كلمة تصدير
مقدمة
نظرة عابرة في تاريخ الأسطول المصري من أقدم العصور حتى اليوم
إسماعيل بك جبل طارق أو الجبل الأخضر
محرم بك
عثمان نور الدين باشا
مصطفى مطوش باشا
الأمير محمد سعيد باشا
حسن الإسكندراني باشا
سفن الأسطول المصري في عصر محمد علي باشا
سفن الأسطول المصري في عهد الخديو إسماعيل1
أهم المصطلحات البحرية قديما وحديثا
الرتب البحرية المصرية ومقابلها في الأسطولين البريطاني والفرنسي
ثلاثة اقتراحات ختامية في سبيل إحياء السلاح البحري الملكي المصري
المراجع التاريخية الخاصة بالبحرية المصرية
كلمة تصدير
مقدمة
نظرة عابرة في تاريخ الأسطول المصري من أقدم العصور حتى اليوم
إسماعيل بك جبل طارق أو الجبل الأخضر
محرم بك
عثمان نور الدين باشا
مصطفى مطوش باشا
الأمير محمد سعيد باشا
حسن الإسكندراني باشا
سفن الأسطول المصري في عصر محمد علي باشا
سفن الأسطول المصري في عهد الخديو إسماعيل1
أهم المصطلحات البحرية قديما وحديثا
الرتب البحرية المصرية ومقابلها في الأسطولين البريطاني والفرنسي
ثلاثة اقتراحات ختامية في سبيل إحياء السلاح البحري الملكي المصري
المراجع التاريخية الخاصة بالبحرية المصرية
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
أمراء البحار في الأسطول المصري في النصف الأول من القرن التاسع عشر
تأليف
جميل خانكي
كلمة تصدير
هذا كتاب يذكرنا بماضي مصر البحري، وما قام به أمراء البحار المصريون في القرن التاسع عشر من جلائل الأعمال، فرفعوا شأن مصر إلى أوج المجد بما كان لها من أسطول عظيم، فحق أن تخلد أسماؤهم.
وحينما أزيح كابوس الاستعمار الذي كان جاثما على صدر مصر الناهضة كان أول خاطر طرأ على سليل أولئك الذين أنشئوا ذلكم الأسطول المجيد الذي توج رأس مصر بأكاليل النصر والفخار أن أمر بإعادة مجد مصر البحري من جديد، فأعاد تنظيم السلاح البحري الملكي المصري الذي سيغدو بإذن الله تعالى وفضل الفاروق قوة يحسب حسابها.
وسيرى العالم من أشبال هذا الأسطول الحديث ما سمعوه عن أبطال أسطولنا القديم، وستغدو مصر بفضل قوته في مقدمة الأمم البحرية، فيرفرف علم مصر الخفاق عاليا في ربوع البحار.
وإنا لنرى من تاريخ أمراء البحار المصريين الذين يضمهم هذا الكتاب دروسا من البطولة والوطنية والتضحية، وسيرا فيها نفع لأبناء الوطن، وحافز لهم ليكرسوا علمهم وفنهم وجهودهم في سبيل إعادة مجد الوطن وإعلاء شأنه بين الأمم كما فعل السلف الصالح، فلا قوة ولا مجد لأمة بدون أسطول بحري، والحرب الأخيرة أكبر دليل على ذلك.
وإنا لنثني ثناء عاطرا على جهود الأستاذ جميل خانكي لبحثه الفريد في تاريخ أبطال البحار المصريين، وما يتضمنه كتابه من حث ودعوة لإعادة مجد مصر البحري.
ياور جلالة الملك وقائد عام السلاح البحري الملكي
محمود حمزة
أمير البحار
28 أبريل سنة 1947
مقدمة
بين مجموعة الصور الزيتية النادرة التي تزين أحد القصور الملكية العامرة لوحة بديعة لعاهل مصر الأكبر محمد علي باشا تمثله جالسا في شرفة قصر رأس التين، قابضا بيده اليمنى على خريطة الإمبراطورية المصرية، ومشيرا بيده اليسرى إلى قطع الأسطول المصري الرابضة في ميناء الإسكندرية، كأن لسان حال مؤسسها يقول لأبناء الأجيال القادمة: «إنما تملكت ما بيمناي بفضل ما تومئ إليه يسراي.»
دققت النظر في تلك الصورة الرائعة وفيما حملت بين ثناياها من بليغ العظات والعبر، فساءلت نفسي - ونحن على أهبة بعث جديد للشئون البحرية: كيف وفق محمد علي باشا بين عشية وضحاها إلى اختيار قواد للأسطول الضخم الذي ابتاع بعض وحداته من الخارج وبنى البعض الآخر في دور الصناعة ببولاق وبالسويس وبالخرطوم وبالإسكندرية؟ ومن هم هؤلاء الربانون الذين عقدوا ألويتهم خفاقة على ساريات السفن المصرية وقادوها من نصر إلى نصر في طول البحر الأبيض المتوسط وعرضه حتى تبوأ أسطول مصر - غداة كارثة نافارين - ثالث المراتب بين أساطيل العالم؟
دفعني هذا السؤال إلى كتابة إلمامة في تاريخ أمراء البحار الستة الذين بنوا مجد مصر البحري في النصف الأول من القرن التاسع عشر:
إسماعيل بك جبل طارق (أو الجبل الأخضر)، ومحرم بك (زوج توحيدة هانم كريمة محمد علي باشا)، وعثمان نور الدين باشا، ومصطفى مطوش باشا، والأمير محمد سعيد باشا (ابن محمد علي باشا)، وحسن الإسكندراني باشا.
محمد علي باشا يشير إلى قطع الأسطول المصري الراسية في ميناء الإسكندرية.
وقد مهدت إلى سيرتهم بنبذة وجيزة في تاريخ البحرية المصرية من أقدم العصور حتى اليوم، ثم شفعتها ببيان القوات البحرية المصرية في عصر محمد علي باشا الكبير وفي عهد الخديو إسماعيل، وأضفت إلى هذا وذاك جدولا بأسماء أهم الوحدات البحرية وأنواعها وأجزائها قديما وحديثا باللغتين العربية والفرنسية. وأخيرا عرضت في ذيل الكتاب ثلاثة اقتراحات ترمي إلى إحياء السلاح البحري المصري.
وبعد، فاللهم وقد قيضت لمصر فاروقا يسير بخطى ثابتة جريئة موفقة على هدى آبائه الأماجد، فاجعل من أبناء الكنانة قوادا وربابنة يتولون دفة البلاد ويسيرون بها بين زعازع الحادثات وتصاريف الزمان إلى بر السلامة وثغر الأمان.
جميل خانكي
أبريل سنة 1947
نظرة عابرة في تاريخ الأسطول المصري من أقدم العصور حتى اليوم
عصر الفراعنة
إن تاريخ الأسطول المصري يرجع إلى عصر الفراعنة، ولعلى أولى البعثات الحربية إنما تلك الرحلة التي قامت بها أربعون سفينة مصرية من شواطئ مصر إلى سواحل فينيقية لاستيراد أخشاب الأرز من لبنان في عهد الملك «سنفرو
Snofrou » آخر ملوك الأسرة الثالثة، حوالي سنة 2920 قبل الميلاد.
وتوالت الحملات البحرية في عهد الأسرتين الخامسة والسادسة (فيما بين سنة 2750 وسنة 2475 قبل الميلاد)، فاتجهت المراكب المصرية صوب بلاد «بنت
» وبلاد طور سيناء وحدود مصر الشمالية عن طريق ساحل «تيبا» شمالي العريش، وعادت محملة بالمعادن النفيسة والجواهر الثمينة، وعلى الأخص بعد الرحلة التي قامت بها السفن المصرية في سنة 2673 في عهد الملك ساحورع
Sahouri
ثاني ملوك الأسرة الخامسة.
وفي عهد سنخ كارع منحوتب
Mentouhotep
آخر ملوك الأسرة الحادية عشرة جال الأسطول المصري على سواحل البحر الأحمر، وتعددت حملاته في هذه الأرجاء حوالي سنة 2000 قبل الميلاد.
وفي سنة 1491 قبل الميلاد أرسلت الملكة حتشبسوت
Hatshopsouit
بنت تحوتمس الأول بعثة بحرية مكونة من خمس سفن أقلعت إلى بلاد الحبشة وعادت منها باثنتين وثلاثين شجرة من الأشجار النادرة غرست بمعبد الدير البحري الذي شيد بجهة «طيبة»، وسجلت جوانبه المنقوشة هذه الصفحة المشرفة.
وفي عهد تحوتمس الثالث
Thoutmosis III
من ملوك الأسرة الثامنة عشرة بلغ الأسطول أوج عظمته، ففتح بلاد الشام وبسط نفوذ مصر وسلطانها على جميع بلدان البحر الأبيض المتوسط إلى ما وراء بحر إيجيه «البحر اليوناني».
ولما استوى رمسيس الثاني
Ramsès II
على عرش الفراعنة في سنة 1292 قبل الميلاد جهز أسطولا ضخما ضم ثلاثمائة قطعة بحرية، استولى بها على سواحل البحرين الأبيض والأحمر.
وقد اشتبك الأسطول المصري في عهد رمسيس الثالث في غضون سنة 1191 قبل الميلاد في أول معركة بحرية حاسمة سجلها التاريخ. ذلك أن أهالي البحر الأبيض المتوسط أخذوا يفدون على سوريا على عدد عديد من السفن مدججة بالسلاح، فاستولوا على جزيرة قبرس (المعروفة قديما باسم ألاسا
Alasa )، وأخضعوا جميع بلاد الحيثيين شمالي سوريا حتى بلغوا مدينة قرقميش
Carcamish
الواقعة على نهر الفرات، ثم زحفوا على أرواد
Arvad ، وعلى ساحل فينيقية، وساروا جنوبا حتى هبطوا مملكة آمون عن طريق نهر العاصي
Oronte
ناهبين سالبين غاصبين كل ما امتدت إليه أيديهم، وهناك ضربوا خيامهم مولين وجوههم شطر مصر.
أما رمسيس الثالث فقد أخذ يعد عدته لصد هجوم أعدائه، فحصن حدوده وجمع أسطولا ضخما على وجه السرعة، ووزع مختلف وحداته على موانئ القطر الشمالية، وسار على رأس قوة برية وبحرية إلى أن التقى بالعدو على الساحل الفلسطيني بالقرب من قلعة سميت باسمه عند سفح جبال آمور
Amor . وقد دارت في عرض البحر معركة بحرية حامية الوطيس بين الفريقين المتحاربين، فلحقت الهزيمة بسفن الأعداء قبل أن تصل إلى الشاطئ، حيث وضع رمسيس قوة برية مسلحة بالسهام صوبت أسلحتها الفتاكة القتالة نحو رجال أسطول العدو، فأصلتهم نارا حامية. ثم تقدم الأسطول المصري نحو السفن الأجنبية لينقض على وحداته ويفتك برجاله، فانتشر الذعر واختل النظام في صفوفهم، فغرق من مراكبهم ما غرق، ودب الرعب في نفوسهم، فوجموا لما أصابهم وألقوا أسلحتهم في البحر، فسحبت سفنهم مقلوبة إلى الشاطئ المقابل وقد تكدست على ظهورها ركام القتلى من مقدمتها إلى مؤخرتها، وألقيت حمولتها في اليم قربانا على هذا النصر المبين.
1
وفي عهد الملك نيخاو
Néchao
ثاني ملوك الأسرة السادسة والعشرين طاف الأسطول المصري حول القاهرة الإفريقية في سنة 616 قبل أن يقوم الرحالة البرتغالي فاسكو دي جاما برحلته بزهاء واحد وعشرين قرنا.
وقد استطاع الفراعنة بفضل قوتهم البحرية أن ينشروا علم مصر ويبسطوا سلطان مصر على بلدان البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر في القارات الثلاث: الأوروبية والآسيوية والأفريقية.
عصر البطالسة
كان لبطليموس الثاني
الذي تولى ملك مصر في سنة 283 قبل الميلاد قوة بحرية عظيمة مخرت عباب البحر الأبيض المتوسط من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب، إلا أن هذا الأسطول الجبار التقى في سنة 263 بأسطول أنتيجون
Antigone
من حكام آسيا الصغرى، على مقربة من جزيرة كوس في بحر إيجيه ولحقت به الهزيمة بعد أن كان سيد البحار.
وكان أسطول بطليموس الثاني يتكون من ثلاثمائة وست وثلاثين من السفن الحربية ومن ألفي سفينة نقل. أما رجاله فكانوا يتألفون من عنصرين: المجدفين والمحاربين. الأولون من طبقة المزارعين وعمال المعابد والمسجونين، والآخرون من طبقة ممتازة من المصريين ينضم عادة إليهم بعض المقدونيين والإغريق.
وكان الملك هو القائد الأعلى للقوة البحرية، وكانت سفن الأسطول تنقسم وحدات، على رأس كل وحدة قائد بحري يتلقى الأوامر من القائد الأعلى مباشرة.
وكان مجال نشاط هذا الأسطول الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط على وجه خاص، وكانت أهم قواعده العسكرية الإسكندرية وسلاميس (بجزيرة قبرس) وبعض الموانئ في جزر الأرخبيل اليوناني مثل ساموس وكوس وكذلك جزيرة ثيرا
Syra .
وفي القرن الثاني قبل الميلاد أخذ نفوذ مصر يتقلص بانتشار الإمبراطورية الرومانية نحو الشرق، وسرعان ما فقدت مصر سيطرتها على الجزر والموانئ التي كانت خاضعة لها، كما أصاب بحريتها شيء من الوهن، وكسدت تجارتها، ما أدى بكليوباترة ملكة مصر إلى عدم المجازفة بأسطولها المؤلف من ستين سفينة حربية لما اشتبك أنطونيوس مع إكتافيوس في الثاني من شهر سبتمبر سنة 31 قبل الميلاد في موقعة أكسيوم
Actium
التي فتحت أبواب مصر للرومان.
العصر العربي
لعل أول انتصار أحرزه الأسطول المصري في ذلك العهد إنما عند قدوم الإمبراطور البيزنطي قنسطانس بن هرقل
Constant II fils d’Héraclius
لغزو الإسكندرية في التاسع والعشرين من أغسطس سنة 654 على رأس أسطول مكون من نحو ألف سفينة، فدارت بين مراكب عبد الله بن سعد بن أبي سرح صاحب مصر ومراكب الروم معركة بحرية حاسمة، عرفت في المراجع العربية بغزوة «ذات الصواري» لكثرة ساريات السفن التي التحمت في القتال، واشتهرت في المراجع الأوروبية بواقعة فونيكه
لوقوعها بالقرب من ثغر فونيكه غربي الإسكندرية.
على أن البحرية المصرية لم يكن لها شأن يذكر بعد هذه الموقعة حتى بداية خلافة أبي الفضل جعفر بن المعتصم، وأمير مصر يومئذ عنبسة بن إسحاق بن شمر؛ إذ نزل الروم دمياط في 29 أغسطس سنة 852 على رأس ثلاثمائة مركب، فسبوا ستمائة امرأة ونهبوا الدور وأحرقوا المخازن، ثم خرجوا مستفزعين إلى البحر، فكان هذا الحادث مثار عناية المصريين بإنشاء أسطول يذودون به عن موانئهم ويصدون به إغارات الأعداء على شواطئهم. «فقد وقع الاهتمام من ذلك الوقت بأمر الأسطول، وأنشئت الشواني برسم الأسطول، وجعلت الأرزاق لغزاة البحر كما هي لغزاة البر، وانتدب الأمراء له الرماة، فاجتهد الناس بمصر في تعليم أولادهم الرماية وجميع أنواع المحاربة، وانتخب له القواد العارفون لمحاربة العدو، وكان لا ينزل في رجال الأسطول غشيم ولا جاهل بأمور الحرب. هذا وللناس إذ ذاك رغبة في جهاد أعداء الله وإقامة دينه، لا جرم أنه كان لخدام الأسطول حرمة ومكانة، ولكل واحد من الناس رغبة في أنه يعد من جملتهم، فيسعى بالوسائل حتى يستقر فيه. وكان غزو الأسطول بلاد العدو ما قد شحنت به كتب التاريخ.»
2
ولما تولى أحمد بن طولون ملك مصر في سنة 870 توفر على الأخذ بناصية الأسطول، فزاد في بناء السفن وتجهيزها بالآلات وإحاطتها بسياج وأسوار متينة، وكان مقر دار صناعة السفن بجزيرة الروضة التي كانت تسمى وقتئذ «جزيرة الصناعة» أو «جزيرة مصر». ويبدو أن بناء السفن في مصر كان له شأن عظيم في ذلك العهد، فقد ألقت أوراق البردي شعاعا من النور على تلك الصناعة الزاهرة ونوهت بمهارة المصريين من عمال وصناع وملاحين، كما سجلت تقدير الحكومة الإسلامية المركزية لذلك التفوق.
ولم يقتصر نشاط المصريين على إعداد الأسطول المصري، بل كان الوالي يرسل الملاحين المصريين للعمل في أسطول المغرب أو في أسطول المشرق، والمساهمة في المشروعات العامة للدولة الإسلامية.
ولما توفي ابن طولون في سنة 884 خلف من المراكب الحربية ألفا.
وما إن استوى على عرش مصر المعز لدين الله الفاطمي في سنة 969 حتى استعاد الأسطول مجده وعزه بعد أن أصابه الضعف وذهبت شوكته في أواخر أيام الدولة الطولونية وطوال حكم الدولة الإخشيدية.
ولما تبوأ صلاح الدين الأيوبي الأريكة المصرية في سنة 1171 خص الأسطول بكامل عنايته، وأفرد له ديوانا خاصا سماه «ديوان الأسطول»، ونصب على رأسه أخاه الملك العادل. وقد نال من النصر المبين ما توج به رأس مصر بأكاليل العز والفخار وسطره له التاريخ بحروف من ذهب.
3
عصر المماليك
عني بالبحرية من أمراء المماليك على وجه الخصوص اثنان، هما: الظاهر بيبرس البندقداري (1260-1277)، والناصر محمد بن قلاوون. وفي عهد هذا الأخير هاجم الأسطول المصري جزيرة أرواد في سنة 1302، واستولى على ما فيها، وهدم أسوارها انتقاما من الإغارات المتكررة التي شنها قرصان البحر على الثغور المصرية وسطوهم على السفن التجارية المصرية في عرض البحار.
عصر الأتراك
لما فتح السلطان سليم الأول ديار مصر في سنة 1517، ودخلت مصر في حوزة آل عثمان، احتفظت البلاد بقوتها البحرية، ووضع السلطان سليمان القانوني في منتصف القرن السادس عشر نظاما خاصا لإدارة السواحل، وعين ربانا لكل ثغر من الثغور الثلاثة: دمياط والإسكندرية والسويس.
عصر محمد علي باشا وخلفائه
لما ولي محمد علي باشا ولاية مصر أخذ في بناء السفن في داري الصناعة ببولاق والسويس، ثم أنشأ دارين أخريين لصناعة السفن، إحداهما بالخرطوم وثانيتهما بالإسكندرية، حتى بلغ ما أنشئ منها في عهده خمسا وثلاثين سفينة تحمل 1920 مدفعا و16801 جندي، في حين بلغ عدد العمال المصريين المتخصصين بتلك الصناعة أربعة آلاف وستة وسبعين.
وقد استطاع محمد علي باشا بقوة دهائه ومضاء عزيمته أن يبلغ أسطوله - بعد كارثة نافارين - المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول العظمى (بعد إنجلترا وفرنسا وقبل تركيا وروسيا ).
أما إبراهيم باشا فقد أنشأ 520 حراقة تحمل كل منها مدفعين لحماية المضايق وصون الملاحة.
وفي عهد عباس باشا الأول وسعيد باشا اشترك الأسطول المصري في حرب القرم ضد روسيا، فوقف إلى جانب الحلفاء في المعارك التي دارت رحاها في البحر الأسود إلى أن انتهت الحرب بهزيمة روسيا في سنة 1856.
