والجرم، ومن ثم طرق استجواب المتّهمين، وانتزاع الأدلة، ومن ثم قصص السجن وحوار أصحابها، والأحاديث التي تقال، ثم انفراج الضيق وسهولة الحزن بفضل من الله وكرمه.
أما كتب التاريخ والرجال فأكاد أجزم بأنه لا يوجد كتاب في التاريخ إلا لو أفردت أخبار السجن فيه لكانت كراريس مطوّلة.
وحتى كتب اللغة لم تغفل هذا الجانب، فالمعاجم قد أدرجت مفرادات السجون في موادّها، أما كتب المعاني فقد واكبت تطور المجتمع والدولة، فنجد في كتاب «المخصص» لابن سيده ١٢/ ٩٣ عنوانات هي: الحبس في السجن، ما يحبس به، الحبس في غير السجن والمنع، الأسر والشدّة، باب العذاب، التنقذ والإطلاق، الضيق.
وما زال السجن مؤديا وظيفته، ساميا بسمو الدولة، متّضعا بانحدارها إلى أن استقر به الحال منذ ضعف الدولة الإسلامية حتى يومنا فغدا الحاضر الغائب، المعرفة النكرة، قد غرس في ضمير الأمّة وفكر الفرد، قدرا محتّما كل الطرقات تؤدي إليه، لا فرق بين مفكّر وعيّار، ولا بين فقيه وقاطع طريق، فأمام السجن يقف الناس سواسية، لا فرق بين كبير وصغير، ورفيع ووضيع، وكأنّي بالحاكم لا يعرف إلا: وإن منكم إلا وارده. فقلّما نجد رجلا إلاّ دخله، ومن لم يدخله أصابه من غباره.
وكم دلّلت أمتنا في تاريخنا المجيد على كرهها السجن عندما تنحرف الغاية منه، عندما يغدو رمزا للقهر والعدوان، فقد كسّرت الحبوس، وأخرجت المساجين كما ذكر الخطيب البغدادي في «تاريخه» ١/ ٧٦ حادثة كسر الحبوس بمدينة المنصور سنة ٣٠٧ هـ. وكما يذكر الطبري في «تاريخه» ٩/ ٢٦٢ أنّ العامّة ببغداد فتحوا سجن نصر بن مالك، وأخرجوا من فيه،
1 / 11