحالة المشبه بها أظهر في صفة الجبن وأفظع، مثل تمثيل حال المتردد في شيء بحال من يقدم رجلا ويؤخر أخرى. فلا يقال إن ذلك يرجع إلى تشبيه الشيء بمثله. وهذا أرجح الوجوه لأن أكثر أمثال القرآن أن تكون بأحوال الأمم الشهيرة وبخاصة بني إسرائيل. وذكر الشيخ ابن عاشور عدة افتراضات ينتهي في الآخر فيقول: والمقصود من هذا موعظة المسلمين بترك الجبن، وأن الخوف من الموت لا يدفع الموت، فهؤلاء الذين ضرب بهم هذا المثل خرجوا من ديارهم خائفين من الموت، فلم يغن خوفهم عنهم شيئا، وأراهم الله الموت ثم أحياهم، ليصير خلق الشجاعة لهم حاصلا بإدراك الحس. انظر: التحرير والتنوير ج2، ص477، 478، 479، 480..وانظر تفسير هذه الآية في كتاب: تيسير التفسير للقرآن الكريم، للشيخ محمد بن يوسف اطفيش، طبعة وزارة التراث القومي والثقافة، سلطنة عمان، سنة 1986م، ج1/386-387.
Page 169