وفي عهد الخديو إسماعيل ضم الأسطول المصري إحدى وعشرين قطعة، منها: «المحروسة» و«مصر» و«الغربية» و«محمد علي» و«شير جهاد» و«لطيف» و«الصاعقة» و«الخرطوم» و«دنقلة». وقد خاضت الوحدات المصرية وقتئذ حربين اثنتين، إحداهما في جزيرة كريت سنة 1866 والثانية في روسيا سنة 1877، كما ساهمت في نقل الجنود المصريين إلى السودان وإلى الجبل الأسود وإلى بلاد الصرب لإخماد الفتن فيها.
وما إن رزحت مصر تحت نير الاحتلال البريطاني في سنة 1882 حتى اندثرت البحرية المصرية وأصبحت أثرا بعد عين.
واليوم بعد سبات دام حوالي ثلاثة أرباع القرن ينهض الأسطول المصري نهضة مباركة، فهذه بحريتنا قد ساهمت في الحرب الأخيرة (1939-1945) مساهمة فعلية، ففقدت 22٪ من حمولة سفنها، وأصيب نحو 50٪ من مجموعها إصابات شديدة جعل القائد العام لأساطيل الدول المتحالفة في البحر الأبيض المتوسط يرسل كتابا إلى الحكومة المصرية ينوه بما قدمت البحرية المصرية إلى الحلفاء من معونة كان لها أثرها في إحراز النصر.
وفي 23 ديسمبر سنة 1946 وقع حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول مرسوما ملكيا بتنظيم السلاح البحري الملكي، هذا نصه:
نحن فاروق الأول ملك مصر
بعد الاطلاع على الأمر العالي الصادر في 10 ديسمبر سنة 1878 بتوزيع مصالح الحكومة بين الوزارات، وعلى الأوامر العالية والمراسيم المعدلة له، وعلى المادتين 44 و46 من الدستور؛
ونظرا إلى أن استكمال وسائل الدفاع عن البلاد يقتضي إعادة تنظيم البحرية المصرية لتقوم بمهمتها إلى جانب القوات البحرية الأخرى؛
وبعد الاطلاع على ما ارتأته الجمعية العمومية لمجلس الدولة؛
وبناء على ما عرضه علينا وزير الدفاع الوطني وموافقة رأي مجلس الوزراء؛
رسمنا بما هو آت:
مادة 1:
يطلق على القوة البحرية المصرية اسم السلاح البحري الملكي.
مادة 2:
يكون السلاح المذكور قائما بذاته ويلحق بوزارة الدفاع الوطني.
مادة 3:
يتألف السلاح البحري الملكي من وحدات بحرية حربية، ويتولى قيادته قائد عام يكون له من السلطة والاختصاص ما للمديرين العامين للمصالح.
مادة 4:
على وزير الدفاع الوطني تنفيذ هذا المرسوم، ويعمل به من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية
صدر بقصر القبة في 29 المحرم 1366 (23 ديسمبر سنة 1946)
فاروق
وزير الدفاع الوطني
أحمد عطية
بأمر حضرة صاحب الجلالة رئيس مجلس الوزراء
محمود فهمي النقراشي
وفي خلال شهر مايو المقبل ينتظر أن يوافق البرلمان على أول ميزانية للسلاح البحري الملكي المصري، فيبادر هذا السلاح إلى استيراد بعض القطع البحرية من الخارج تنضم إلى الطوافة وإلى العشرين قاربا مصفحا السابق شراؤها من الولايات المتحدة الأمريكية، والتي سيتكون من مجموعها نواة الأسطول الجديد.
وقد روعي في تنظيم السلاح البحري أن يكون على أحدث الأنظمة البحرية العالمية، وألحقت به مدرسة الأسلحة البحرية للتدريب على أعمال المدفعية البحرية وإلقاء الطوربيدات وبث الألغام والتقاطها، كما ألحقت به أيضا مدرسة الإشارة البحرية ومدرسة الهندسة البحرية ومدرسة فن البحر لإعداد النوتية. هذا فضلا عن الكلية البحرية الملكية التي تستعد لاستقبال الخمسين طالبا الذين يتم إعدادهم الآن بالكلية الحربية بالقاهرة، حتى إذا ما انتهوا من التمرينات الحربية البرية سافروا إلى الإسكندرية للالتحاق بالكلية البحرية الحديثة.
علم السلاح البحري الملكي المصري.
وهكذا سيبعث الأسطول المصري من جديد ويرفرف علم السلاح البحري خفاقا في مشارق البحار ومغاربها، وتستعيد البلاد مجدها البحري التليد في ظل سيد البحار الأعظم «فاروق الأول».
إسماعيل بك جبل طارق أو الجبل الأخضر
هو ذلك القائد البحري الذي تلقبه المصادر التاريخية الأجنبية تارة باسم «إسماعيل جبل طارق
Ismaïl Djebaltar »،
1
وتارة باسم «إسماعيل الجبل الأخضر
Ismâyl-Gebelakdar ».
2
وهو أول قائد بحري ورد اسمه في تاريخ البحري المصرية عندما صح عزم محمد علي باشا على تكوين أسطول قوي يساعده على بسط سيادته في البحر الأحمر حتى موانئ جزيرة العرب.
ذلك أن الوالي كان قد وصى محمد أغا على إنجاز صنع الفرقاطة «إفريقا» في ميناء الإسكندرية، وما إن تم إعدادها في شهر فبراير سنة 1810 حتى استدعى محمد علي باشا القبودان إسماعيل جبل طارق وقلده قيادتها من الثغر السكندري حتى السويس في رحلة شاقة وطويلة حول القارة الإفريقية بعد استكمالها تركيب الآلات الحربية في لندن. غير أنه لم يكتب لتلك الفرقاطة أن تمخر عباب البحر الأحمر، إذ تدخلت السياسة البريطانية في الأمر بناء على احتجاج شركة الهند الإنكليزية وحالت دون إبحار الفرقاطة «إفريقا» إلى السويس، بل أعادتها إلى الإسكندرية حيث وصلت في شهر يناير سنة 1812 مزودة بثلاثين مدفعا جعلت منها نواة أسطول مصر الذي انتوى محمد علي باشا إنشاءه، وتم على يديه تحقيقه.
وإلى جانب الأسطول الحربي أراد محمد علي باشا أن يكون لمصر نصيب وافر من التجارة الدولية، فما إن عاد إسماعيل جبل طارق من لندن حتى أوفده في السنة التالية إلى جزيرة مالطة، حيث أنشأ وكالة لتصريف الصادرات المصرية وعين ابنه مديرا لها بعد مضي سنتين. وإزاء نجاح هذه الوكالة تعددت مثيلاتها في تريسته ومرسيليا وجنوة وكذلك في ليفورن، حيث أقام إسماعيل جبل طارق مشرفا منها على مختلف الوكالات المصرية في الخارج.
وفي سنة 1816 سافر إسماعيل جبل طارق في رحلة طويلة زار خلالها لندن وباريس وهامبورج واستكهولم عاصمة السويد، واجتاز بلاد روسيا، وعاد إلى مصر عن طريق البحر الأسود والآستانة بعد أن وقف بنفسه على حالة الأسواق الأجنبية وعلى مبلغ حاجاتها من المحصولات والمنتجات المصرية.
إسماعيل بك جبل طارق.
غير أنه في شهر مارس سنة 1821 شبت الثورة الأهلية في بعض المقاطعات اليونانية، وكانت داخلة وقتئذ تحت حكم سلاطين آل عثمان، يحكمها الولاة الترك الذين كانت تنصبهم حكومة الآستانة، وسرعان ما اندلع لهب الثورة إلى بلاد المورة، حيث بادر اليونانيون إلى رفع علم الجهاد في البحر والبر. ففي البحر أخذت سفنهم المسلحة تقطع الطريق على المراكب التركية في بحر الأرخبيل وتأسرها أو تدمرها وتفتك بركابها قتلا وأسرا ونهبا، وفي البر استولى الثوار على أهم مدن المورة، واحتلوا تريبولتزا
Tripolitza
عاصمتها، ونكلوا بالأتراك المقيمين فيها تنكيلا فظيعا.
ولما استفحل أمر السفن اليونانية في البحر أرسل السلطان محمود الثاني في سنة 1821 إلى محمد علي باشا يعهد إليه بتجريد أسطوله لتطهير البحر من قرصنة تلك السفن، فأسرع الوالي إلى تلبية نداء السلطان وأعد على جناح السرعة ست عشرة سفينة كاملة السلاح والعتاد، بها ثمانمائة مقاتل من حامية الإسكندرية وعلى رأسهم طبو (زاده) أوغلي قبوجي باشى محمد أغا.
3
وقد أقلعت هذه العمارة من ثغر الإسكندرية في يوم 11 يوليو سنة 1821 بقيادة أمير البحار الأول إسماعيل بك جبل طارق يعاونه قرصان يدعى جوستنياني
Giustiniani .
وقد أشار عبد الرحمن الجبرتي إلى هذه الوقائع فيما دونه عن حوادث ذي القعدة سنة 1236 إذ قال:
وفي منتصفه سافر الباشا إلى الإسكندرية لداعي حركة الأروام وعصيانهم وخروجهم عن الذمة ووقوفهم بمراكب كثيرة العدد بالبحر، وقطعهم الطريق على المسافرين واستئصالهم بالذبح والقتل، حتى إنهم أخذوا المراكب الخارجة من إستانبول وفيها قاضي العسكر المتولي قضاء مصر ومن بها أيضا من السفار والحجاج، فقتلوهم ذبحا عن آخرهم ومعهم القاضي وحريمه وبناته وجواريه وغير ذلك، وشاع ذلك بالنواحي وانقطعت السبل، فنزل الباشا إلى الإسكندرية وشرع في تشهيل المراكب مساعدة للدونانمة السلطانية.
اتجه الأسطول المصري نحو جزيرة رودس، ثم واصل سيره إلى الدردنيل حيث التقى بالأسطول التركي في يوم 16 يوليو بالقرب من إيفيس
Ephèse . وفي يوم 6 أغسطس خرج الأسطولان معا وطاردا السفن اليونانية في بحر إيجيه إلى أن ألقت الوحدات العثمانية والمصرية مرساها على مقربة من زانت
Zante ، ثم عند مدخل خليج بريفيزا
، حيث أغرقت ستة وثلاثين مركبا يونانيا، في حين وقعت ثلاثون أخرى في الأسر واقتيدت مع بحارتها المشنوقين في أعلى سارياتها إلى الدردنيل. وقد قضى الأسطول المصري أشهر الشتاء بعيدا عن مصر استعدادا للحملة البحرية القادمة التي استهدفت فيها لهجوم السفن اليونانية العنيف، مما اضطرت معه السفن المصرية إلى العودة إلى الإسكندرية حيث وصلت في أوائل مارس سنة 1822، وقد هبط عدد وحداتها إلى إحدى عشرة سفينة منها أربع فرقاطات كانت في حاجة ماسة إلى مرمات كبيرة.
ولما كانت الثورة اليونانية قد امتدت إلى جزيرة كريت، وظهر الثوار على الحاميات التركية التي اضطرت إلى الامتناع في بعض قلاع الجزيرة، فقد عهد السلطان محمود الثاني إلى محمد علي باشا مهمة إخماد الثورة فيها هي أيضا، وسرعان ما أعد الوالي حملة مؤلفة من خمسة آلاف جندي بقيادة حسن باشا أقلتهم السفن المصرية من الإسكندرية إلى كريت، حيث نزلوا إلى البر في غضون شهر يونيو سنة 1822، ففكوا حصار الحاميات التركية وطاردوا الثوار وشتتوا شملهم. وقد لاقى حسن باشا حتفه خلال الفتح وخلفه حسين بك في قيادة الجند، فشن هجوما على كاكسوس
Caxos ou Cachout
واسكربانتو
Scarpanto ، حيث تحصن الثوار في معاقلها، وأنفذ إليها ست عشرة سفينة حربية مصرية وثماني نقالات وألفين من الجند على رأسهم الفرقاطة «ثريا» مقلة محمد قبودان والفرقاطة «ديانا» معقودة اللواء لإسماعيل جبل طارق.
وفي يوم 26 مايو سنة 1824 ألقت الوحدات المصرية مرساها أمام ثغر كاكسوس، فأصلتها حاميات الثوار نارا حامية وردت السفن التحية بأحسن منها! غير أن الفرقاطة التي كانت تقل إسماعيل جبل طارق ارتطمت بصخرة فأصيبت ببعض الخلل اضطرت من أجله أن تقلع إلى جزيرة رودس للتصليح والترميم.
ولم تنقض خمسة عشر يوما حتى كان إسماعيل جبل طارق قد أتم تصليح فرقاطته وعاد إلى كاكسوس ومعه فرقاطتان عثمانيتان استحضرهما معه من رودس، وما إن وصل في العاشر من يونيو حتى بدأ القتال عنيفا متواصلا على حصون الثوار الذين أخذوا على غرة، فألقوا أسلحتهم وآثروا الاستسلام وتسليم خمس عشرة سفينة من سفنهم وواحد وسبعين من مدافعهم وثمانمائة من الأرقاء إلى رجال الأسطول المصري الظافرين. وبهذا النصر الحاسم استتب الأمن وساد السكون في أرجاء جزيرة كريت بفضل القوة المصرية البحرية بعد أن عجز العثمانيون عن إخماد فتنتها.
وفي شهر سبتمبر سنة 1824 استهدفت سفينة إسماعيل جبل لهجوم شنته عليها الحراقات اليونانية بالقرب من ميناء ستنكو
Stancho ، ولكنه استطاع قبل أن يجن الليل أن يصيب أحد المراكب اليونانية إصابة قضت عليها وأوقعتها أسيرة في أيدي المصريين، في حين لاذت باقيها بأهداب الفرار في جوف الظلام.
وفي ميناء ستنكو هذا اجتمع إبراهيم باشا بالقائد الفرنسي دروهو
Drouhault
بحضور إسماعيل جبل طارق والكولونيل سيف «سليمان باشا الفرنساوي» وقنصل أزمير وأحد المترجمين. وفي هذه المقابلة أسر دروهو - وكان من القواد البحريين الذين يشار إليهم بالبنان - لإبراهيم ببعض الخطط الحربية لإخضاع اليونان، ومنها التمهيد بالهجوم على المورة.
وقد اشترك إسماعيل جبل طارق مع إبراهيم باشا في إنزال القوات البرية في شبه جزيرة المورة في غضون شهر مارس سنة 1825 بقيادة بعض سفن الأسطول المصري من خليج السودا إلى مينائي كورون
Coron
ومودون
Modon .
ولعل هذه المهمة كانت آخر مهمة عهدت إلى إسماعيل جبل طارق، إذ كانت قد تقدمت به السن وانتابه المرض، فاضطر إلى العودة إلى الإسكندرية حيث انزوى في عقر داره ولفظ النفس الأخير في أوائل سنة 1826.
4
وقد انفرد المؤرخ الفرنسي إدوار جون بالحكم على إسماعيل بك جبل طارق حكما قاسيا جدا تطبعه صرامته بطابع التحيز والهوى، إذ قال:
L’amiral Ismayl-Gebalakdar, tombé malade à Rhodes mourut sur mer en route pour Alexandrie. C’était un vieillard instruit sur toutes choses étrangères à son métier. Il coonaissait plusieurs langues du nord; mieux eût valu un peu moins d’ignorance en fait d’art maritime; la navigation égyptienne aurait eu à subir de moins tristes désastres. ⋆ ⋆
إدوار جون: «مصر في القرن التاسع عشر»، ص380.
وتعريبه:
قد توفي الأميرال إسماعيل الجبل الأخضر وهو في عرض البحر في طريق عودته إلى الإسكندرية متأثرا بمرض أصابه في جزيرة رودس، وقد كان شيخا لا يغيب عنه شيء ما إلا ما يمت إلى صناعته. وكان ملما بلغات أهل بلاد الشمال، وحبذا لو كان أقل جهلا بفنون البحر إذ كانت الكوارث التي أصابت البحرية المصرية أقل فداحة.
وربما كانت أحسن شهادة بكفاءة إسماعيل جبل طارق ومقدرته تلك التي جاءت على لسان المسيو دي ريفرسو
De Reverseaux ، وضمنه أحد تقاريره، إذ قال:
Si l’on ex excepte Isamil Djebaltar qui commande avec distinction la flotte du Vice-Roi d’Egypte, et que j’ai vu l’an dernier (en 1822) parcourir audacieusement l’Archipel avec une simple frégate, pas un amiral turc ne peut passer pour avoir du talent, de l’expérience et même de la bravoure.
وتعريبه:
إذا استثنينا إسماعيل جبل طارق الذي يتولى قيادة أسطول والي مصر بمهارة فائقة، والذي شاهدته في العام الماضي (سنة 1822) يمخر بفرقاطة واحدة مياه الأرخبيل بكل شجاعة، فإن ما من أمير بحار تركي يمكن اعتباره ذا كفاءة أو خبرة أو حتى بسالة مثله.
5
محرم بك
ولد محرم بك بمدينة قولة حوالي سنة 1795، ثم هاجر من بلاده وجاء إلى مصر وتقرب إلى محمد علي باشا، ولم يلبث أن آنس فيه الوالي من الصدق والإخلاص وحميد الصفات ما حدا به إلى وضع كامل ثقته فيه، فاتخذه صهرا له وزوجه من كريمته تفيدة هانم.
1
وفي سنة 1810 عين محرم بك حاكما للجيزة، وكان متوليا إدارة هذا الإقليم في أول مارس سنة 1811 عندما وقعت مذبحة المماليك بالقلعة، فاستولى بناء على أمر محمد علي باشا على أموال المماليك المقيمين في مديريته من خيول وجمال وهجن وغيرها.
وحوالي سنة 1820 أسند محمد علي باشا إلى محرم بك منصب محافظ الإسكندرية، فأظهر من الكفاءة والمواهب في حسن إدارة دفة أمور هذه المدينة ما أهله في غضون سنة 1821 - علاوة على منصبه - للاشتراك مع إسماعيل بك جبل طارق في قيادة السفن المصرية التي خرجت إلى المياه العثمانية لمساعدة الدولة العلية في حرب المورة.
وفي 25 يونيو سنة 1821 (24 رمضان سنة 1236) أصدر إليه محمد علي باشا أمرا باللغة التركية، هذا تعريبه:
قد علم لكم أنه أحيل تأديب الأروام الثائرين على الدولة إلى عهدتي. وحيث إن السفن الحربية التي استعدت لغاية الآن قد بلغت أربع عشرة سفينة، فقد أنبتكم عني في قيادتها، فتوكلوا على الله تعالى وأسرعوا بالإقلاع بها إلى الجهة المقصودة وأدوا الخدمة اللازمة في هذه المأمورية حسبما تقتضيه حقوقها المقدسة. وقد حررت صورة من هذا الأمر إلى مطوش قبودان الذي ستسافر سفينته بمعيتكم.
2
ولما كان الجيش المصري تحت إمرة إبراهيم باشا قد عبر البحر الأبيض المتوسط ونزل في أرض اليونان شاهرا سلاحه، فقد عزم الثائرون اليونانيون على القيام بعمل حازم ينتقمون به من المصريين، فعهدوا بهذه المهمة إلى أحد زعمائهم كاناريس
Kanaris
الذي أقلع على ظهر أحد المراكب تحرسه حراقتان، ورفع على سارياتها أعلاما روسية أو إنجليزية حتى وصل إلى الإسكندرية يوم 10 أغسطس سنة 1825، وتسرب خلسة داخل مينائها، ودفعت الرياح مراكب كاناريس حتى صارت على مقربة من السفن المصرية الراسية أمام قصر رأس التين. غير أنه اتفق أن مر في هذه اللحظة زورق الجمارك، فتعرف ركابه على المراكب اليونانية وافتضح أمرها، فتجاوب الثغر نداء الخطر وانطلقت المدافع من كل جانب صوب السفن الأجنبية حتى اضطر كاناريس إلى الملاذ بأهداب الفرار بعد أن ترك من ورائه مركبه طعاما للنيران، ووقع بحارته أسرى في قبضة المصريين. وقد انطلق إبريق خفر السواحل في إثر مراكب اليونانيين الفارين، واستقل محرم بك محافظ الإسكندرية في اليوم التالي فرقاطة تتبعها أربعة أباريق وأراد اللحاق به، ولكنه قفل راجعا في المساء دون أن يتمكن من الاهتداء إليها.
