تقرير ابن تيمية لحديث الأقرع والأبرص والأعمى
قرر شيخ الإسلام ابن تيمية مسألة الابتلاء تقريرًا عجيبًا في قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ﴾ [الحج:١١].
فالابتلاء هو قصة الأعمى والأبرص والأقرع من بني إسرائيل الذين أخبر عنهم النبي ﷺ في حديث أبي هريرة المعروف بحديث الابتلاء، فكانوا في حالٍ يبدو عليهم الهدوء والصلاح، فلما ابتلاهم الله ﷿ بالمال انتكسوا، ولهذا قيل: (إن من العصمة ألا تقدر)، فبعض الناس أحيانًا قد يبتلى بأسفار، فيفسد ويمرج، بينما كان هادئًا لا يتطلع، وليس هناك مغريات ومعاصي، وقد تجده ينبذ أهل المعاصي، لكن حينما يقدر يغلبه هواه، فهذا اتباع الهوى، ومثله أيضًا عندما يكون فقيرًا بلا مال، فإذا جاءه مال كان كما قال تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ [التوبة:٧٥ - ٧٦].
فإذًا يتبين امتحان الهوى عند الابتلاء فيقول ابن الجوزي ﵀: تأملت أمرًا عجيبًا، وأصلًا ظريفًا، وهو انهيال الابتلاء على المؤمن -والمؤمن مبتلى- وعرض صور اللذات عليه مع قدرته على نيلها، وخصوصًا ما كان في غير كلفة من تحصيل كمحبوب موافق في خلوة حصينة إلى آخره، ثم ساق قصة يوسف ﵇، فقال: والله ما صعد يوسف ﵇، ولا ساد إلا في مثل ذلك المقام -يعني: مقام الابتلاء- ابتلي وكان الجو مهيأً للمعصية، فحماه الله ﷿.
فيقول ابن الجوزي: فبالله عليكم تأملوا حاله لو كان وافق هواه من كان سيكون.
ثم أيضًا أطال في هذا، وبين عاقبة الصبر، وقارن ذلك بين ذل إخوانه يقول: ومن تأمل ذلة إخوة يوسف ﵇ يوم قالوا: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ [يوسف:٨٨] عرف شؤم الزلل إلى آخره.
فالهوى اختباره ومحكه هو عند الابتلاء بالخير، أو بالشر.
15 / 8