فقال خالد ضاحكا: والعجب من تعادي «الأصيل» و«الوارث» مع أنهما من دين واحد.
فضحك الشيخ وأجاب: إن المنجم يقول: إن «الأصيل» سيتفق يوما مع «الفاتح» على «الوارث » وعناصره
59
حفظا لمصالحه؛ لأن السياسة مبنية على المصالح لا على الأديان، والقرون القادمة سيكون الدين فيها أضعف العلائق بين الناس.
ويظهر أن الإمام عمر ضجر من هذا الحديث فظهرت دلائل الملل في وجهه فقال: لا عرافة ولا تنجيم في الإسلام، والله لم يدهشني شيء كغضب الزبير من تخرصات المنجم. فدعونا من هذه الأوهام. أيها الشيخ شكرا؛ لأنك أوقفتنا على بعض أخبار المملكة. اتبعنا يا إيليا.
ثم نهض عمر فنهض الجميع لنهوضه عائدين إلى بيت المقدس، وعمر كثير التفكير والاهتمام.
وكان أبو عبيدة يسير إلى جانب الإمام عمر في مسيره وهو يفكر أيضا، وبعد حين قال: ما قول أمير المؤمنين في أسباب سقوط دولة الروم؟ والله إن نفسي في أثناء كلام الشيخ كانت تنتفض خوفا من أن يصيبنا يوما ما أصابهم.
فسمع خالد كلام أبي عبيدة فدنا منه وقال: أيها الأمير نحن بعيدون عن كل ما أودى بالروم بعد الأرض عن السماء. فلا رهبانية في الإسلام؛ لنخشى منها على ديننا وشعبنا، ولا تجبر ولا تكبر عندنا؛ لنترك ضعفاءنا يموتون جوعا وضعفا وأقوياءنا يحشدون الأموال ويسخرون لأنفسهم باقي الناس بأجور قليلة، وخليفتنا إنما يهتم بصلاح حال الشعب قبل اهتمامه بفسه وبأمراء أمته، وكل واحد منا أحب شيء إليه الموت في ساحة القتال طلبا للجهاد؛ لأنه مروض على الحرب منذ نعومة أظفاره، وقبائلنا ملأ الله قلوبها بروح الإسلام، وغسلها من أدران الجاهلية؛ فهي متحدة على إعلاء كلمة الله اتحادا لا انفصام بعده. فماذا نخاف بعد هذا؟
فسكت عمر ولم يجب، ولكنه بعد حين قال لأبي عبيدة: ادع لي إيليا. فأسرع إيليا ووراءه الترجمان. فسأله عمر: يا إيليا هل ورد للرهبان والصور ذكر في إنجيلكم؟ فأجاب إيليا: كلا أيها الأمير، فقال عمر: هل يعلمكم إنجيلكم التجبر والتكبر ويقسم أمتكم قسمين: سائدين ومسودين؟ فقال إيليا: معاذ الله أيها الأمير، فإنه يعلمنا أن الكبير فينا صغير والصغير فينا كبير، وأن رئيسنا يغسل قدمي كل واحد منا دلالة على اتضاعه واهتمامه بأمته.
فقال خالد: سبحان الله.
Unknown page