وما إن سمع محمد علي باشا بهذا الخبر حتى ركب من فوره إبريقا في يوم 12 أغسطس سنة 1825 وأراد أن ينتقم بنفسه من تلك الإغارة الجريئة، فوصل إلى شواطئ جزيرة رودس، ولكنه لم يقف لليونانيين على أثر، فعاد من حيث أتى في العشرين من أغسطس.
ولشد ما كانت دهشة الوالي عند رجوعه؛ إذ علم أن غداة يوم إبحاره - أي في يوم 13 أغسطس سنة 1825 - حضر إلى الإسكندرية أسطول عثماني مكون من ثماني فرقاطات وتسع قراويت وأربع وعشرين وحدة من أباريق وغوالت تحت قيادة خسرو باشا، فرحب محمد علي باشا بمقدمه ووضع تحت تصرفه مليونا من القروش، وأصدر أوامره إلى دار صناعة السفن بإنجاز ما قد تحتاج إليه السفن العثمانية من تصليح أو ترميم.
وفي يوم 12 أكتوبر سنة 1825 (29 صفر سنة 1241ه) عين محمد علي باشا صهره محرم بك قائدا للدونانمة المصرية تحت إمرة إبراهيم باشا، وخصه بمرتب قدره 1000000 قرش سنويا أي 83,3 جنيها شهريا.
3
فكان ثاني أمراء البحار في ذلك العصر ولما يتجاوز الثلاثين من عمره بعد.
وفي يوم 17 أكتوبر سنة 1825 أبحر من الإسكندرية الأسطول المصري والأسطول التركي البالغ مجموع قطعهما 129 وحدة (منها 65 مسلحة للحرب)، وعلى ظهرها 11000 جندي، بعد أن عقد محرم بك لواءه على الفرقاطة «الإحسانية» التي اتخذت مكانها على اليمين. وفي يوم 27 أكتوبر ألقت السفن مرساها في جزيرة كريت، ومنها تابعت سيرها إلى ميناء نافارين، حيث خف إبراهيم باشا لاستقبالها عند وصولها في الخامس من نوفمبر سنة 1825.
وقد لبث محرم بك يتنقل من ثغر إلى ثغر في الشواطئ اليونانية باحثا منقبا عن مياوليس
Miaulis
وسختوريس
Sachtouris
من قواد البحر اليونانيين، حتى سقطت ميسولونجي في قبضة إبراهيم باشا في الثاني والعشرين من مارس سنة 1826، فأبحر على إثر ذلك في يوم 26 مايو سنة 1826 وعاد إلى الإسكندرية.
وفي يوم 22 نوفمبر سنة 1826 خرجت من ثغر الإسكندرية قوة بحرية مؤلفة من فرقاطتين وخمس قراويت وثمانية عشرة إبريقا وثماني غوالت بقيادة محرم بك، وانضمت إليها 27 نقالة عثمانية و23 (وفي رواية أخرى 26) مركبا تجاريا أوروبيا غالبيتها مستأجرة من النمسا. ولم تكن المهمة المنوطة بها هذه المرة هي نقل الجند من مصر إلى اليونان، بل كانت مهمتها حمل المؤن والذخيرة إلى تلك البلاد. وعلى الرغم من الصعوبات التي اعترضت طريقها، فقد وصلت القافلة البحرية سالمة إلى ميناء نافاريان في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر سنة 1826، وأبحرت منه في يوم 11 إلى خليج السودا، ومنها أقلعت في يوم 21 يناير سنة 1827 عائدة إلى الإسكندرية فوصلت إليها في اليوم الثامن والعشرين من يناير سنة 1827.
وفي شهر مارس سنة 1827 أبحر محرم بك من الإسكندرية إلى جزيرة كريت على رأس فرقاطة وعشرة قراويت وأباريق مقلة سليمان أغا حاكم الجزيرة الجديد ومعه بعض القوات. وبعد أن وقفت هذه السفن قليلا بكريت تابعت سيرها إلى كورون ونافارين حيث وضعت نفسها تحت تصرف إبراهيم باشا لتعاونه في الهجوم على قلعة ترينز
Castel Tarnese ، ولم تطل الإقامة بها هناك إذ عادت إلى مصر في غضون الشهر نفسه.
وفي مستهل فصل الربيع سنة 1827 قدم الأميرال الإنجليزي كوشرين
Cochrane
إلى الإسكندرية على رأس أربع وعشرين سفينة، من بينها الفرقاطة «هيلاس
Hellas » التي عقد عليها لواءه. وكان قد بيت نيته - كما صرح بذلك عند إبحاره - على أن يعيث النار والفساد في المدينة، غير أن محمد علي باشا لم يعبأ بوعيد القائد البريطاني الذي طبقت شهرته الآفاق، وأصدر أوامره في الحال بالتأهب للقتال، فاضطر الأميرال كوشرين إلى الإسراع في الإقلاع واستقل محرم بك فرقاطة سارت من ورائها ثلاث أخرى وأخذ يبحث في طول البحر وعرضه عن الأميرال الإنجليزي وعن مراكبه ولكنه لم يقف لها على أثر، فعاد إلى الإسكندرية في التاسع والعشرين من أبريل سنة 1827.
وفي أواخر يونيو سنة 1827 خرج محرم بك ثانية إلى البحر بعد أن عقد لواءه على الفرقاطة «الجهادية» على رأس خمس فرقاطات أخرى وخمس قراويت وتسعة أباريق وغوالت، فتولى حراسة قافلة مكونة من عشر سفن قادمة من أزمير إلى الإسكندرية. وقد بلغ محرم بك جزيرة رودس حيث قسم سفنه قسمين: قسما أقلع غربا وقسما أبحر شرقا، ثم التقى الجمعان في ثغر الإسكندرية يوم 13 يوليو سنة 1827.
ولم تنقض عشرة أيام على وصوله حتى عاد محرم بك إلى ركوب البحر، فعقد لواءه على الفرقاطة «الجهادية»، وخرج على رأس قوة بحرية مصرية مؤلفة من إحدى وثلاثين قطعة، من بينها أربع فرقاطات وعشرة قراويت وستة أباريق وخمس شواني وست حراقات، انضمت إليها قوة بحرية عثمانية بقيادة القبودان حسين بك مؤلفة من عشرين وحدة من بينها سفينتان وخمس فرقاطات وتسعة قراويت وكذلك ثلاث فرقاطات وإبريق واحد من تونس، كما سارت في إثر الحملة خمس وعشرون نقالة وخمس سفن نمساوية مستأجرة وثماني قطع صغيرة. فأقلع مجموع هذه القوات البالغ عددها تسعا وثمانين قطعة تقل 4600 مقاتل من ثغر الإسكندرية فيما بين يومي 23 يوليو و5 أغسطس سنة 1827 قاصدا شبه جزيرة المورة لإمداد جيش إبراهيم باشا هنالك. وكان الغرض الأول من هذه الحملة إنما محاصرة جزيرة هيدرا
Hydra
التي كانت أهم معقل للثورة اليونانية.
وفي يوم 9 سبتمبر سنة 1827 رست العمارة المصرية بميناء نافارين وانضمت إلى أسطول تركي آخر مؤلف من اثنتين وثلاثين قطعة، من بينها سفينة واحدة وتسع فرقاطات وأحد عشر قراويت وتسعة أباريق، وكذلك قرويت وإبريق من طرابلس حضرت جميعها من الآستانة بقيادة أمير البحر طاهر باشا. وقد تولى إبراهيم باشا القيادة العامة للقوات البرية والبحرية وأخذ يتأهب لتجهيز حملة بحرية على جزيرة هيدرا وتجريد حملة برية على شمال المورة.
وبينما هو كذلك إذا باثنتي عشرة سفينة من قطع الأسطول الإنجليزي تحضر في يوم 12 سبتمبر سنة 1827 تعقبها سبع سفن من وحدات الأسطول الفرنسي في يوم 21 منه، ثم تلحق بها ثماني سفن من الأسطول الروسي في أوائل شهر أكتوبر، ويطلب قوادها المتحالفون من إبراهيم باشا وقف حركات القتال برا وبحرا طبقا لأحكام معاهدة لندرة. ولما كانت العلاقات بين تركيا والحلفاء لم تزل حتى ذلك الحين ودية في الظاهر - وإن توترت في الباطن - فقد تعهد إبراهيم باشا ببقاء أسطوله في نافارين إلى أن ترد له تعليمات من والده محمد علي باشا ومن الباب العالي في هذا الشأن.
ولئن قطع إبراهيم باشا على نفسه هذا العهد إلا أنه لما رأى الأميرال كوشرين
Cochrane
والجنرال شورش
Church
البريطانيين قد جمعا قواتهما للزحف بهما على باتراس، اعتبر إبراهيم أن نصوص الهدنة قد نقضت من جانب الحلفاء وأنه أصبح في حل من عهده، فأبحر في يوم أول أكتوبر سنة 1827 على رأس أربع عشرة سفينة ومعه طاهر باشا ومحرم بك، وولى وجهته في اتجاه باتراس، غير أن الأميرال الإنجليزي كودرنجتون
Codrington
اقتفى أثر هذا الأسطول وأرغمه على العودة إلى مرساه بنافارين، حيث وصل في يوم 7 أكتوبر سنة 1827.
ولم تمض إلا أيام معدودات حتى تلقى إبراهيم باشا من محمد علي باشا رسالة ينبئه فيها بأنه عرض الأمر على الباب العالي وأنه سيوافيه بتعليماته النهائية في هذا الصدد عند ورود رد الدولة العلية، على أنه يوصيه بالتزام خطة السلم وتجنب الاصطدام مع الدول أو التحرش بقوتها حتى ولو طلب إليه الباب العالي غير ذلك.
وفي منتصف أكتوبر سنة 1827 غادر إبراهيم باشا نافارين وزحف على رأس جزء من جيشه داخل المورة لإنجاد الحاميات المصرية التي كانت قد استهدفت لهجوم الثوار اليونانيين، ولم يفت إبراهيم قبل سفره توصية محرم بك قائد الأسطول المصري وطاهر باشا قائد الأسطول العثماني بعدم التحرش بالأساطيل المتحالفة وعدم الخروج إزاءها عن قواعد المودة والمجاملة؛ لأن العلاقات بين الحلفاء وتركيا ومصر لم تزل قائمة ولم تعلن الحرب بعد بين الفريقين.
وفي يوم 18 أكتوبر أرسل الحلفاء إنذارا على يد رسول أرسلوه إلى نافارين لإبلاغ إبراهيم باشا بأنه وقد نقض أحكام الهدنة يعتبر مسئولا عن هذا العمل وعن عواقبه الخطيرة. غير أن الرسول وصل بعد قيام إبراهيم باشا، فعاد بالرسالة إلى الأميرال كودرنجتون
Codrington
قائد الأسطول الإنجليزي الذي بادر إلى استدعاء زميليه الأميرال دي ريني
De Rigny
قائد الأسطول الفرنسي والأميرال هيدن
Hayden
قائد الأسطول الروسي، فاجتمع قواد الحلفاء وتداولوا في الأمر فاستقر رأيهم على الدخول بأساطيلهم ميناء نافارين لإجبار إبراهيم باشا على تنفيذ مطالبهم. وفي منتصف الساعة الثانية بعد ظهر يوم 20 أكتوبر سنة 1827 أصدر الأميرال كودرنجتون القائم العام للأساطيل المتحالفة أمره بالتأهب للقتال، وعند تمام الساعة الثانية اقتحمت سفن الدول بوغاز نافارين.
وكانت السفن المصرية والتركية راسية داخل ذلك الميناء على ثلاثة صفوف شبه متوازية، كل صف في شكل نصف دائرة يمتد طرفاها من نافارين الجديدة الواقعة على يمين البوغاز إلى جزيرة أسفاختريا، ووقفت البوارج والفرقاطات في الصف الأول والقراويت في الصف الثاني والأباريق وغيرها من السفن في الصف الثالث.
ولما رأى محرم بك اقتحام البوغاز على هذه الصورة المثيرة بادر إلى إنفاذ رسول إلى البارجة الإنجليزية «آسيا» يطلب إلى الأميرال كودرنجتون أن يعدل عن الرسو بأساطيله في نافارين، فأجابه القائد البريطاني بأنه لم يأت ليتلقى منه أمرا بل حضر ليملي عليه أوامره.
وواصلت سفن الحلفاء سيرها وأخذت مكانها في الميناء، فاصطفت تقريبا على شكل نصف دائرة في مواجهة السفن المصرية والتركية، واقتربت منها حتى صار بعضها على مرمى المسدس منها، ووقفت البارجة الإنجليزية «دارتموث» على رأس الصف لتعطل عمل الحراقات المصرية الراسية عند مدخل الثغر.
وعلى إثر رصاصة طائشة انطلقت من إحدى السفن بدأ القتال في منتصف الساعة الثالثة بعد الظهر، وأطلقت السفن مدافعها وتجاوب الأسطولان الضرب، واستعرت نار الحرب والهيجاء، فانقلب المرفأ بركانا من الجحيم واجتمعت بين جوانبه أسباب الهلاك والدمار، وصمت الآذان من قصف آلاف المدافع ومن دوي انفجار السفن، وغشيت ميدان القتال طبقات من الدخان المتكاثف تتخللها النيران المشتعلة، ولم تعد السفن تميز بعضها بعضا إلا على ضوء اللهب الذي كان يتصاعد بين آونة وأخرى من المراكب المشتعلة، واشتركت مدافع القلاع والبطاريات المقامة في طرف جزيرة أسفاختريا في إلقاء قنابلها، واستمر القتال على هذا المنوال حتى الساعة الخامسة مساء، وانتهت الواقعة بالقضاء على العمارة المصرية والتركية إذ هلك معظمها نسفا أو غرقا، في حين جنحت البقية الباقية على السواحل، فأسرع بحارتها إلى إحراقها حتى لا تقع في أيدي الأعداء . وبلغ عدد قتلى المصريين والأتراك ثلاثة آلاف وخسائر الحلفاء 140 قتيلا و300 جريح.
وبعد أن وضعت المعركة أوزارها أقلع الأميرال كودرنجتون قائد الأسطول الإنجليزي إلى مياه الإسكندرية وأنذر بتخريب المدينة إذا لم يبادر محمد علي باشا باستدعاء قواته من المورة، فاضطر الوالي إلى الإذعان، وعقد مع الحلفاء اتفاقا في أول أغسطس سنة 1828 تعهد فيه بإخلاء شبه جزيرة المورة. وتنفيذا لهذا الاتفاق أقلعت السفن بقيادة محرم بك وعادت بالجنود المصريين إلى مصر في الثامن من أكتوبر سنة 1828.
ولما عاد محرم بك إلى مصر استبقاه محمد علي باشا في وظيفته الأولى محافظا للإسكندرية، وانفرد بهذا المنصب وعكف بمعاونة الجنرال ليتلييه
Le Tellier
والطبيب جردل وبعض القناصل على ترجمة لوائح الكوارنتينات التي كانت تقضي بإنشاء محال بالقرب من الميناء الشرقية الجديدة، وبالقرب من طابية الفنار.
وقد ظل محرم بك يشغل هذا المنصب إلى أن لبى نداء ربه، فتوفي في الإسكندرية في العشرين من ديسمبر سنة 1847 (12 المحرم سنة 1264) ودفن بمقابر الأسرة المالكة في النبي دانيال. فأسف الناس أسفا شديدا لجميل سيرته وحبه للخير إذ كان جوادا أعتق كثيرا من مماليكه وأحسن إليهم بالعطايا الجزيلة، وباسمه سمي حي محرم بك بالإسكندرية.
وقد قال فيه الأميرال دوران فييل:
Moharrem bey, gendre du Pacha, était un peu seigneur turc de la vieille école, Kapoudji bachi, c’est-à-dire chambel-lan, et gouverneur d’Alexandrie, plein de dignités dans ses manières, il s’acquitta avec convenance de son rôle de représentation, mais ne se mêla jamais des détails du service. Les évènements, d’aillieurs, le maintinrent éloigné d’Alexandrie, et sur place, en Morée, il ne s’avisa jamais d’exercer une action personnelle; Ibrahim ne l’aurait pas permis! A son retour, en 1829, il reçot le gouvernement du Hedjaz et de villes saintes; c’était une récompense méritée et une retraite honorable. ⋆ ⋆
Vice-Amiral Durand-Viel: “
Les Campagnes navales de Mohammed Aly et d’Ibrahim ”, T.I. p. 431 .
وتعريبه:
كان محرم بك صهر الباشا من سراة العهد القديم الأتراك الذين حافظوا على مذاهبهم ومبادئهم القديمة، وكان «قبوجي باشى» أي أمينا من الأمناء، كما كان محافظا للإسكندرية، وكان ذا هيبة ووقار ويؤدي مهام منصبه بكفاءة، ولا يشغل نفسه بسفاسف الأمور. ومع ذلك فإن الحوادث أبقته بعيدا عن الإسكندرية حتى أنه وهو في بلاد المورة لم يشغل نفسه بأي عمل شخصي من تلقاء نفسه ولا سيما أن إبراهيم لم يكن ليسمح له بذلك. وعند عودته إلى مصر في سنة 1829 أسندت إليه ولاية الحجاز والحرمين الشرفين فكانت مكافأة له استحقها وتقاعدا شريفا.
4
عثمان نور الدين باشا
ولد عثمان نور الدين بجزيرة «مدلي
Mitylène » حوالي سنة 1794، ثم رحل مع أسرته إلى مصر حيث استقر به النوى ودخل أبوه في خدمة محمد علي باشا الذي عينه فراشا أو سقاء في أحد قصوره، فعرف الابن باسم «عثمان سقه باشى زاده» أي عثمان ابن الباش سقا.
غير انه سرعان ما أبصر الوالي في عثمان دهاء وذكاء نادرين، فأرسله على نفقته الخاصة في سنة 1809 - بناء على طلب المسيو يوسف بكتي
Joseph Bokty
قنصل السويد بمصر - في بعثة علمية إلى ميلانو وبيزا وليفورن بإيطاليا حيث مكث بها نحو خمس سنوات، ثم انتقل إلى باريس عاصمة فرنسا فأتم في معاهدها العلوم الحربية والبحرية وتلقى فنون السياسة وإدارة الحكم ولبث بها سنتين عاد على إثرهما إلى مصر في سنة 1817 وهو يجيد من اللغات التركية والعربية والإيطالية والفرنسية ويلم بحظ لا بأس به من الإنجليزية.
وما إن قفل عثمان راجعا إلى مصر حتى عين كاشفا في حرس محمد علي باشا الحربي، ثم عهد إليه تنظيم مكتبة قصر إبراهيم باشا ببولاق، إلى أن نيط به في خلال سنتي 1820 و1821 أمر تدريس علم الهندسة واللغة الفرنسية إلى بعض التلامذة المصريين، فكان هذا نواة مدرسة بولاق أولى المدارس النظامية التي أنشئت في مصر في عهد محمد علي تنفيذا لاقتراح عثمان نور الدين الذي تولى نظارتها والإشراف عليها.
وكان النشاط على أتمه حينذاك لتكوين الجيش وتدريب الجنود على النظم الأوربية الحديثة، فقام عثمان نور الدين بترجمة المؤلفات الحربية المختلفة من اللغة الفرنسية إلى اللغة التركية، منها كتاب «القواعد البحرية»، و«قانون نامة سفاين بحرية جهادية».
1
وفي سنة 1823 عين عثمان نور الدين سر عسكر الجيش المصري، وأنعم عليه برتبة البكوية.
وفي سنة 1825 ترجمت تحت إشرافه قوانين ونظم البحرية من الإنجليزية إلى التركية، ثم عهد إليه محمد علي باشا بالاشتراك مع الجنرال ليتلييه
Le Tellier
مهمة تنظيم شئون البحرية وتعليم ضباطها.
وفي السنة نفسها قام بتأسيس مدرسة قصر العيني، فكان أول مدير لها، كما أشار على محمد علي باشا في غضون هذه المدة بإنشاء مدرسة أركان الحرب، فلقي هذا الاقتراح هوى في نفس الوالي ولم يمض من الوقت إلا القليل حتى أسست هذه المدرسة في قرية جهاد آباد، وتولى عثمان نور الدين إدارتها.
