بالكفر كفر النعمة، فإن المطر نعمة أنعم الله بها، فالذي يقول: «مُطرنا بنوء كذا» قد أسند النعمة إلى غير النعم بها في ظاهر قوله، فكان كافرًا بالنعمة؛ إذ يشغله الاشتغال بتعرُّف النوء الذي حصل عنده المطر عن التفكير في شكر المنعم بالمطر؛ فالمقصود من الكلام تشنيع هذه المقالة.
ما جاء في القبلة
شُرع استقبال جهة معينة في الصلاة إكمالًا لاستحضار الوقوف بين يدي الله حتى يكون المصلي غير مختار أن يتوجه حيث شاء، بل إنما يتوجه لجهة معينة يستشعر بها أنه متوجه إلى عبادة ربه تعالى، فكان من المناسب أن تعيّن جهة الصلاة بجهة شيءٍ له مزيد تعلق بتذكير الله تعالى. واتفق أهل العلم على أن رسول الله ﷺ والمسلمين أيام كانوا بمكة قد استقبلوا جهة معينة في الصلاة. والأصح أنهم استقبلوا جهة بيتٍ المقدس، أي جهة الشرق؛ لأن بيت المقدس بنيت على موضع مسجد إبراهيم ﵇ الذي بناه بعد الكعبة بأربعين سنة، كما ورد في حديث أبي ذر عن رسول الله ﷺ في «صحيح البخاري».
ولا شك أن الاستقبال كان بأمر من الله تعالى، ولولا ذلك لما تأخر رسول الله ﷺ عن استقبال الكعبة، حتى يرد له الأمر بذلك من الله تعالى، كما أنبأ به قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ الآية [البقرة: ١٤٤]، وقد رُوي أن رسول الله ﷺ كان في مكة يجعل الكعبة بينه وبين جهة بيت المقدس؛ فلما هاجر إلى المدينة تعذَّر ذلك؛ فتمحض أن يتجه إلى بيت المقدس، ولم يصحَّ ذلك. وروي أنه كان في مكة يستقبل الكعبة، ثم صرف إلى بيت المقدس قبل الهجرة بثلاث سنين، فصلى كذلك ثلاث سنين، ثم هاجر إلى المدينة، فاستمر كذلك إلى أن أمر باستقبال الكعبة، ولم يصح، إذ يكون حكم القبلة قد نسخ مرتين، وهذا غير لائق بالشريعة. ومن العجائب أن أيا بكر بن العربي ساير هذا في «العارضة» وجعل له نظيرين: نسخ نكاح