ولكنت أقرب لتحسين الظَّن. وَلَكِن مَا بعد العيان لتحسين الظَّن مجَال، وَمَا بعد الْهدى إِلَّا الضلال، فنسأل الله تَعَالَى أَن يلهمنا سَوَاء السَّبِيل.
فَأَجَابَهُ الْعَلامَة الْمصْرِيّ: أَن أَكثر الصُّوفِيَّة من رجال مَذْهَبنَا، وَنحن معاشر الشَّافِعِيَّة نتأول لَهُم كثيرا مِمَّا يُنكره ظَاهر الشَّرْع ونلتمس لَهُ وُجُوهًا وَلَو ضَعِيفَة، لأننا نرى مؤسسي التصوف الْأَوَّلين كالجنيد وَابْن سبعين من احسن الْمُسلمين حَالا وقولا.
وَفِيمَا يلوح لي أَن منشأ ذَلِك فِينَا جملَة أُمُور مِنْهَا: كَون عُلَمَاء الشَّافِعِيَّة بعيدين عَن الأمامة والسياسة الْعَامَّة إِلَّا عهدا قَصِيرا؛ وَمِنْهَا كَون الْمَذْهَب الشَّافِعِي مؤسسا على الْأَحْوَط والأكمل فِي الْعِبَادَات والمعاملات، أَي على العزائم دون الرُّخص؛ وَمِنْهَا كَون الْمَذْهَب مَبْنِيا على مزِيد الْعِنَايَة فِي النيات. بِنَاء عَلَيْهِ، فالشافعي فِي شغل شاغل بخويصة نَفسه، وهم مُسْتَمر من جِهَة دينه، ومحمول على تَصْحِيح النيات وتحسين الظنون، وَمن كَانَ كَذَلِك مَال بالطبع إِلَى الزّهْد والإعجاب بالزاهدين، وَحمل أَعمال المتظاهرين بالصلاح على الصِّحَّة وَالْإِخْلَاص. بِخِلَاف الْعلمَاء الْحَنَفِيَّة، فَإِنَّهُم من عهد أبي يُوسُف لم يَنْقَطِع تقلبهم فِي النّظر فِي