وفي يوم 25 مايو سنة 1825 عينه محمد علي باشا مير لواء، ثم ولاه رياسة هيئة أركان حرب، إلى أن عهد إليه في سنة 1828 القيادة العامة للأسطول بمرتب قدره 180000 قرش سنويا؛ أي 150 جنيها شهريا،
2
فكان ثالث أمراء البحار في عصر محمد علي.
وفي سنة 1825 استقدم محمد علي باشا الدكتور كلوت بك الفرنسي، وعهد إليه في إنشاء مدرسة الطب المصرية وكلف عثمان نور الدين الإشراف على إنشائها، وإليه رفع كلوت بك أول تقرير وضعه.
ولما كان عثمان نور الدين قد اتصل في أثناء مدة تلقيه العلوم في فرنسا بالمسيو جومار
Jomard
أحد علماء الحملة الفرنسية التي حضرت إلى مصر بقيادة الجنرال بونابرت، وتوثقت بينهما فيما بعد عرى المودة، وعملا سويا على تنمية الروابط الودية والثقافية بين مصر وفرنسا، فقد اقترح عثمان على محمد علي باشا فكرة إيفاد بعثة علمية كبيرة إلى فرنسا، وبالفعل قامت هذه البعثة من مصر في سنة 1826 تحت إشراف المسيو جومار نفسه.
وفي التاسع من شهر أغسطس سنة 1830 (27 صفر سنة 1246) أصدر السلطان محمود الثاني فرمانا شاهانيا إلى محمد علي باشا بإحالة إدارة جزيرة كريت إلى عهدته مكافأة له على ما أداه للباب العالي بجيشه وأسطوله من خدمات جليلة في سبيل قمع ثورة المورة وفتنة تلك الجزيرة بعد أن عجز السلطان عن إخمادهما منفردا.
وفي أواخر شهر أكتوبر سنة 1831 بدأ سير الحملة المصرية لفتح سوريا، فتولى أمير البحار عثمان نور الدين قيادة القوة البحرية المؤلفة من ثلاث وعشرين سفينة حربية وسبع عشرة سفينة نقل، فاجتمعت تلك القوة البحرية بفيالق الجيش في ميناء حيفا التي اتخذها إبراهيم باشا قاعدة للحركات العسكرية، ثم اشترك بعض قطع الأسطول في حصار عكا من جهة البحر في ديسمبر سنة 1831 وأمطر المدينة وابلا من القنابل.
وكان عدد هذه السفن تسع فرقاطات، وهي المسماة: «الجعفرية»؛ وكانت معقودة اللواء لأمير البحار عثمان نور الدين، و«البحيرة»؛ وكانت معقودة اللواء لمصطفى مطوش باشا، و«كفر الشيخ» و«رشيد» و«شيرجهاد» و«دمياط» و«مفتاح جهاد» و«بومبه» و«رهبر جهاد »، وكانت تقل 3810 من البحارة و484 من المدافع.
3
غير أن بعض هذه السفن أصيب بعطب اضطر معه إلى العودة لإصلاحه في ترسانة الإسكندرية، ولم تسلم قلعة عكا إلا في السابع عشر من مايو سنة 1832 على إثر رجوع جميع الوحدات المصرية وضربها الحصار ثانية من البحر.
وكان للأسطول المصري جولات خلال الحرب السورية؛ إذ تألفت العمارة المصرية من سبع وعشرين سفينة حربية معقودا لواؤها لأمير البحار عثمان نور الدين، فسارت تمخر العباب باحثة عن الأسطول العثماني، حتى اجتمع الأسطولان بعد واقعة بيلان في مياه جزيرة قبرس، غير أن عثمان باشا لم يسع لمهاجمة السفن العثمانية نظرا لتفوقها عددا وعددا، وأخذ يترقب حركاتها وسكناتها إلى أن سارت الوحدات التركية في ميناء مرمريس من ثغور الأناضول، فتعقبتها العمارة المصرية وحاصرت الميناء، ولكن غوائل الطبيعة حالت دون استمرار الحصار، فاتجه عثمان باشا بأسطوله إلى خليج السودا بجزيرة كريت ثم عاد به إلى الإسكندرية.
وفي صيف عام 1833 انتوى محمد علي باشا القيام برحلة إلى جزيرة كريت، فاستقل في يوم 27 يوليو سنة 1833 السفينة المصرية «المحلة الكبرى» التي أقلعت به من ثغر الإسكندرية تحف بها وتتبعها أربع سفن وأربع فرقاطات وثلاث قراويت بقيادة عثمان باشا نور الدين.
وممن دعي إلى شرف مصاحبته في تلك الرحلة: المسيو ميمو
Mimaut
قنصل فرنسا في مصر، والكولونيل كامبل
Campbell
قنصل بريطانيا العظمى فيها، والمسيو دي سيريزي بك
De Cérisy
مدير دار الصناعة (الترسانة) المصرية بالإسكندرية الذي يرجع إليه الفضل الأكبر في بلوغ الأسطول المصري في عهد محمد علي باشا المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول على الرغم مما أصابه من خسارة فادحة إثر كارثة نافارين البحرية.
ولقد صادفت «المحلة الكبرى» رياح عكسية اضطرت معها إلى الرسو على شواطئ الأناضول تجاه جزيرة رودس، ولكن الوالي أبى أن ينزل منها إلى البر على الرغم من أن محافظ الجزيرة قد خف لاستقباله مقدما إليه سلالا من الفاكهة وألوانا من المرطبات.
وفي يوم 12 أغسطس سنة 1833 - أي بعد مضي ستة عشر يوما على إبحار محمد علي باشا من الإسكندرية - ألقت السفن المصرية مرساها في مياه جزيرة كريت، حيث استقبله بعض قطع الأسطولين الفرنسي والبريطاني، فقدمت إليه التحية باسم قائدي القوات البحرية الفرنسية والبريطانية في الشرق الأوسط. ثم نزل محمد علي باشا إلى الجزيرة وتفقد شئونها وتنقل بين مدنها وقرها من السودا
Le Sude
إلى ريتيمو
Retimo
إلى خانيا
La Canée ، وأمر بتوسيع بعض موانئها وتدعيم القاعدة البحرية المصرية في خليج السودا.
وكان الباعث على هذه الرحلة - كما تبين فيما بعد - إنشاء دار للصناعة البحرية في السودا لبناء السفن وإعداد ميناء حربي لإيواء قطع الأسطول المصري الذي كان يحمي جيش إبراهيم باشا وفتوحاته في سوريا والأناضول.
وقد وفق محمد علي باشا في اختيار هذه البقعة لقربها من غابات أطنه التي نزل لها عنها السلطان محمود الثاني كرها؛ ولذلك لم يكن الباب العالي ينظر بعين الارتياح والرضاء إلى هذه الرحلة لما انطوت عليه من سر غامض وما حملت بين ثناياها من آثار ونتائج.
على أن شدة القيظ اللافح في أشهر الصيف في تلك السنة قصرت رحلة الوالي وعجلت عودته إلى مصر؛ فقد اضطر إلى مغادرة كريت في أول سبتمبر سنة 1833 - بعد أن أقام بين ربوعها ثمانية عشر يوما - وتولى بنفسه في الإياب قيادة السفن في أثناء العودة إلى مقر حكمه.
ولما عاد محمد علي باشا إلى مصر اعتزم تجنيد أهل جزيرة كريت. ولم يكد يذاع في أرجاء الجزيرة هذا النبأ حتى شبت الثورة بين الكريتيين وحمل السلاح نحو ستة آلاف منهم وقصدوا إلى ثكنات الحامية المصرية التي اعتصمت في معاقلها، وأرسل مصطفى باشا الأرنائوطي حاكم الجزيرة إلى محمد علي باشا يبلغه تمرد السكان تمردا ينذر بالهرج والمرج وسوء العقبى، فعهد الوالي إلى قوة من الجند برياسة أمير البحار عثمان نور الدين باشا بقمع الفتنة.
غير أن عثمان باشا لجأ في البداية إلى أخذ الثوار باللين، ولكنهم أصروا على موقفهم واشتبكوا مع الحامية المصرية في قتال فرقتهم فيه نيران المدافع، ووقع ثلاثون منهم في أسر الجيش المصري، فارتأى عثمان باشا أن يعفو عنهم على أمل أن يستميل الثوار إليه ويفل من حدتهم.
إلا أنه لما عرض على محمد علي باشا هذه الفكرة رفض الوالي هذا الاقتراح ورفض العفو، وأصدر أوامره بقتل الثائرين الأسرى. ولكن كبر على عثمان باشا نور الدين ألا يؤبه لرأيه، فوطد عزمه على الاستقالة من خدمة الوالي.
وفي يوم 19 ديسمبر سنة 1833 أقلعت العمارة المصرية من خليج السودا، وبعد بضعة أيام وصلت إلى كريت الفرقاطة «البحيرة» قادمة من ميناء يافا مقلة 600 جندي من آلاي المشاة الخامس لإمداد حامية الجزيرة. أما عثمان باشا فكان قد برح كريت في صباح السابع عشر من شهر ديسمبر على ظهر إبريق صغير لجهة غير معلومة.
وفي أواخر ديسمبر عاد الأسطول المصري إلى الإسكندرية من غير قائده، وفي يوم 29 ديسمبر لحق به الإبريق الذي كان قد استقله عثمان باشا بغير أمير البحار إذ كان قد ذهب إلى مدلي - مسقط رأسه - وأمر السفينة بالعودة بدونه إلى مصر.
وفي يوم 2 يناير سنة 1834 تلقى بوغوص بك يوسف ناظر الخارجية المصرية كتابا من عثمان نور الدين باشا هذا تعريبه:
يا صاحب السعادة
إن إصراري على الاستقالة الذي قضت به ضرورة قصوى سوف لا يدهش صاحب السمو ولا يدهشكم أنتم. بل بالعكس، وأنتما العليمان بأسبابها كل العلم سوف تقدران رجلا يضحي بكل ما لديه لإنقاذ شرفه ويترك جميع ما يملك لعدم الوقوع في الذل.
ولئن كان في مقدور ضابط في مصر أن يلتمس عزله من غير أن يستهدف لعقوبة صارمة لكنت قد طلبت ذلك في السنة الماضية وتركت آنئذ خدمة الحكومة المصرية. وأرجوكم أن تتقبلوا شكري الخالص للخدمات التي أديتموها لي حتى الآن، والتي آمل أن تواصلوا أداءها لأفراد أسرتي الذين لا عون لهم بالإسكندرية.
وتفضلوا بقبول شعائر التبجيل والاحترام من:
عثمان نور الدين
وفي الوقت نفسه أرسل عثمان نور الدين كتابا آخر إلى محمد علي باشا ضمنه هذا المعنى وأبدى له فيه جزيل شكره للنعم التي أولاه إياها.
وقع هذا الحادث على الوالي وقعا أليما حتى شعر غير مرة بنوبة اختناق وضيق نفس مثلما كان يشعر بها في ساعات الحزن الشديد، ولكنه على الرغم من هذا فإنه لم يتفوه بكلمة جارحة واحدة في حق عثمان باشا، بل نوه بكفاءته وأبدى تأثرا ملحوظا لابتعاده عنه وهو يكاد لا يكون لديه مال وبدون أن يتخذ أدنى احتياط أو عناية بثروته.
وبينما كان محمد علي باشا يفكر في إنفاذ سكرتيره الخاص إلى مدلي لحمل عثمان نور الدين على العودة إذا هو يتلقى في العشرين من يناير سنة 1834 نبأ وصول عثمان باشا إلى الآستانة عارضا خدماته على السلطان.
على أن هذه الخيانة لم تحل دون استمرار محمد علي باشا على إعانة أسرة عثمان نور الدين التي تخلفت بالقطر المصري. وهكذا كافأ والي مصر ذلك القائد البحري الذي انقلب عليه في أخريات أيامه، وما لبثت المنية أن عاجلته بعد قليل فتوفي في غضون سنة 1834 نفسها متأثرا بوباء الطاعون الذي تفشى في تركيا.
وقد أصدر المؤرخون على موقف عثمان نور الدين هذا أحكاما مختلفة:
كتب عنه الأستاذ شفيق غربال بك فقال:
كان عثمان نور الدين من رجال العهد الأول من النهضة المصرية، وكان ساعد محمد علي في الطور الأول من أطوار الإصلاح، ثم شاءت الظروف أن ينسحب عثمان نور الدين من مجال الإصلاح المحمدي العلوي وأن ينضم للسلطنة العثمانية، وكأني بمحمد علي وقد جرحه هذا العقوق أو هذه الخيانة، فأسدل الستار على عثمان وسقط اسمه من الأفواه وأغفله المؤرخون. وحياة عثمان نور الدين ونهايته تثيران ألوانا من التفكير والأحكام، فقد توزع الرجل بين محمد علي والسلطان واضطرب قلبه بين هذين العاهلين، وتحكم في ولائه السيدان، ثم اختلف كلاهما، فكيف يكون حال عثمان؟ مسألة لها في الأدب وفي الأخلاق وفي التاريخ نظائر، ولا يمكن أن يقال إن الحكم فيها نهائي ...
4
وقال عنه الأميرال دوران فييل:
Alors (en 1829) parut au premier rang un personnage d’une tout autre étoffe (qu’Ismaïl Djebaltar et Moharrem Bey), le produit par excellence de la transformation de l’Egypte que rêvait le Vice-Roi. Osman Noureddin, fils de Sakka Bachi, né en 1799 ⋆
était un jeune mamlouk que le consul de Suède, Joseph Bokty, avait fait envoyer en 1809 en Europe, où il resta sept ans, à Milan, Pise, Livourne et Paris. Il revint en 1818 ⋆⋆
et grâce à l’appui d’Ismaïl Djebaltar, devint toud de suite un grand favori. Très instruit-il parlait le turc, l’arabe, l’italien, le français et un peu lánglais-il montrait une érudition encyclopédique et un désir immodéré de l’accroîte encore, tout cela gâte par un peu de verbalsime et un manque complet de caractère. Chargé de constituer une bibliothèque pour Ibrahim à Boulak, il s’y attela avec son ami Ahmed Effendi, qui fut directeur de l’instruction publique, à la traduction de ouvrages techniques européens, particultièrement de guierre et de marine. Mais alors, à la tête de l’école établie à Boulak, puis à Kasr-El-Aini pour la formation du personnel, puis directeur du collège d’Etat-Major créé à Djihad Abad par Planat, il se fit de tous ses élèves une manière de clientèle dévouée, en même temps qu’il se conciliait l’amitié de Sève et qu’il réussissait à se créer d’utiles solidarités, jusque dans le harem. Brusquement, le 25 mai 1825, la confiance de Mohammed Aly en ses capacités extraordinaires en fit un général de brigade, puis un chef d’état- major général; enfin, elle le plaça en 1828 à la tête de la marine, en même temps qu’il recevait la tâche de pacifier la Crète.
Osman Noureddint allait s’acuitter de ces diverses fonction avec un rare bonheur en attendant qu’il couronnât cette éblouissante carrière par la plus laide de trahisons. ⋆⋆⋆ ⋆
إن تاريخ ميلاد عثمان نور الدين على وجه التحديد غير محقق، غير أنه بالاستئناس ببعض المصادر التاريخية يمكن إرجاع هذا التاريخ - على وجه التقريب - إلى سنة 1794. أما سنة 1799 التي يذكرها الأميرال دوران فييل فإنها قطعا بعيدة عن الصواب، وإلا كان عثمان نور الدين قد أرسل في بعثة علمية إلى الخارج في سنة 1809 وعمره دون العاشرة. ⋆⋆
عاد عثمان نور الدين إلى مصر في سنة 1817 لا في سنة 1818، إذ سافر في غضون سنة 1809 وقضى في أوروبا سبع سنوات (على حد قول الأميرال دوران فييل نفسه). ⋆⋆⋆
Vice-Amiral Durand-Viel: “Les Campagnes navales de Mohammed Aly et d’Ibrahim”. t. I., P. 431 et 432 .
وتعريب هذه الفقرات ما يأتي:
في ذلك الوقت (أي في سنة 1829) برزت في الطليعة شخصية من معدن آخر (غير معدن إسماعيل جبل طارق ومحرم بك)، هي ثمرة من ثمرات تحول مصر كما كان يمني الوالي به نفسه، ذلك هو عثمان نور الدين ابن سقه باشا. فقد ولد في سنة 1799 وكان مملوكا صغيرا توسط له يوسف بكتي قنصل السويد فأرسل في سنة 1809 إلى أوروبا حيث مكث سبع سنوات في ميلانو وبيزا وليفورن وباريس. ثم عاد في سنة 1818 وسرعان ما أصبح من المحظوظين الملحوظين بفضل معاضدة إسماعيل جبل طارق. وكان عثمان على جانب وافر من العلم؛ إذ كان يتكلم من اللغات التركية والعربية والإيطالية والفرنسية وقليلا من الإنجليزية، كما كان واسع المعارف وذا رغبة ملحة في الاستزادة منها، ولكن إلى جانب هذه الخلال قد أفسده ميله إلى الثرثرة وحاجة قصوى إلى خلق قويم. ولما عهدت إليه مهمة تكوين مكتبة إبراهيم باشا في بولاق عكف مع صديقه أحمد أفندي - الذي صار فيما بعد ناظرا للمعارف العمومية - على ترجمة المؤلفات العلمية الأوروبية وعلى الأخص المؤلفات الخاصة بالجيش والبحرية. ولما تولى إدارة المدارس التي تأسست في بولاق ثم في قصر العيني لتهذيب وتدريب المستخدمين، وصار مديرا لكلية أركان حرب الجيش التي أنشأها بلانات في جهات آباد. استطاع عثمان نور الدين أن يستميل تلامذته ويستأثر بهم ويضمن إخلاصهم له، كما خطب ود الكولونيل سيف وتمكن من ربط صلات حسنة حتى في داخل الحرم. وفجأة في الخامس والعشرين من مايو سنة 1825 تجلت ثقة محمد علي بكفاءته الخارقة للعادة، فعينه مير لواء ثم رئيس عام أركان حرب الجيش إلى أن نصبه في سنة 1828 على رأس البحرية، وعهد إليه إخضاع جزيرة كريت.
وقد شغل عثمان نور الدين تلك المناصب المختلفة بمقدرة فائقة إلى أن ختم حياته الباهرة بأقبح الخيانات.
وفي أول يناير سنة 1834 كتب المسيو دي سيريزي
De Cérisy
يقول:
Je crois que depuis longtemps ce projet était dans sa tête. Il y a deux ans, n’yant pas attaqué et détruit la flotte turque, Ibrahim Pacha avait demandé à son père une rien n’était oublié. Dernièrement, il lfut envoyé à Adana où Ibrahim le reçut fort mal; enfin, il y a deux mois Osman reçut l’ordre de partir avec sa flotte pour aller apaiser les troubles de la Crète ... On pendit sans jugement un grand nombre d’individus ... Ces évènements chagrinèrent tant Osman Pacha que, sans doute, il conçut le projet de s’évader ... Avant de quitter la flotte, Osman Pacha avait fait changer une valeur d’environ 65000 francs de monnaie turque ...
وتعريبه:
إني أعتقد أن فكرة الاستقالة كانت مختمرة في رأس عثمان نور الدين منذ زمن بعيد؛ فإنه لما أحجم عثمان نور الدين عن مهاجمة الأسطول التركي منذ سنتين ولم يدمره طلب إبراهيم باشا من والده أن يعاقبه عقابا صارما. غير أنه وإن تأجل تنفيذ العقاب فإنه بقي في الذاكرة، وأخيرا أرسل عثمان باشا إلى أطنه حيث قابله إبراهيم مقابلة فاترة، ومنذ شهرين صدر إلى عثمان أمر بالإقلاع بأسطوله لإخماد ثورة كريت. وقد أعدم هناك عدد عديد من الأهالي شنقا وبدون محاكمة، وقد تألم عثمان باشا كثيرا لهذه الحوادث حتى صح عزمه على الفرار. وقبل أن يودع البحرية استبدل عثمان باشا 65000 فرنك من العملة التركية.
