آيات المساواة مع الرجل في الخلق والتكوين
فمثلًا: في آيات المساواة في الخلق والتكوين والأصل، ولا أقول: المساواة في الأحكام، المساواة في الأحكام قد لا يتسع له هذا المقام، وإن كان في أصل العناصر التي عندي، ولكن لا أستطيع، وعلى كل فهن لا يساوين الرجال في الأحكام لأن الله ﷿ يقول: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ [البقرة:٢٢٨] ولم يقل: ولهن مثل الذي على الرجال.
فالحقوق مقابل الواجبات، والمساواة أصلًا غير مطلوبة، ولا تستقيم الحياة بالمساواة، ليس بين الرجل والمرأة وإنما حتى ما بين الرجل والرجل؛ لأن الثواب على قدر المسئولية، فالعسكري غير المدني والطبيب غير الأستاذ وغير المهندس، والجاهل غير العالم والحاكم غير المحكوم كلٌ له منزلة ومقام، فالتفرقة ليس لأجل الخلقة وإنما لأن المسئوليات التي ترتبت تقتضي اختلافًا في الثواب والجزاء، وخاصة الثواب الدنيوي.
أما الأخروي فمتساوون، ولا بأس أن نخرج قليلًا إلى قول النبي ﷺ: ﴿النساء ناقصات عقل ودين﴾ نقص دينها أنها لا تصلي إذا حاضت، لكن ليس ثوابها ناقص وقتئذٍ بمعنى: أن الرجل يصلي في الشهر ثلاثين يومًا والمرأة تصلي ثلاثًا وعشرين يومًا إذا كان عادتها سبعة أيام والثواب واحد، فنقص دينها لا لنقص ثوابها ثم إن الشرع نهاها أن تصلي، وكذلك الصيام لا تصوم لكنها تقضي، فليس هناك في الآخرة نقص إنما نقص بقدر المسئولية مقابل الحق، ولهذا قال: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ﴾ [البقرة:٢٢٨] ولم يقل: ولهن مثل الذي للرجال.
فالرجال لهم امتيازات بقدر ما عليهم من مسئولية -هذا كما قلت للإخوة الموظفين- وإنما أتكلم على المساواة في الخلق والتكوين والأصل، الله ﷿ يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى﴾ [الحجرات:١٣] إذًا متساوون.
﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ [الحجرات:١٣] ذكرًا كان أم أنثى، ويقول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [النساء:١].
إذًا: كلهم مخلوقون من نفس واحدة فلا تفرقة في هذا الأصل هو الذي ﴿هَو الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا﴾ [الأعراف:١٨٩] وجعل منها: (من) هنا تبعيضية، أي: فلا تمايز في هذا الباب، ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ [الروم:٢١] أي: خلقها من نفسك، فأريد أن تسترجعوا معي أننا نتحدث عن قرآن نزل منذ أربعة عشر قرنًا، فنحن كما قلت: لا ندافع، ولسنا في موقف ضعف، وإنما إذا كان الناس في عمى، أو كنا قد غفلنا عن ديننا وقرآننا حصل ما حصل وإلا فنحن ما أتينا بشيء اخترعناه من عندنا.
8 / 3