وفي أثناء حديث دار بين محمد علي باشا والمسيو ميمو
Mimaut
قنصل فرنسا بمصر ذكر هذا الأخير للوالي أن تصميم أمير البحار عثمان نور الدين على الاستقالة إنما مرجعه إلى التدابير القاسية التي اضطر إلى اتخاذها مكرها ضد الأهالي في جزيرة كريت. غير أن محمد علي لفت نظره إلى أن لكل حكومة حق إخماد الفتن وتأديب الثائرين. على أنه فضلا عن هذا فإن الأوامر التي صدرت إلى عثمان باشا كانت مقصورة على معاقبة المسئولين.
ولما كان المسيو ميمو قد لاحظ أن تنفيذ عقوبة الإعدام قد حصلت أحيانا بدون محاكمة، فقد ختم الوالي الحديث بقوله: «أما عن عدد الذين أعدموا، فهذا خطأ مني بل هذا ذنبي أنا ...»
5
مصطفى مطوش باشا
أصله من قولة، حيث كان قبودانا في المراكب الشراعية التجارية ثم قدم إلى مصر واستقر بها وسرعان ما استوقفت معارفه البحرية نظر محمد علي باشا، فعينه وكيلا للعمارة المصرية التي جهزها على قدم وساق لمساعدة الدولة العثمانية في حرب اليونان في سنة 1821 والتي كان قد وقع اختياره على إسماعيل بك جبل طارق وعلى صهره محرم بك للقيادة العامة.
ولم تمض إلا بضع سنوات حتى عهد محمد علي إلى مطوش بك مقاليد نظارة البحرية فأصبح «ناظرا للسفائن»، فكان ثاني نظارها بعد الحاج أحمد الذي كان قد تولى إدارتها منذ سنة 1826. ولما حضر في اليوم الثالث عشر من أغسطس سنة 1825 إلى الإسكندرية الأسطول العثماني المكون من إحدى وأربعين قطعة تحت قيادة خسرو باشا كلف محمد علي باشا مطوش أغا ناظر بحريته «بسرعة تدارك المهمات اللازمة للدونانمة الهمايونية لأجل إتمام الترميمات لها بسائر أنواعها» بالاتحاد مع إبراهيم أفندي القادم مع العمارة العثمانية. وفي شهر أبريل سنة 1827 وضع مطوش بك كشفا دقيقا لما استلزمته العمارة العثمانية الراسية في الإسكندرية من ترميمات فأصدر محمد علي باشا أوامره إلى ناظر الترسانة لتنفيذ ما أشار إليه مطوش بك في تقريره وترتيب القلفطية والعمال اللازمين لذلك.
وفيما بين يومي 23 يوليو و5 أغسطس سنة 1827 خرجت من ثغر الإسكندرية قوة بحرية مصرية مؤلفة من إحدى وثلاثين قطعة من بينها أربع فرقاطات وعشرة قراويت وستة أباريق وخمس شواني وست حراقات بقيادة محرم بك الذي عقد لواءه على الفرقاطة «الجهادية» في حين تولى كل من القبودانين مصطفى مطوش وحسن الإسكندراني قيادة إحدى هذه السفن. وقد انضمت إلى تلك القوة البحرية بعض الوحدات العثمانية بقيادة القبودان حسين بك مؤلفة من عشرين وحدة من بينها سفينتان وخمس فرقاطات وتسعة قراويت وكذلك ثلاث فرقاطات وإبريق واحد من تونس. وسارت في أثر الحملة خمس وعشرين نقالة وخمس سفن نمساوية مستأجرة وثماني قطع من الحجم الصغير، فبلغ مجموع هذه القوات تسعا وثمانين قطعة أبحر على ظهرها 4600 مقاتل قاصدين شبه جزيرة المورة لإمداد جيش إبراهيم باشا هنالك.
وفي يوم 9 سبتمبر سنة 1827 رست العمارة المصرية بميناء نافرين وانضمت إلى أسطول تركي آخر مؤلف من اثنتين وثلاثين قطعة حضرت من الآستانة بقيادة أمير البحار طاهر باشا، وقد تولى إبراهيم باشا القيادة العامة للقوات البرية والبحرية، وأخذ يتأهب لتجهيز حملة بحرية إلى جزيرة هيدرا التي كانت أهم معقل للثورة اليونانية وتجريد حملة برية إلى شمال المورة.
وبينما هو يعد عدته لذلك إذا اثنتا عشرة سفينة إنجليزية تفاجئه في الثاني عشر من شهر سبتمبر سنة 1827 تعقبها سبع سفن فرنسية في الحادي والعشرين منه، ثم تشفعها ثماني سفن روسية في أوائل شهر أكتوبر، ويتفق ربابنتها الثلاثة على مطالبة إبراهيم باشا بوقف حركات القتال برا وبحرا طبقا لنصوص معاهدة لندرة. ولم ير إبراهيم باشا مفرا من التعهد ببقاء أسطوله في ميناء نافرين حتى ورود تعليمات محمد علي باشا في هذا الصدد.
ولئن قطع إبراهيم باشا على نفسه هذا العهد إلا أنه لما رأى الأميرال كوشرين والجنرال شورش البريطانيين قد جمعا قواتهما للزحف بهما على باتراس، اعتبر إبراهيم أن نصوص الهدنة قد نقضت من جانب الحلفاء وأنه أصبح في حل من عهده، فأبحر في يوم أول أكتوبر سنة 1827 على رأس أربع عشرة سفينة واتجه إلى باتراس. غير أن الأميرال الإنجليزي كودرنجتون سار في أعقابه وأرغمه على العودة إلى مرساه بنافرين.
ولم تمض إلا أيام معدودات حتى تلقى إبراهيم من والده رسالة ينبئه فيها بأنه عرض الأمر على الباب العالي وأنه سيوافيه بتعليماته النهائية في هذا الشأن على ضوء ما سيتضمنه رد الدولة العلية. على أنه يوصيه بالتزام خطة السلم وتجنب الاصطدام مع الدول أو التحرش بقواتها.
وفي منتصف شهر أكتوبر سنة 1827 غادر إبراهيم باشا نافرين وزحف على رأس جزء من جيشه داخل بلاد المورة لإنجاد الحاميات المصرية التي كانت قد استهدفت لهجوم الثوار اليونانيين. وما إن قام إبراهيم حتى هبط نافرين رسول للحلفاء حاملا إنذارا يتضمن إبلاغ القائد المصري بأنه وقد نقض أحكام الهدنة يعتبر مسئولا عن هذا العمل وعن عواقبه الخطيرة. ولما لم يجد الرسول إبراهيم باشا في نافرين عاد بالرسالة إلى الأميرال كودرنجتون قائد الأسطول البريطاني الذي بادر إلى دعوة زميليه الأميرال دي ريني قائد الأسطول الفرنسي والأميرال هايدن قائد الأسطول الروسي فتداول ثلاثتهم في الأمر، واستقر رأيهم على الدخول بأساطيلهم ميناء نافرين لإجبار إبراهيم باشا على تنفيذ مطالبهم. وما إن انتصفت الساعة الثانية بعد ظهر العشرين من شهر أكتوبر سنة 1827 حتى أصدر الأميرال كودرنجتون بصفته القائد العام للأساطيل المتحالفة أوامره بالتأهب للقتال، وعند تمام الساعة الثانية اقتحمت سفن الدول بوغاز نافرين.
واصلت سفن الحلفاء سيرها واتخذت مكانها في الميناء، فاصطفت على شكل نصف دائرة في مواجهة السفن المصرية والتركية، واقتربت منها حتى صار بعضها على مرمى مسدس منها، ووقفت إحدى البوارج الإنجليزية على رأس الصف لتعطل عمل الحراقات المصرية الراسية عند مدخل الثغر.
وعلى إثر رصاصة طائشة انطلقت من إحدى السفن بدأ القتال في منتصف الساعة الثالثة بعد الظهر، فأطلقت السفن قنابل مدافعها، وتجاوب الفريقان الضرب، واستعرت نار الحرب، واجتمعت بين جوانب هذه البقعة النائية أسباب الهلاك والدمار وغشيت الميدان طبقات من الدخان المتكاثف تتخللها لهب النيران المشتعلة. واستمر القتال على هذا المنوال حتى الساعة الخامسة مساء وانتهت الملحمة بالقضاء على العمارتين المصرية والتركية إذ هلك معظمها نسفا أو غرقا أو حرقا في حين جنحت البقية الباقية على السواحل وبلغ عدد القتلى من مصريين وأتراك ثلاثة آلاف في حين اقتصرت خسائر الحلفاء على 140 قتيلا و300 جريح.
وبعد وقوع كارثة نافرين عهد محمد علي باشا إلى مصطفى مطوش بإعادة تنظيم المدرسة البحرية غداة حادثة حسن بك القبرسلي. وتفصيل هذا الحادث أن القبودان حسن القبرسلي الذي كان مديرا للمدرسة البحرية - وكان مقرها إحدى البواخر الراسية في ميناء الإسكندرية - كان بطبعه رجعيا يتمرد على كل شيء عصري حديث، وينعي على كل العلوم الحديثة ويقول إنها مخترعات شيطانية. واتفق أن وقعت مشادة عنيفة في هذا الصدد بينه وبين عثمان نور الدين، فاغتاظ القبرسلي من توبيخ وجهه إليه نور الدين وعزم على الانتقام منه، فانتهز فرصة عطلة يوم الجمعة - الموافق 26 أكتوبر سنة 1827 - ونزل إلى قاع السفينة المدرسية وأطلق رصاص مسدسه على البراميل المملوءة بالبارود فانفجرت الفرقاطة ونسف هو معها.
وبعد أربع سنوات عين مصطفى مطوش بك على رأس العمارة المصرية التي أرسلها محمد علي باشا في شهر نوفمبر سنة 1831 لحصار عكا ودك حصونها من جهة البحر برفقة عثمان نور الدين باشا والمسيو هوسار
Houssart .
وفي أواخر شهر يونيو سنة 1832 أنعم محمد علي باشا على مصطفى مطوش برتبة المير لواء، وأصدر بهذه المناسبة إلى كتخدا بك كتابا بتاريخ 26 يونيو سنة 1832 يوصيه بصنع «نيشان مرصع على هيئة رسم وابور بحري وكسوة تشريفة.»
وفي شهر مارس سنة 1834 عين مصطفى مطوش «سر عسكر الدونانمة المصرية» في المنصب الذي شغر باستقالة عثمان نور الدين، وحدد مرتبه ب 150000 قرش سنويا أي 125 جنيها شهريا،
1
وأنعم عليه في الوقت نفسه بالباشوية، فكان بذلك رابع أمراء البحار في عصر محمد علي باشا، كما جعل المسيو بيسون بك
Besson
الفرنسي وكيلا له، واختير مصطفى بك الكريدلي في وظيفة «رياله» أي كونتر أميرال ورقي المسيو هوسار إلى درجة قائمقام والمسيو توزيه
Touzé
رئيس أركان حرب الأسطول.
وفي غضون تلك السنة زار الماريشال مارمون
Marmont
فرقاطة مصطفى مطوش باشا قائد الدونانمة المصرية، وقال عن وصف هذه الزيارة: «استقبلني مطوش باشا بالتعظيم المعتاد وعلى قصف المدافع فوق ظهر فرقاطته «عكا» التي كان يركبها، وكان يصحبني الأميرال بيسون، وقد تفقدت السفينة وأمعنت النظر فيها بعناية خاصة فلم أر إلا ما يستوجب الإعجاب بنظامها وترتيبها. وهذه السفينة كغيرها من السفن الكبرى من المنشآت البديعة التي أخرجتها ترسانة الإسكندرية، وقد اشتركت في الحرب مرتين على ظهر البحر.»
2
وفي أواخر فبراير سنة 1835 أقلع مطوش باشا من الإسكندرية على رأس سبع سفن، وثلاث فرقاطات وقرويت واحد وثلاثة أباريق عليها 8000 بحار إلى جزيرة كريت، حيث ألقت المراكب مرساها في ميناء السودا. وفي أوائل أبريل لحقت بوحدات الأسطول هناك فرقاطتان كان قد أبحر على إحداهما - وهي المسماة «البحيرة» - الأمير محمد سعيد بك (نجل محمد علي باشا) الذي كان يستكمل وقتئذ علومه البحرية. وقد أخذت قطع الأسطول تقوم برحلات على شواطئ آسيا الصغرى وعلى سواحل سوريا حتى عادت إلى قاعدتها بالإسكندرية في الثاني عشر من شهر سبتمبر سنة 1835.
وفي اليوم التالي حضر محمد علي باشا إلى مرسى الأسطول وصعد إلى السفينة التي كان مطوش باشا قد عقد على ساريتها لواءه، وقضى أربعة أيام في عرض مختلف الوحدات البحرية منصتا بنوع خاص لتقارير المدرس الفرنسي كونج
Kœnig
عن تدريب ابنه الأمير سعيد بك ومدى تقدمه. وعلى إثر هذه الزيارة الكريمة أبدى الوالي ارتياحه السامي فأجزل بالعطاء على البحارة وخص الضباط بالترقيات.
ومما يدل على ما كان يكنه الوالي من التقدير والثقة بقائده البحري الأول وناظر بحريته تلك الرسالة التي أرسلها إليه في غضون سنة 1835، والتي جاء فيها أنه: «قد علم من أخبار قنصل الإنجليز حضور دونانمة الإنجليز إلى مورة لإلباس قرل
3
الأروام التاج، ومن هناك إلى الإسكندرية. وحيث من الضروري مروره بنفسه بالسفن المذكورة ومقابلة أميرالها، فيشير بوجوده هو أيضا مع سائر الضباط البحرية المصرية للنزول بالدونانمة المذكورة ورؤية انتظامها كي بعد الوقوف على كلياتها وجزئيات ما بها من الآلات والأدوات وغيرها من الانتظام ونحوه يجري ما يكون ناقصا عنها بمراكب مصر، ومن ذلك فائدة عظيمة، ويؤكد عليه بعدم ضياع هذه الفرصة النادرة التي لا توجد في كل حين، وبالإجراء على وجه ما تقدم.»
وفي شهر أبريل سنة 1836 وضع مصطفى مطوش باشا تصميما هندسيا لديوان الترسانة الجديد، وعرض الرسومات على محمد علي باشا فوافق عليها وأصدر أوامره للبدء في التنفيذ. كما أنه وافق في شهر نوفمبر سنة 1836 على اقتراح مطوش باشا بتنسيق نياشين البحرية المصنوعة من الذهب والفضة حتى تفي بالغرض المطلوب منها، وتشمل الألف والسبعة والأربعين ضابطا ومساعدا الذين كان يضمهم الأسطول المصري وقتئذ.
ولعل أبلغ مثل نضربه لما كان يمتاز به محمد علي باشا وعهده من التوفر على العدل ونبذ كل محسوبية إنما هذه الرسالة التي أرسلها إلى مصطفى مطوش باشا في 26 فبراير سنة 1837، وفيها ذكر له «أنه اطلع على شقته المؤرخة 15 الجاري المرغوب بها استخراج رأيه عمن يجري تنصيبه بدل الخواجة فرباس حيكمباشا مستشفى البحرية المستعفي من كل من الشيخ نصر والشيخ إبراهيم وصبون ساكي الحكماء، وبناء عليه ولكونه علم من سياق إشعاره مساواة درجاتهم في الامتحان والأخلاق، فلأجل عدم مغدورية أحد منهم يلزم عمل قرعة بينهم وتنصيب من تصادفه.»
وفي خلال سنة 1837 أصدر محمد علي باشا إلى ناظر المدارس أوامره - بناء على طلب مطوش باشا - بطبع ألفي نسخة من كتاب «الفنون البحرية» حتى يعم نفعه كل من اهتم بشئون البحر.
وفي 28 يونيو سنة 1837 ركب محمد علي باشا البحر إذ أبحر على السفينة «بيلان» متجها نحو جزيرة كريت، في حين أقلعت السفينة «حمص» بنجله إبراهيم باشا في اليوم الثالث من شهر يوليو قاصدة ميناء بيروت. وبعد رحلة استغرقت ستة عشر يوما وصل الوالي إلى كانديا ونزل إليها في يوم 18 أغسطس. وفي اليوم السابق على مغادرته - أي في يوم 27 أغسطس سنة 1837 - قدمت إلى كريت سفينتان وأربع فرقاطات وقرويتان وإبريقان بقيادة مطوش باشا، وأقلع مجموعها في اليوم التالي نحو السودا. وقد تنقل محمد علي باشا في ربوع جزيرة كريت إلى أن عاد بمفرده إلى الإسكندرية في اليوم الثالث من سبتمبر، ولم تصل الوحدات الأخرى إلا في الرابع والعشرين من نوفمبر سنة 1837.
وفي غضون سنة 1838 عقد أمير البحار مطوش باشا لواءه على السفينة «عكا» ثم على السفينة «بيلان» ابتداء من يوم 24 أغسطس.
وفي منتصف شهر سبتمبر قدم محمد علي باشا إلى الجهة الراسية فيها قطع الأسطول وعرض مختلف وحداتها قبل سفره إلى الوجه القبلي وزيارته للسودان ولسنار.
ولعل آخر رحلة قام بها محمد علي باشا مع مطوش باشا تلك الرحلة القصيرة التي لم تتجاوز الثلاثة أيام - من 17 إلى 20 سبتمبر سنة 1842 - ولم تنقض عليها إلا بضعة شهور حتى لاقى مصطفى مطوش باشا وجه ربه في غضون سنة 1843 بعد حياة حافلة بجلائل الأعمال في خدمة البحرية المصرية التي أدار دفتها تسع سنوات كاملات. ودفن في الإسكندرية في ضريح بالقرب من مسجد أبي العباس المرسي.
وقد وصفه الأميرال دوران فييل في تلك الكلمة الوجيزة البليغة:
Motouch ne fut pas indigne de sa fortune et son nom mérite d’être conservé.
4
وتعريبها:
كان مطوش حقيقا بما بلغه من عالي المناصب وذكراه جديرة بأن تسجل في القلوب على مر الزمان.
5
الأمير محمد سعيد باشا
هو ابن محمد علي باشا الكبير من زوجته «عين الحياة قادن»،
1
ورابع ولاة مصر من الأسرة العلوية، وخامس أمراء البحار في الأسطول المصري في ذلك العهد الزاهر. ولد بالقاهرة يوم الأحد 17 مارس سنة 1822 (23 جمادى الثاني سنة 1237)، ونشأ في حجر أبيه الذي كان يعزه ويعنى بتربيته وتثقيفه، فأدخله في البحرية المصرية. وعلى إثر وفاة بيسون بك
Besson
استقدم محمد علي باشا من فرنسا المسيو هوسار بك
Houssart
لتعليم ابنه الأمير محمد سعيد الفنون البحرية، حتى إذا ما أحرز منها نصيبا وافرا انتظم في خدمة الأسطول وعينه والده قبودانا برتبة صاغ قول أغاسي على القرويت المسمى «دمنهور». وفي أواخر سنة 1833 أبحر مع حسن باشا الإسكندراني وبعض وحدات الأسطول لتفقد شواطئ سوريا.
وفي يوم 4 نوفمبر سنة 1834 (2 رجب سنة 1250) عين محمد علي باشا ابنه الأمير محمد سعيد بك معاونا لمصطفى مطوش باشا سر عسكر الدونانمة وناظر البحرية المصرية وقتئذ، وأصدر إليه أمرا أشار له فيه «بأنه حال وجوده بالدونانمة يلزم الامتثال لأوامر مطوش باشا وعدم جلوسه إلا بأمره، وإجراء التعظيمات اللازمة إلى سر عسكر المشار إليه وقت المرور عليه رعاية لمنصبه كما هو مأموله فيه، وأن من البديهي حصول تعظيم سعادته من الباشا المشار إليه حال وجودهما خارج الدونانمة حتى بذلك ينال شرف الملك وتحصيل المعارف والآداب.»
الأمير محمد سعيد وهو طالب في البحرية المصرية.
وقد حددت أوامر أخرى مرتب الأمير سعيد بك الشهري بمائة قرش «أسوة بسائر المساعدين بالدونانمة بناء على استئذان مطوش باشا ناظر البحرية، وصرف ذلك المرتب على حساب السفينة الموجود بها.»
غير أنه يبدو أن الوالي لاحظ في التسعة شهور الأول التي قضاها ابنه في البحرية نتائج غير مرضية دعته في الثاني والعشرين من شهر يوليو سنة 1835 (26 ربيع الأول سنة 1252) إلى إصدار أمر له هذا نصه:
صار مسموعي عدم التفاتك للدروس وميلك للراحة والرقاد ومعاشرة القبودانات القدم الذين لا يدرون شيئا من الآداب وترك مجالسة من تكتسب منه مسلك الإنسانية، على أننا سبق نبهنا عليك بدوام الانتباه للدروس والسير بالمشي والحركة لعدم حصول السمن، واللازم عليك الائتلاف بمن لهم معرفة بالأصول الجديدة العارفين بالحالة والوقت، والاهتمام في تعلم تلك الأصول منهم حتى لا يقال أن محمد علي سيئ الخلق، وأن هذا السير ليس سير الآدمية، فلا تغير نشأتك الأصلية. كما سبق النصح لك وتعظيم كبرائك والتزام التواضع مصداقا للحكم والأحاديث، وتسعى فيما يكون به علو شأنك. وبمنه تعالى سأحضر للإسكندرية لامتحانك أمام أحد المدرسين، فإذا ظهر عدم الالتفات للدروس وعدم إزالة ثقل جسمك، فرحمة بحالك أجري تأديبك. بناء عليه يلزم أن تترك تلك الأدوار والسير على مقتضى هذا على الدوام على الحركة وإتعاب جسمك وعدم الاجتماع على عادمي الأدب والاقتداء بسير فارس أفندي المدرس والتطبع بأخلاقه لاتصافه بحسنها، وعدم تناول الطعام معه لاستنكافه بدعة استعمال الشوكة والسكين لأنه صوفي. فيلزم الإصغاء لهذه النصائح وترك ما أنت عليه، والميل والرغبة إلى التواضع لتكون مقبولا عند والدك وعند الناس فضلا عن علو شأنك.
2
وفي 24 أبريل سنة 1837 (17 المحرم سنة 1253) أصدر محمد علي باشا أمرا إلى الأمير سعيد قال له فيه: «إن من محبتي الأبوية ومودتي نحوك قد عينت لك أساتذة للتدريس لك، ولمعرفتي دوام تشويقك لتحصيل المعارف، ولمجرد سماعي بزيادة تفوق ومهارة المدعو قيوده الرسام في الرسم وعلمي الحساب والهندسة، قد حررت إلى مختار بك (هو مصطفى مختار بك مدير المدارس) لإرساله لطرفك، فعند وصوله يلزم المبادرة بالسعي في تحصيل الدروس كما ينبغي لتكون من ذوي المعارف، إذ بالسعي والاجتهاد تنال السعادة والعز، ومطلوبي بذل مجهودك في تحصيل رضاء والدك.»
3
وفي سنة 1840 جعل محمد علي باشا في معية ابنه المسيو كونج
Kœnig
واليوزباشاة عرفان قبودان (عرفان باشا) وذو الفقار قبودان (وهو ذو الفقار باشا الذي صار فيما بعد ناظرا للخارجية) وسرهنك قبودان (والد إسماعيل سرهنك باشا) بوظيفة مفردات.
ولما توفي مصطفى مطوش باشا القائد العام للقوات البحرية في سنة 1843 نصب محمد علي باشا مكانه ولده الأمير محمد سعيد باشا، فكان أمير البحار الخامس في عصر أبيه الكبير بعد إسماعيل جبل طارق، ومحرم بك، وعثمان نور الدين باشا، ومصطفى مطوش باشا، وأصبح سر عسكرا عاما للدونانمة المصرية وسواريا للغليون المسمى «بني سويف»، وصار هو سار بك أميرالا ثانيا ومعه اليوزباشا منوبلي مترجما له.
4
وكانت لسعيد باشا زوجتان، هما: «إنجي هانم»: وهي صاحبة وقف مشهور «بأبعادية دمنهور»، مساحته 4,870 فدانا، شرطت صرف ريعه على عتقائها وخدمتها وأغواتها وعتقاء زوجها. وقد توفيت في الإسكندرية في 5 سبتمبر سنة 1890 عن غير عقب، ودفنت بمقابر الأسرة المالكة بالنبي دانيال. «وملك بر هانم»: ولها وقف بمديرية البحيرة مساحتها 2,390 فدانا، وقد توفيت في شهر أكتوبر سنة 1890 ودفنت بالنبي دانيال. وقد رزق منها سعيد باشا ولدين هما: «الأمير محمود» الذي توفي في سنة 1846، و«الأمير محمد طوسون» الذي ولد في سنة 1853 وتوفي في 10 يوليو سنة 1876، وهو والد الأمير «محمد جميل طوسون» و«الأميرة عصمت» من زوجته الأولى الأميرة فاطمة إسماعيل، و«الأمير محمد سعيد طوسون» من زوجته الثانية هيجار قادن، و«الأمير عمر طوسون» من زوجته الثالثة بهشات هور هانم، و«الأميرة أمينة إنجي طوسون» من زوجته الرابعة تيفر هانم.
ولما اغتيل عباس الأول في قصره ببنها في ليلة 14 يوليو سنة 1854 أرادت جماعة من أنصاره وعلى رأسهم إبراهيم باشا الألفي أن يولوا من بعده نجله إبراهيم إلهامي باشا الذي كان وقتئذ بأوروبا، فاتفقوا على استدعائه وعلى إقصاء محمد سعيد باشا الذي كان مقيما بقصره بالقباري بالإسكندرية، فكتبوا سرا إلى إسماعيل سليم باشا محافظ الإسكندرية وأبلغوه بما اتفقوا عليه، وطلبوا إليه القيام بتصريف الشئون العامة في الثغر حتى يحضر إلهامي باشا من الخارج. غير أن سليم باشا لم يشاطرهم هذا الرأي وكان يرى أن سعيد باشا أحق بالولاية طبقا لنظام توارث العرش، فقصد من فوره إليه وأنهى إليه فحوى الرسالة التي وردت إليه، فشكره سعيد باشا على إخلاصه واستصحبه إلى قصر رأس التين حيث أعلن على الملأ اعتلاءه على العرش، وأجريت حفلة الجلوس وأطلقت المدافع. ثم سافر سعيد باشا إلى القاهرة يحيط به أمراء الأسرة العلوية، فلما وصل إليها ذهب إلى القلعة وتولى زمام الحكم في يوم 14 يوليو سنة 1854 (19 شوال سنة 1270).
وما إن استوى سعيد باشا على عرش مصر حتى نهضت البلاد وأدرك الإصلاح مختلف شئون الدولة.
فالنسبة إلى الملكية العقارية أول ما اتجه إليه فكر الوالي إصدار أمر في سنة 1854 فرض فيه على أصحاب الأبعاديات والشفالك وكافة الأراضي التي لم تكن تدفع مالا أن يؤدوا عشر حاصلاتها عينا، ثم أمر بوجوب تحصيل «العشور» أيضا من جميع الأطيان والأواسي، فعرفت هذه الأراضي «بالعشورية». على أن أعظم مأثرة لسعيد باشا إنما وضعه لائحة الأطيان المشهورة باسم «اللائحة السعيدية» التي صدرت بموجب أمر عال تاريخه 5 أغسطس سنة 1858، خول الفلاحين حق الملكية العقارية للأراضي الزراعية بعد أن كان الفلاح محروما من هذا الحق في العهود السابقة، وألغى نظام احتكار الحاصلات الزراعية، وخفف عن كاهل الأهالي عبء الضرائب، وألغى ضريبة الدخولية، وتجاوز عن 800000 جنيه مما تأخر عليهم، ورغب إليهم سداد الضريبة نقدا لا عينا، وقام بإعادة مساحة بعض أطيان القطر المصري.
الأمير محمد سعيد وهو أمير البحار في الأسطول المصري.
وبالنسبة إلى أعمال العمران عهد سعيد باشا إلى 115,000 عامل مهمة تطهير ترعة المحمودية التي لم تطهر منذ إنشائها في عهد محمد علي باشا، كما أتم الخط الحديدي من كفر الزيات إلى القاهرة، وأنشأ خطوطا تلغرافية فيما بين العاصمة والإسكندرية والسويس، وبدأ توسيع ميناء السويس، وأنشأ حوضا جافا لإصلاح السفن.
وبمقتضى عقد مؤرخ في 30 نوفمبر سنة 1854 منح سعيد باشا المسيو فرديناند دي ليسبس امتياز شركة عامة لحفر قناة السويس واستثمارها لمدة 99 سنة ابتداء من تاريخ فتح القناة للملاحة. وقد نص على شروط الامتياز في عقد لاحق تاريخه 5 يناير سنة 1856، فتألفت الشركة في سنة 1858 وبدئ في حفر القناة في الخامس والعشرين من أبريل سنة 1859.
وبالنسبة إلى الشئون المالية عقد سعيد باشا في سنة 1862 أول قرض من البيوت الأجنبية، ومقداره الأسمى 3,242,800 جنيه إنجليزي من بنك «فروهلنج وجوشن» بلندن بفائدة 7٪، في حين أن قيمته الحقيقية 2,400,000 جنيه أي بخسارة 800,000 جنيه من رأس المال، وتعهدت مصر بوفاء هذا الدين على ثلاثين سنة، وقد حددت قيمة القسط السنوي من رأس مال وفوائد ب 264,000 جنيه، أي أن جموع الأقساط بلغ 7,920,000 جنيه في حين أن أصل الدين 2,400,000، وفيما عدا هذا القرض الثابت استدان سعيد باشا ديونا سائرة (سندات على الخزانة) بلغ مجموعها عند وفاته 7,868,000 جنيه.
وبالنسبة إلى العلوم عهد سعيد باشا إلى ماريت باشا جمع الآثار المصرية في مخازن أعدت لها في بولاق، وكلف محمود باشا الفلكي السفر إلى دنقلة لرصد كشوف الشمس بها، فقام بهذه المهمة وحقق اثنين وأربعين موقعا من المواقع الفلكية بين أسوان ودنقلة، ووضع بعد عودته خريطة مفصلة للقطر المصري.
أما التعليم فقد أصابه شيء من الاضطراب وعدم الاستقرار، إذ:
ألغى «ديوان المدارس».
وفي سنة 1854 ألغيت «مدرسة المهندسخانة» ببولاق، وأعيد فتحها في سنة 1858، وتحولت إلى «مدرسة حربية» نقلت إلى القلعة السعيدية بالقناطر الخيرية.
وأقفلت «مدرسة الطب» بقصر العيني، ثم أعيد فتحها في سنة 1856 وأنشئت بها «مدرسة للقابلات».
وفي سنة 1855 ألغيت «مدرسة المفروزة».
غير أنه أنشئت «مدرسة أركان حرب» بالقلعة ومنحت بعض المدارس الأجنبية - فرنسية وأمريكية وإيطالية - إعانات لمساعدتها على فتح معاهدها ونشر ثقافتها، في حين فترت حركة البعثات العلمية، فلم يرسل إلى أوروبا سوى أربعة عشر طالبا.
وبالنسبة إلى الشئون الحربية قرر الوالي قصر مدة الخدمة العسكرية على سنة واحدة، وجعلها في الوقت نفسه إجبارية للجميع، حتى بلغ عدد رجال الجيش في سنة 1860 أربعا وستين ألف جندي، كما عني بترقية حال الجنود والترفيه عليهم من جهة الغذاء والمسكن والملبس وحسن المعاملة، وأنشأ «القلعة السعيدية» بالقناطر الخيرية لصد هجمات الأعداء عن القاهرة.
أما البحرية، فقد أهمل سعيد باشا شأن أسطولها الحربي إذ أصدر إليه الباب العالي أمرا - بناء على طلب إنجلترا وإلحاح سفيرها في الآستانة على السلطان - بالكف عن إصلاح سفن الأسطول وإنشاء سفن جديدة إلا بأمره. ولما رأى سعيد باشا أن معظم السفن الراسية أمام دار الصناعة بالإسكندرية لا تصلح للقتال إلا بعد تصليح وترميم، وأنها إذا أهملت أصابها التلف؛ أمر بتكسيرها وباع أخشابها وسرح معظم ضباطها. على أن اهتمام الوالي انصرف إلى الملاحة التجارية الداخلية والخارجية، فأنشأ شركتين للملاحة، إحداهما نيلية أسست في سنة 1854 وسميت «الشركة المصرية للملاحة التجارية» غرضها نقل الحاصلات والمسافرين بطريق النيل على مراكبها، والأخرى بحرية أسست في سنة 1857 وسميت «القومبانية المجيدية» لتسيير البواخر في البحرين الأبيض والأحمر .
وقد اشتركت مصر في عهد سعيد باشا في حربين: حرب القرم (من سنة 1854 إلى سنة 1856)، وحرب المكسيك (من سنة 1862 إلى سنة 1867).
فقد واصل سعيد باشا حرب القرم التي بدأت في عهد سلفه عباس الأول، وأرسل النجدات إلى الجيش المصري المرابط فيها حتى بلغ عدده 30,000 مقاتل. وقد عانى المصريون هنالك في خلال شتاء عامي 1854 و1855 الشدائد والأهوال من شدة البرد القارس، ولقي الكثيرون منهم حتفهم في ميادين القتال أو من فتك الأوبئة والأمراض التي تفشت بينهم. وقد دافعوا دفاعا مجيدا عن إيباتوريا
Eupatoria ، وهو ثغر من ثغور شبه جزيرة القرم احتله الحلفاء لمهاجمة مواقع الروس الحصينة، وقد استشهد فيه سليم باشا فتحي القائد العام للجيش المصري، كما استشهد حسن باشا الإسكندراني القائد العام للأسطول المصري ومحمد شنن بك من قواد البحرية المصرية في يوم 31 أكتوبر سنة 1854، إذ هبت رياح عاصفة على سفينتيهما في عرض البحر الأسود وتكاثر عليهما الضباب عند مدخل بوغاز البوسفور، مما أدى إلى اصطدام الغليون «مفتاح جهاد» الذي كان يقل حسن الإسكندراني باشا بالفرقاطة المصرية «البحيرة» التي كان يقودها محمد شنن بك، فغرق في أقل من ساعة ألف وتسعمائة وعشرون مقاتلا كانوا على ظهريهما، ولم ينج سوى مائة وثلاثين جنديا. وقد انتهت حرب القرم بفوز تركيا وحلفائها - فرنسا وإنجلترا ومملكة بيمونت ومصر - على الروس، وأبرم الصلح في مؤتمر باريس في 30 مارس سنة 1856 وقد سلمت فيه روسيا بمطالب الفائزين.
5
أما حرب المكسيك فلها قصة، ذلك أن أهل المكسيك كانوا قد أساءوا معاملة الأجانب الفرنسيين والإسبانيين والإنجليز، وكانوا ينتهزون فرصة قيام أقل شغب في البلاد لنهب أموالهم وسلب بضائعهم. فلما كثرت الشكوى اتفقت فرنسا وإنجلترا وإسبانيا على أن تشترك معا في محاربة المكسيك، وأمضى سفراؤهم في لندرة اتفاقا في أكتوبر سنة 1861 على القيام بعمل مشترك. وفي ديسمبر سنة 1861 احتلت إسبانيا مدينة فيراكروز، وتولت إنجلترا مراقبة شواطئ المكسيك بأسطول قوي، في حين أرسل نابليون الثالث إمبراطور فرنسا الأميرال جورين على رأس ثلاثمائة مقاتل لمحاربة أهل تلك البلاد. إلا أن رئيس جمهورية المكسيك جواريز
Juarez
تمكن بدهائه السياسي من الاتفاق مع الإسبانيين والإنجليز حتى تخلوا عن حليفتهم فرنسا . فاضطرت فرنسا وقد انفردت بالحرب ضد المكسيكيين إلى إرسال نجدات جديدة إلى تلك البلاد. غير أن الأمراض فشت بين الفرنسيين وفتكت بهم فتكا ذريعا ولا سيما أن الفرنسيين لم يتحملوا حر بلاد المكسيك وتقلب الطقس فمات منهم عدد كبير. فكر نابليون الثالث في أن يستعين بالجنود المصريين الذين اعتادوا حر مصر والسودان، فطلب من سعيد باشا - وكان صديقا حميما له - أن يمده بالجند، فلبى سعيد باشا الطلب وأرسل إليه الكتيبة السودانية - وكانت مؤلفة من 1200 جندي - فأبحرت من الإسكندرية في 23 فبراير سنة 1863 وأبلت هنالك بلاء حسنا، حتى قال عنها قائد الجيش الفرنسي: «إن هؤلاء ليسوا جنودا، بل هم أسود.» وعاد ما تبقى منهم - وعددهم 300 مقاتل - إلى مصر في شهر مايو سنة 1867 بعد أن انتصر الثوار المكسيكيون وأعدموا الإمبراطور مكسمليان رميا بالرصاص، وهو الذي فرضه عليهم نابليون الثالث، فاضطر الفرنسيون إلى الجلاء عن البلاد، وهكذا اشتركت مصر في قتال لم يكن للمصريين ولا للسودانيين فيه ناقة ولا جمل!
6
أما نظام الحكم المصري في عهد سعيد باشا فقد ظل حكما مطلقا يتولاه الوالي، إذ كان يجمع في يده السلطات الثلاث: التنفيذية والقضائية والتشريعية.
أما بالنسبة إلى السلطة التنفيذية: فقد بقي «المجلس الخصوصي» قائما بنظر المسائل العامة للحكومة وسن اللوائح والقوانين وترتيب النظم العمومية وتنصيب رؤساء المصالح. وفي سنة 1857 أعاد سعيد باشا تنظيم الدواوين، فجعل منها أربع وزارات هي:
وزارة الداخلية: وقد عهد بها إلى الأمير أحمد رفعت.
ووزارة المالية: وقد أسندت إلى الأمير مصطفى فاضل.
ووزارة الحربية: وقد تولاها الأمير محمد عبد الحليم.
ووزارة الخارجية: وقد تقلدها أسطفان بك.
أما السلطة القضائية: فقد وزع اختصاصها على «مجلس الأحكام» الذي كان بمثابة هيئة استئنافية عليا، و«المحاكم الشرعية»، و«مجالس الأقاليم» التي أنشئت للفصل في المسائل المدنية والتجارية، و«مجالس التجار»، ثم «قومسيون مصر» الذي أنشئ للفصل في قضايا الأجانب وكانت تستأنف أحكامه أمام «مجلس الأحكام». على أن أهم إصلاح قضائي تم في عهد سعيد باشا أنه نال من السلطان حق اختيار القضاة بعد أن كان العمل جاريا على أن «قاضي القضاة» الذي يوليه الباب العالي هو الذي يختار القضاة وهو الذي يعينهم.
وأما بالنسبة إلى السلطة التشريعية: فكان «المجلس الخصوصي» و«مجلس الأحكام» - وكانا بمثابة الهيئتين التشريعتين في البلاد - يشتركان في وضع اللوائح وسن القوانين. على أن سعيد باشا غضب في سنة 1855 على «مجلس الأحكام» فأمر بإلغائه، ثم أعاد تأليفه في سنة 1856 وأسند رياسته إلى إسماعيل باشا، ثم عاد وأمر بإلغائه في سنة 1860، كما ألغى أيضا «مجالس الأقاليم». غير أنه عاد في سنة 1861 وأعاد «مجلس الأحكام» وعين محمد شريف باشا رئيسا له، كما أعاد «مجالس الأقاليم».
وقد قام سعيد باشا إبان حكمه بأربعة أسفار: في السودان في أوائل سنة 1857، وفي سوريا في خلال سنة 1859، وفي الحجاز في أوائل سنة 1861، وفي أوروبا في غضون سنة 1862.
في أوائل سنة 1857 زار سعيد باشا السودان، ووصل إلى الخرطوم في 16 يناير سنة 1857، وتفقد شئون هذا القطر ووقف على أحواله واستمع إلى شكايات سكانه، فأعفى الأهالي مما تأخر عليهم من الأموال، وخفض الضرائب المفروضة عليهم ووضع قاعدة ثابتة لتقدير قيمتها، وقرر عزل الموظفين الترك الذين كانوا موضع شكوى الأهالي لسوء معاملتهم لهم. وأنشأ محطات في صحراء «كروسكو» لتسهيل نقل البريد والمسافرين بين مصر والسودان، وأنشأ نقطا عسكرية لمنع تجارة الرقيق ومطاردة النخاسين، وعضد الرحلات والكشوف الجغرافية في أنحاء السودان.
وفي سنة 1859 زار الوالي سوريا وأناب عنه في مصر مدة غيابه ابن أخيه إسماعيل باشا.
وفي أوائل سنة 1861 قصد سعيد باشا إلى الحجاز تحيط به حاشية عسكرية مكونة من ألفي رجل. وقد بدأ رحلته في 23 يناير سنة 1861 ووصل إلى المدينة المنورة في 12 فبراير وغادرها في يوم 17 منه، وسار إلى ينبع ومنها استقل الباخرة «نجد» إلى السويس، فبلغها في يوم 28 فبراير، ولعل الغرض من تلك الرحلة انتحال عذر لعدم إجابة السلطان إلى استدعائه إياه إلى الآستانة!
وفي غضون سنة 1862 سافر الوالي إلى أوروبا ليستشفي من مرض عضال أصابه ولم ينجع فيه دواء، غير أنه عاد إلى الإسكندرية في أواخر سنة 1862 والداء قد استعصى علاجه، فما زال يشتد به ويهد من قواه حتى أدركته المنية وتوفي وهو في الثغر في صبيحة الثامن عشر من يناير سنة 1863 (27 رجب سنة 1279ه).
فمات رابع ولاة مصر من الأسرة العلوية وله من العمر اثنان وأربعون عاما بعد أن تربع في دست الحكم ثماني سنوات وستة أشهر وخمسة أيام، ودفن بالإسكندرية بالصالة الكبرى بمسجد النبي دانيال.
7
حسن الإسكندراني باشا
في غضون سنة 1790 ولد للإمام حسن رئيس قبيلة الشرويشيين بجهة أبخاسيا من أعمال بلاد الشراكسة الشمالية ولد أسماه «زكريا»، كان ثالث أنجاله وآخرهم. شب الطفل وترعرع على ساحل البحر الأسود، ثم صح عزم أبيه على تأدية فريضة الحج، وعقدت نيته على إرسال نجله إلى مصر ليتلقى علومه بالأزهر فينشأ إماما مثله. فغادر الأب بلاده مع ابنه الأصغر حوالي سنة 1800، ولما يتجاوز زكريا بعد العاشرة من عمره، فركبا البحر ليلا وأقلع بهما أحد المراكب الشراعية إلى الآستانة في طريقهما إلى مصر حيث انتوى الإمام ترك ابنه - في أثناء غيابه بالحجاز - عند أحد أصدقائه ومواطنيه المماليك الذين كانت تربطه بهم صلات وثيقة ومودة قديمة.
وبالفعل ارتحل الإمام حسن قاصدا بيت الله الحرام، وسلم طفله في القاهرة إلى أحد السلحدارية الشراكسة من ذوي قرباه إلى حين عودته، غير أن المنية عاجلته وهو في طريقه من مكة إلى المدينة فأصبح زكريا يتيما في قطر غريب وعند غير أهله وعشيرته.
إلا أن السلحدار أنزله في بيته منزلة أبنائه، فعاش زكريا في رعايته وتعلم عليه صناعة الأسلحة. وقد حدث بعد ردح من الزمان أن وجه محمد علي باشا والي مصر عنايته إلى تجهيز حملة عسكرية لإخماد ثورة الوهابيين في جزيرة العرب، فوصى السلحدار في منتصف عام 1811 بصنع كمية من الأسلحة، ولما تم إعدادها حمله السلحدار بصحبة زكريا إلى قصر الأزبكية حيث قابلها محمد علي باشا. وما كاد نظر الوالي يقع على هذا الشاب اليافع وسمعه يصغي إلى قصته حتى أعجبته فيه جراءة أعماله وصدق طويته فشمله بعطفه واستخدمه في ديوانه، فنبذ زكريا اسمه القديم وآثر أن يخلع على نفسه اسم أبيه حسن.
كانت مصر في ذلك العهد قد هبت على بكرة أبيها تلبي نداء الوالي للانتظام في الجيش، فبادر حسن إلى الانخراط في صفوفه. غير أنه لما سافر في أوائل شهر سبتمبر سنة 1811 في معية محمد علي باشا إلى السويس وشاهد فيها نواة الأسطول المصري مبحرا من ثغره لنقل الرجال والعتاد إلى جزيرة العرب أدرك حسن - وهو من أبناء السواحل - أن أمواج البحر تناديه، فوطن نفسه على الدخول في البحرية!
ولكن آماله لم يبد له تحققها إلا بعد ست سنوات!
ففي خلال سنة 1817
1
أوفد محمد علي باشا في بعثة علمية إلى فرنسا حسنا (الذي لقب بالإسكندراني) ومحمد شنن ومحمود نامي بمعية المسيو دروفيتي
Drovetti
قنصل فرنسا بمصر وتحت إشرافه.
2
وما إن قضى الطلبة المصريون عامين كاملين في الدرس والتحصيل لإتقان اللغة الفرنسية حتى آثر ثلاثتهم التخصص في العلوم البحرية، فانخرطوا في الكلية البحرية الفرنسية بتولون.
3
وقد كان طلبة البحرية المصريون - وعلى الأخص حسن الإسكندراني - طوال مدة إقامتهم في تولون موضع عناية خاصة من المسيو دوبيريه
Duperré
4
مما كان له أحسن الوقع عند محمد علي باشا، فحفظ له الجميل ولم ينسه على مر الأيام. تذكر هذه اللفتة الكريمة في سنة 1841 - أي بعد أربع وعشرين سنة - فأقام مساء يوم 28 مارس سنة 1841 في قصره مأدبة عشاء بمناسبة سفر المسيو كوشليه
Cochelet
قنصل فرنسا دعا إليها معه خلفه المسيو دي روهان شابو
De Rohan Chabot
وقائد السفينتين الفرنسيتين الراسيتين وقتئذ في ميناء الإسكندرية «أشيرون
L’Acheron » و«أنبوسكاد
L’Embuscade ». وقد تبسط محمد علي باشا في الحديث مع مدعويه في أثناء تناول العشاء، وأثنى الثناء المستطاب على الأميرال دوبيريه الذي كان وقتئذ وزير بحرية فرنسا والذي شمل بعنايته طلب البحرية المصرية لأربع وعشرين سنة خلت.
ويقول في هذا الصدد الأميرال دوران فييل:
Duperré, le ministre de la marine française, dans les termes le plus faltteurs, rappelant toutes les attentions qu’il avait eues autrefois pour les élèves égyptiens embarqués sur l’Orion et en particulier, pour Hassan be, son ministre de la marine.
5
وتعريبه:
تحدث الوالي في أثناء تناول العشاء عن الأميرال دوبيريه وزير البحرية الفرنسية حديثا طويلا أجزل فيه الثناء عليه، ذاكرا ما أبداه من مظاهر الرعاية فيما مضى من الزمان نحو الطلبة المصريين المبحرين على السفينة «أوريون»، وعلى الأخص بالنسبة إلى حسن بك ناظر بحريته.
وعلى إثر تخرج الطلبة المصريين من الكلية البحرية الفرنسية قاموا بثلاث رحلات علمية على سفن فرنسية، فتدربوا على قيادتها وزاروا أقطارا وأمصارا نائية دون حسن الإسكندراني عنها «يوميات»، وصف فيها بلاد البرازيل ورأس هورن بأمريكا الجنوبية وبلاد النرويج والسويد في شمالي أوروبا، في حين تناولت ريشة محمود نامي بالرسم المناظر الرائعة التي استوقفت أنظارهم.
وقد استغرقت الرحلة الأولى ثلاثة أشهر، إذ أبحر الطلبة المصريون على ظهر الفرقاطة الفرنسية «تيميرير
Le Téméraire » واجتازوا بحر الشمال وزاروا بلاد النرويج والسويد.
أما الرحلة الثانية فبدأت من ثغر تولون وشملت غربي البحر الأبيض المتوسط وسواحل إسبانيا وميناء قادش وجبل طارق وجزر أصور
Açores .
وأما الرحلة الثالثة فقد استغرقت ثمانية عشر شهرا، إذ أقلعت الفرقاقطة «أوريون
L’Orion » من ميناء لاروشيل
La Rochelle
وسارت بجانب شواطئ إسبانيا والبرتغال حتى لشبونة، ثم مضت في محاذاة سواحل القارة الإفريقية حتى جزر الرأس الأخضر، ثم عرجت على أمريكا الجنوبية فألقت مرساها في باهية وريودي جينيرو وسان باولو وبورتو الليجرو من موانئ البرازيل، وزارت مونتيفيديو، وتابعت سيرها إلى رأس هورن، ثم عادت أدراجها إلى فرنسا.
وفي أوائل سنة 1825 عاد حسن الإسكندراني - برفقة زميليه - من فرنسا إلى مصر، وكان عمره وقتئذ خمسا وثلاثين سنة تقريبا، فعين برتبة ملازم بحري وأسندت إليه قيادة إحدى الأباريق التابعة للأسطول المصري الثالث الذي اشترك في خلال شهر أبريل سنة 1825 في معركة سبادا
Spada
البحرية. وقد تولى بعد ذلك قيادة السفن البحرية التي عهدت إليها حراسة النقالات التي كانت تحمل الجند والذخائر من القطر المصري إلى شبه جزيرة المورة لإمداد الجيش المصري بها. وقد اشتبك حسن الإسكندراني في أثناء تأدية هذه المهمة مع مراكب اليونانيين التي كان يقودها ميوليس
Miaulis ، فأغرق منها حراقتين وأسر غولت على مقربة من شواطئ جزيرة كريت واقتادها إلى ثغر الإسكندرية. وقد أهدى إليه محمد علي باشا بهذه المناسبة دارا في حي رأس التين بجهة أبو وردة بالقرب من زاوية سيدي تمراز (المعروف قديما بمسجد البحارة)، كما أهدى إليه ساعة من الذهب وشالا من الكشمير.
وفي أوائل عام 1826 رقي حسن الإسكندراني من ملازم إلى يوزباشا، وعهدت إليه قيادة إحدى القراويت السريعة من مصر إلى اليونان لإيصال المراسلات السرية العاجلة التي كان يبعث بها محمد علي باشا إلى ابنه إبراهيم باشا في المورة. وفي خلال صيف تلك السنة عاد حسن إلى الإسكندرية مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام محرم بك لترميم بعض السفن وإصلاحها قبل الإبحار بها ثانية في حملات أخرى مع الوحدات الجديدة التي كان قد وصى بها الوالي في المصانع الأوروبية، ووصلت حديثا من مرسيليا وجنوا وليفورن.
وقد عكف حسن الإسكندراني - مع زملائه عثمان نور الدين ومحمود نامي ومحمد شنن - على ترجمة المؤلفات الفرنسية عن أصول البحرية وفنونها.
وقد اشترك حسن الإسكندراني في الموقعة التي دارت رحاها في مياه «نافارين
Navarin » في العشرين من أكتوبر سنة 1827 بين الأسطولين المصري والعثماني من ناحية وأساطيل إنجلترا وفرنسا وروسيا المتحالفة من ناحية أخرى. وكان يتولى حسن قيادة الفرقاطة «الإحسانية» في حين كان محرم بك قائد الأسطول المصري قد عقد لواءه على الفرقاطة «جهادية». وقد اندلعت النار في سفينة حسن الإسكندراني في أثناء المعركة، وما لبثت أن التهبت صواريها وقلاعها وسائر أجزائها حتى انفجرت واهتزت الأرجاء لدويها. وقد أبى قائدها إلا أن يشهد بنفسه ترحيل رجاله عنها مستهدفا لأشد الأخطار حتى وقعت قنبلة بجانبه وأصابته شظاياها في وجهه، ثم تبعتها قنبلة أخرى فألقته في البحر مغمى عليه، ولولا يقظة خادمه النوبي الأمين «فرج» الذي غاص في اليم وراءه وأسعفه على الفور لما قدر لحسن الإسكندراني النجاة من هذا الحادث.
ولم تفل كارثة نافارين جهد محمد علي باشا ولم تثبط من عزيمته، فأخذ يبني السفن ويصقل همم الرجال حتى تبوأ الأسطول المصري - بعد هزيمة نافارين - المرتبة الثالثة بين أساطيل الدول.
ولما كانت مهمة إنشاء السفن من أعز أماني محمد علي باشا، فقد وقع اختياره على حسن الإسكندراني لتولي إدارة دار صناعة السفن (ترسانة ) في الإسكندرية. وقد كان حسن عند حسن ظن الوالي به، فتولى الإشراف المباشر على تجهيز الأسطول الجديد الذي أنزل إلى البحر سريعا وتكاثرت وحداته فيه حتى حسبت له الدول ألف حساب.
غير أنه ما لبث أن عاد الإسكندراني إلى ركوب البحر، فاشترك في 8 ديسمبر سنة 1831 على ظهر الفرقاطة «شير جهاد» مع الأسطول المصري بقيادة قائده العام عثمان نور الدين باشا في دك حصن عكاء من البحر، وأسهم في خلال سنة 1832 مع العمارة المصرية في حملاتها في جزر الأرخبيل اليوناني، إلى أن استدعاه محمد علي باشا في أوائل شهر أكتوبر وعهد إليه قيادة الفرقاطة رقم 4 ولعلها المسماة «أبو قير».
وقد اقترن شهر سبتمبر سنة 1833 بانقلاب جوهري في حياة حسن الإسكندراني؛ إذ استقر رأي محمد علي باشا على تزويجه من إحدى فتيات قصره عرفت باسم «التفات بنت الغز». وقد كان أبوها عبد الرازق عبد المحسن الغز من أسرة مماليك يرجع نسبهم إلى قانصوه الغوري، وقد لقي حتفه في مذبحة قلعة الجبل في أول مارس سنة 1811، وعلى إثر وفاته استجارت زوجته وبنته - وكان عمرها يتراوح وقتئذ بين ست وسبع سنوات - بالوالي الذي فتح لهما أبواب قصره. ولم ينقض إلا القليل حتى انتقلت الأم إلى رحمة الله، فعهد محمد علي باشا بأمر تربية البنت إلى أوقماش قادن أفندي التي علمتها القراءة. ولما ناهزت «التفات» الخمس والعشرين من عمرها زوجها محمد علي باشا إلى حسن الإسكندراني وكان قد جاوز الأربعين بثلاث سنوات أو أربع. وقد تم عقد القران في قصر رأس التين، وزفت العروس منه إلى دار التمرازية في مركبة من مركبات حرملك الوالي مما دل على منزلة العروسين الخاصة عند محمد علي باشا.
ولم ينجب حسن الإسكندراني إلا ولدا واحدا اسمه محمد عبد المحسن، غير أن هذا الأخير تزوج مرتين: الأولى بعقده على «عصمت بنت عبد الله» وقد رزق منها «علي محسن» الذي توفي حوالي سنة 1872 وهو في الثامنة عشرة من عمره، والثانية بعقده على «جمال فير»، وقد رزق منها: محمد محسن باشا (الذي تزوج مديحة هانم يكن شقيقة عدلي يكن باشا)، وحسن محسن باشا (الذي تزوج الأميرة عزيزة حسن)، وأحمد إبراهيم محسن باشا (الذي تزوج سنية هانم فخري حفيدة محمود نامي زميل حسن الإسكندراني).
وبعد تسعة أشهر من زواجه أقلع حسن الإسكندراني في 28 يونيو سنة 1834 على رأس قوة بحرية إلى يافا، حيث عهد إليه في حراسة الغولت «التمساح» الذي كان يقل محمد علي باشا في رحلته. وبعد بضعة أشهر أخرى أبحر حسن بوحدات أسطوله لتفقد شواطئ سوريا، وكان بمعيته الأمير محمد سعيد باشا ابن محمد علي.
وفي غضون سنة 1835 تولى حسن الإسكندراني قيادة الفرقاطة رقم 3، ولعلها المسماة «الإسكندرية»، والفرقاطتين «مفتاح جهاد» و«البحيرة»، والقرويتين «طنطا» و«جناح بحري»، والغولت «التمساح»، والإبريق «بادئ جهاد» التي عهد إليها بمهمة نقل الذخائر والمؤن من الإسكندرية إلى طرسوس.
وقد استطاع حسن الإسكندراني بما أتاه الله من مقدرة وما عمر به قلبه من إيمان صادق أن يتقرب إلى محمد علي باشا وينال ثقته وتقديره، حتى عينه الوالي في 27 سبتمبر سنة 1835 نائبا لقائد الأسطول، وولاه في أواخر شهر مايو سنة 1837 نظارة البحرية المصرية، وأنعم عليه برتبة الباشوية. ولما توفي السلطان محمود الثاني وخلفه على عرش آل عثمان ابنه السلطان عبد المجيد في سنة 1839، وعين خسرو باشا صدرا أعظم، أقلع الأسطول العثماني إلى الشواطئ المصرية وانضم إلى الأسطول المصري، فوقف حسن الإسكندراني في 14 يوليو سنة 1839 على ظهر الغليون رقم 5، ولعله المسمى «مصر»، على رأس قوة بحرية أمام ثغر الإسكندرية وتلقى من القائد العثماني أحمد باشا فوزي استسلام وحداته التي كانت تألف من تسعة غلايين وإحدى عشرة فرقاطة وخمسة قراويت تحمل 16,107 من الملاحين وآلايين من الجند يبلغ عددهم خمسة آلاف.
وقصة هذا التسليم تتلخص في أن الأسطول التركي أقلع من بوغاز الدردنيل بقيادة القبودان أحمد فوزي باشا لمنازلة العمارة المصرية عقب انتصار إبراهيم باشا في وقعة نزيب في 24 يونيو سنة 1839، وتغلغل الجيش المصري في آسيا الصغرى واحتلاله بيره جك - على ضفة نهر الفرات اليسرى - ثم عينتاب ومرعش وأورفه.
غير أن السلطان محمود الثاني توفي في أول يوليو سنة 1839 وخلفه على عرشه المحفوف بالصعاب نجله عبد المجيد وهو في السابعة عشرة من عمره، فآثر - بناء على مشورة صدره الأعظم خسرو باشا - الجنوح إلى السلم، وأرسل إلى مصر رسولا يدعى عاكف أفندي لمهادنة محمد علي باشا مع تكليفه إعادة الأسطول العثماني إلى قواعده بالآستانة.
ولما كان بين القائد البحري أحمد فوزي باشا والصدر الأعظم خسرو باشا من قديم العداء مثل ما كان بين هذا الأخير وبين محمد علي باشا الذي نافسه في ولاية مصر وأقصاه عنها بعد أن تولاها في سنة 1803، فقد ساورت الشكوك نفس القبودان العثماني وعظمت وساوسه ورأى في استدعائه إلى الآستانة استدراجا لعزل محتوم أو قتل محتمل.
وبينما كان يقلب كفا على كف ويتساءل عن مصيره، إذا وكيله عثمان باشا يزين له أن يلتجئ إلى محمد علي باشا - خصم خسرو باشا اللدود - ويقدم له العمارة التركية هدية خالصة، فينال على يديه حسن الجزاء ويفلت من غياهب السجن أو من براثن الاغتيال.
لاقت هذه النصيحة قبولا حسنا لدى فوزي باشا، فرسا بسفنه في جزيرة رودس، ومنها أرسل إلى محمد علي باشا يخبره بعزمه، ثم واصل سيره إلى الإسكندرية وسلم وحداته إلى والي مصر في منتصف شهر يوليو سنة 1839.
بقيت القطع البحرية العثمانية في حوزة محمد علي باشا منضمة إلى أسطوله حتى تدخلت الدول الأوروبية في الأمر، فاتفقت إنجلترا وروسيا والنمسا وبروسيا وتركيا على إبرام معاهدة لندرة في 15 يوليو سنة 1840، وقد تضمن ملحقها إلزام محمد علي باشا «أن يسلم الأسطول العثماني ببحارته ومهماته الكاملة إلى المندوب العثماني المكلف باستلامه، ويحضر رؤساء الأساطيل المتحالفة هذا التسليم»، وإنه «ليس لمحمد علي باشا في أي حال من الأحوال أن يحتسب على الباب العالي ما أنفقه على الأسطول العثماني من المصاريف طول مدة إقامته في الموانئ المصرية، ولا أن يخصم هذه المصاريف من الخراج الواجب عليه دفعه.» إلا أن محمد علي باشا رفض قبول مثل هذه المعاهدة الجائرة وملحقها؛ إذ إنه لم يدع إلى الاشتراك في وضع نصوصهما، وأعلن تمسكه بالبلاد التي فتحتها جيوشه وأقرته عليها معاهدة كوتاهية في 5 مايو سنة 1833، فصمم على عدم نزوله عن أي شبر من هذه الأراضي، وأبلغ رفضه إلى الصدر الأعظم الذي بادر إلى استصدار فرمان بخلع محمد علي باشا من الولاية على مصر. وسرعان ما غادر ممثلو الدول الأجنبية الأراضي المصرية وأصبحت مصر بمفردها في حالة حرب ضد تركيا وحلفائها، بعد أن سحبت فرنسا تأييدها السابق لمصر وانسحبت من الميدان على إثر سقوط وزارة المسيو تيير المؤيدة لمحمد علي باشا في 29 أكتوبر سنة 1840 وقيام وزارة المسيو سولت التي تولى فيها المسيو جيزو وزارة الخارجية.
حسن الإسكندراني باشا.
ضرب الأسطول البريطاني الحصار حول الإمبراطورية المصرية، وأسرعت جيوش الحلفاء إلى الوقوف في وجه محمد علي باشا، فلما رأى بحكمته أن لا طاقة له بمحاربة الحلفاء مجتمعين آثر أن يجنح إلى السلم وقبل جلاء الجيش المصري عن سوريا والأناضول ورد الأسطول العثماني إلى الباب العالي في مقابل تخويله ملك مصر الوراثي بضمانة الدول. وقد أبرم اتفاق بهذا المعنى في الإسكندرية في 27 نوفمبر سنة 1840 بين بوغوص بك يوسف ناظر الخارجية المصرية والكومودور نابيير
Napier
نائبا عن بريطانيا العظمى، وتأيد هذا الاتفاق بمراسلات لاحقة تبادلها الأميرال روبرت ستوبفورد
Robert Stopford
قائد القوات البحرية البريطانية ومحمد علي باشا والصدر الأعظم.
وتنفيذا لما تم الاتفاق عليه وصل إلى الإسكندرية في العاشر من يناير سنة 1841 مظلوم بك مدير الترسانة العثمانية، والفريق ياور باشا (وهو أميرال إنجليزي أصل اسمه ولكر
Walker
عهد إليه الباب العالي بالقيادة العامة للأسطول العثماني)، وأحمد أغا أمير الحج. وكانت مهمة الأول تقديم رسالة سلطانية إلى محمد علي باشا، ومهمة الثاني استلام الأسطول، ومهمة الثالث الوصول إلى جدة في بلاد العرب لتسلم المهمات.
وفي الحادي عشر من يناير سنة 1841 رفع ياور باشا علمه على السفينة العثمانية «المحمودية» وحيتها باقي قطع الأسطول التركي الراسية في ميناء الإسكندرية.
وفي يوم 17 يناير وصلت إلى الثغر السكندري السفينة العثمانية «طائر بحري» قادمة من الآستانة وعليها بعض ضباط البحرية العثمانية لتسلم وحدات أسطولهم. وبعد ظهر الثالث والعشرين من يناير أبحر الأسطول العثماني مع ضباطه قافلا إلى الآستانة ما عدا أحمد باشا فوزي القبودان السابق وعثمان باشا وشريف أغا من كبار ضباطه، إذ تخلفوا في مصر وآثروا البقاء بالقرب من محمد علي باشا؛ لأن حكومة الآستانة اتهمتهم بالخيانة العظمى لتسليمهم الأسطول العثماني إلى والي مصر. وقد رتب محمد علي باشا لفوزي باشا مرتبا ضخما قدروه بخمسمائة ألف فرنك سنويا، كما أقطعه ألفي فدان من الأراضي الزراعية.
وهكذا بقيت الوحدات العثمانية منضمة إلى الأسطول المصري وفي خدمة محمد علي باشا حولا كاملا ونصف حول، من منتصف يوليو سنة 1839 حتى أواخر يناير سنة 1841.
6
وفي شهر أبريل سنة 1848 تولى ولاية مصر إبراهيم باشا ابن محمد علي - في حياة أبيه - ولكن المنية عاجلته في العاشر من نوفمبر سنة 1848، فتولى الحكم عباس باشا الأول - ابن طوسون بن محمد علي - وكان محمد علي باشا لا يزال على قيد الحياة، وإنما كان يعاني مرضا عضالا قضى عليه في الثاني من شهر أغسطس سنة 1849.
وفي عهد عباس ساءت حالة البحرية المصرية وأخذت في الاضمحلال بعد أن كانت قوية زاهرة، ويرجع ذلك إلى سببين: أولهما عام وهو إهمال الوالي شتى أعمال العمران، وثانيهما خاص وهو كراهيته لعمه سعيد باشا الذي نشأ في البحرية وكان قائدا عاما للأسطول المصري في عهد محمد علي. فحقد عباس على البحرية لحقده على سعيد فأهمل شأنها، وتعطلت أعمال دار صناعة السفن ووقف إصلاح الوحدات البحرية، فسرى إليها العطب وتناولها التلف.
غير أنه لما نشبت في 3 يوليو سنة 1853 الحرب بين تركيا وروسيا - بحجة حماية هذه الأخيرة الكنيسة والإكليروس اليوناني في الأراضي المقدسة - طلب السلطان عبد المجيد إلى عباس الأول أن يمده بالجند والأساطيل وفاقا للفرمانات الشاهانية، فلبى عباس نداءه وفتح أبواب دار الصناعة البحرية المعطلة، وجهز على وجه السرعة أسطولا عهد بقيادته إلى حسن الإسكندراني باشا سادس أمراء البحار.
وبموجب إرادة سنية صادرة في أول يوليو سنة 1853 (24 رمضان سنة 1269ه) تألف هذا الأسطول من اثنتي عشرة قطعة - عدا النقالات - بها 642 مدفعا و6850 جنديا بحريا وموزعة على الوجه الآتي:
الغليون «مفتاح جهاد» وبه مائة مدفع و1040 جنديا بقيادة القائمقام طاهر بك.
الغليون «جهاد آباد» وبه مائة مدفع و1040 جنديا بقيادة القائمقام خليل بك.
الغليون «الفيوم» وبه مائة مدفع و1040 جنديا بقيادة القائمقام محمود بك.
الفرقاطة «رشيد» وبها ستون مدفعا و631 جنديا بقيادة البكباشا مرجان قبودان.
الفرقاطة «شير جهاد» وبها ستون مدفعا و631 جنديا بقيادة البكباشا خورشيد قبودان.
الفرقاطة «دمياط» وبها ستون مدفعا و631 جنديا بقيادة البكباشا أحمد شاهين قبودان.
الفرقاطة «البحيرة» وبها ستون مدفعا و631 جنديا بقيادة البكباشا حجازي أحمد قبودان.
الفرقاطة «النيل» وبها ثلاثون مدفعا و371 جنديا بقيادة القائمقام عبد الحميد قبودان.
القرويت «جناح بحري» وبه 24 مدفعا و213 جنديا بقيادة الصاغقول أغاسي زنيل قبودان.
القرويت «جهاد بيكر» وبه 24 مدفعا و213 جنديا بقيادة الصاغقول أغاسي حسن أرناءود قبودان.
الغولت «الصاعقة» وبها 12 مدفعا و179 جنديا بقيادة الصاغقول أغاسي طاهر قبودان.
الوابور «بروانه بحري» وبه 12 مدفعا و179 جنديا بقيادة الصاغقول أغاسي صالح قبودان.
أما الجيش، فقد بلغ مجموع رجاله 19,722 مقاتلا مزودين باثنين وسبعين مدفعا، وعهد بقيادتهم إلى سليم باشا فتحي أحد القواد الذين حاربوا تحت لواء إبراهيم باشا في حروب سوريا والأناضول.
وعلى ذلك بلغ مجموع القوات البحرية والبرية 26,572 جنديا و714 مدفعا.
وفي 4 يوليو سنة 1853 (27 رمضان سنة 1269ه) أصدر عباس باشا الأول من قصر بنها إرادتين باللغة التركية إلى إبراهيم ألفي بك محافظ الإسكندرية، هذا تعريب الأولى:
حيث إن السفينة التي سيركبها سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية المصرية يجب أن تكون منتظمة يقتضي تنظيم وفرش القمرات من جانب الميري ومشترى طاقم سفرى أيضا وتسليمه للسفينة المذكورة، وقد حرر هذا للمعلومية.
7
وهذا تعريب الثانية:
حيث إن الحالة تقضي بصرف ثلاثة أشهر مقدما للضباط الذين سيسافرون بمعية سعادة حسن باشا قومندان سفن الجهادية من مساعد لغاية القائمقام تحت الحساب من ماهياتهم لأجل مشترى ما يلزمهم، فلدى وصول ذلك إلى علمكم بادروا بإجرائه، وحرر هذا للمعلومية.
8
وفي التاريخ نفسه أصدر الوالي إفادة باللغة التركية إلى أمير الآلاي مصطفى بك المقيم بالآستانة هذا تعريبها:
قد اقتضت إرادتنا بأن تكونوا بمعية سعادة حسن باشا المعين هذه المرة قومندانا على السفن المصرية، فلدى وصول ذلك إلى علمكم تصغون لأوامر وتنبيهات الباشا المشار إليه وتنفذونها حرفيا، وتجتهدون في عدم الانحراف عن أوامره ونواهيه. وحرر ذلك للإشعار.
9
وفي يوم 5 يوليو سنة 1853 (28 رمضان سنة 1269ه) أرسل حسن فؤاد المناسترلي باشا
10
كتخدا الجناب الخديوي إلى حسن باشا الإسكندراني إفادة هذا نصها:
بعد أن صار عرض ملحوظاتكم الخاصة بإركاب عساكر البرية المقتضى إرسالهم إلى الآستانة العلية في السفن التسع المعدة للقيام بعد أيام قليلة، صدر النطق الكريم بإركاب الأربعة الآلايات المجهزة وترحيلهم حين قيام هذه السفن، وبعد ختام تعمير سفن القباق يصير إركاب الآلايين الباقيين وترحيلهما إلى المحل المقصود، ثم التصريح أيضا للسفن بأن ترسو ببعض الموانئ لأخذ المياه حيث لا يوجد مانع من ذلك. وحرر هذا للمعلومية.
11
وفي أواخر شهر يوليو سنة 1853 قدم عباس باشا خصيصا للإسكندرية لعرض قطع الأسطول ووحدات الجيش قبل إبحارها، وخطب في رجالهما مشجعا ومودعا. وأقلعت الحملة على ظهر السفن الحربية ونقالات أخرى، وألقت مرساها في مياه الآستانة يوم الأحد 20 أغسطس سنة 1853 - أي بعد رحلة استغرقت 28 يوما - لاضطرار المراكب إلى الرسو في عدة مرافئ في طريقها للامترار ماء والتزويد زادا.
وقد عسكر الجنود المصريون ردحا من الزمان على ضفاف البوسفور، وزارهم السلطان عبد المجيد في مضاربهم في بيكوس تجاه طرابية، وعرض فلولهم وأنعم على كل قائد من القواد بعلبة للتبغ مرصعة بالماس، وأمر لكل ضابط براتب شهر.
وبعد أيام أبحر الجيش المصري في نقالات إلى «وارنه
Varna »، ثم مضى إلى ميدان القتال على نهر الدانوب، ورابط معظم رجاله في مقاطعتي سلستريا
Silistrie
وأولتنتزا
Oltenitza
اللتين استهدفتا لإغارات عنيفة شنها الروس، فأبلى المصريون بلاء حسنا في الدفاع عنهما وأقاموا حصنا منيعا عرف «بطابية العرب»، واستطاعوا في خلال سنة 1854 أن يقفوا الروس عند حدهم ويصدوا هجمات قائدهم الشهير المارشال باسكيفيتش
.
أما الأسطول المصري، فقد وزعت قطعه بين مختلف الوحدات البحرية العثمانية، فانضمت الفرقاطة «دمياط» والوابور «براونه بحري» إلى قطع القائد التركي عثمان باشا الذي عقد لواءه على السفينة العثمانية «عون الله» وأبحر على رأس قوة تألفت من ثلاث عشرة قطعة حربية عليها 4669 بحارا ومزودة ب 456 مدفعا إلى ثغر سينوب
Sinope
الواقع على البحر الأسود.
وإليك بيان هذه القوة البحرية:
السفينة «نظامية»: عليها 600 بحار وبها 60 مدفعا.
السفينة «دمياط»: عليها 500 بحار وبها 56 مدفعا.
السفينة «نافيك»: عليها 500 بحار وبها 52 مدفعا.
السفينة «نظيم»: عليها 500 بحار وبها 52 مدفعا.
السفينة «قائد»: عليها 500 بحار وبها 50 مدفعا.
السفينة «فارسلي إيلات»: عليها 400 بحار وبها 38 مدفعا.
السفينة «عون الله»: عليها 400 بحار وبها 36 مدفعا.
السفينة «جل سفيت»: عليها 200 بحار وبها 24 مدفعا.
السفينة «نجبى فشير»: عليها 200 بحار وبها 24 مدفعا.
السفينة «فيضى مربوط»: عليها 240 بحار وبها 22 مدفعا.
السفينة «طايف»: عليها 300 بحار وبها 16 مدفعا.
السفينة «براونه بحري»: عليها 179 بحار وبها 12 مدفعا.
السفينة «أركلى»: عليها 150 بحار وبها 12 مدفعا.
وما إن رست هذه السفن في ميناء سينوب حتى فاجأها فيه أسطول روسي مكون من إحدى عشرة قطعة ومزود ب 632 مدفعا بقيادة الأميرال ناخيموف
Nakhimoff ، وما لبث أن اشتبك الأسطولان في الثلاثين من نوفمبر سنة 1853 في معركة بحرية أسفرت عن انتصار أسطول الروس الذي كان يفوق خصمه عددا وعددا، فلحقت بالسفن العثمانية خسائر فادحة قضت على جميع وحداتها بما فيها السفينتين المصريتين ما عدا السفينة «الطائف» التي لاذت بأهداب الفرار منذ بداية الملحمة.
وأما باقي الوحدات المصرية فقد انفصلت منها في بدء الأمر الفرقاطتان «رشيد» و«شير جهاد» والقرويتان «جناح بحري» و«جهاد بيكر» والغولت «الصاعقة»، وقامت بحراسة جزر الأرخبيل بالاشتراك مع العمارة التركية، غير أنها أرسلت بعد ذلك إلى البحر الأسود حيث تولت نقل الجيوش من وارنه إلى شبه جزيرة القرم.
وفي يوم 7 مايو سنة 1854 (9 شعبان سنة 1270ه) أقلع الأسطول العثماني تحت قيادة أمير البحار التركي أحمد باشا قيصرلي والأسطول المصري تحت إمرة أمير البحار المصري حسن الإسكندراني باشا من الآستانة إلى البحر الأسود، وانضمت وحداتهما إلى أساطيل فرنسا وإنجلترا، ونازلت السفن الروسية في المعارك التي دارت رحاها هنالك.
وتشاء الأقدار أن يحارب حسن إسكندراني أخاه الإسكندر الذي كان قد بقي في القوقاز وجند في الجيش الروسي وأن يجتمع به خلسة ويعانقه بعد فراق جاوز نصف القرن.
وفي ليلة 14 يونيو سنة 1854 أغتيل عباس الأول في قصره ببنها وخلفه محمد سعيد باشا - ابن محمد علي باشا - وعلى إثر صدور الفرمان الشاهاني بتوليته سافر سعيد باشا إلى الآستانة لتقديم واجب الولاء للسلطان، فحضر إليه فيها محمد شنن القائد الثاني للأسطول المصري وقدم له باسم رجال البحر المصريين فروض التهانئ بارتقائه الأريكة المصرية. وما إن عاد سعيد باشا إلى مصر حتى واصل حرب القرم، وأرسل ابتداء من 19 أكتوبر سنة 1854 بقيادة أحمد باشا المنكلي النجدات إلى الجيش المصري المرابط فيها حتى بلغ مجموع القوات البحرية والبرية المرسلة هناك في عهدي عباس وسعيد 50,657 مقاتلا و768 مدفعا.
وقد عانى المصريون هنالك في خلال شتاء عامي 1854 و1855 الشدائد والأهوال من شدة البرد القارس، ولقي الكثيرون منهم حتفهم في ميادين القتال أو من فتك الأوبئة والأمراض التي تفشت بينهم. وقد دافعوا دفاعا مجيدا عن إيباتوريا
Eupatoria ، وهو ثغر من ثغور شبه جزيرة القرم احتله الحلفاء لمهاجمة مواقع الروس الحصينة، وقد استشهد فيه سليم باشا فتحي القائد العام للجيش المصري.
أما حسن باشا الإسكندراني فقد أبحر في سنة 1854 عائدا على رأس أسطوله إلى الآستانة لإصلاح بعض السفن، فهبت على سفنه في عرض البحر الأسود عواصف هوجاء وتكاثر عليها الضباب فحال دون اجتيازها بوغاز البوسفور بسلام. وقد اشتدت العاصفة عند مدخل البوغاز على مقربة من شاطئ «الروم إيلي» في يوم 31 أكتوبر سنة 1854 مما أدى إلى اصطدام الغليون «مفتاح جهاد» الذي كان يتولى الإسكندراني قيادته بالفرقاطة «البحيرة» التي كان يقودها محمد شنن بك، فغرق في أقل من ساعة 1920 مقاتلا كانوا على ظهريهما ولم ينج سوى 130 جنديا، وكان في عداد الغرقى حسن الإسكندراني ومحمد شنن قائدا الأسطول المصري.
وقد ورد نبأ هذه الفاجعة الأليمة في جريدة «ذي اللستريتد لندن نيوز»
The Illustrated London News
الإنجليزية إذ نشرت بعددها الصادر في 3 ديسمبر سنة 1854 ما ترجمته:
فجع السكان القاطنون بالقرب من البحر الأسود بفاجعة تروع القلوب، وهي غرق بارجتين على مسافة غير بعيدة من الآستانة. ففي ليلة 30 أكتوبر سنة 1854 عصفت بشواطئ هذا البحر عاصفة من أروع ما يذكره الناس، ولا بد أن تكون قد وقعت حوادث أخرى مروعة غرق فيها كثير من السفن، ولكن ليس بينها ما هو أفظع من حادثة البارجتين المصريتين العائدتين من القرم. ففي الساعة الثامنة مساء حمل الإعصار الفرقاطة «البحيرة» على بعد ميلين فقط من مصب البوسفور إلى منطقة الأمواج الخطرة التي ترتطم بصخور «قره برنو»، وما هي إلا ساعة من الزمان حتى تحطمت السفينة ولم ينج من بحارتها البالغ عددها أربعمائة سوى 130 أمكنهم أن يبلغوا الشاطئ أحياء.
أما البارجة الأخرى، وهي ذات ثلاث طبقات واسمها «مفتاح جهاد»، وكان على ظهرها الأميرال المصري، وهو على ما يقال أمهر قائد بحري عند المصريين، فقد شاركت زميلتها في نهايتها المحزنة إذ دفعتها العاصفة إلى حيث المياه قليلة خطرة، وذلك في منتصف المسافة بين الآستانة ووارنه. ومن المؤلم أن نذكر أنه غرق 795 بحارا - من بينهم الأميرال - من بحارتها البالغ عددها تسعمائة. ولم يبق أي أثر من هذه البارجة المنحوسة يبين المكان الذي غرقت فيه. وقد أنزل الذين نجوا من بحارة البارجتين في الآستانة حيث كانوا موضع كثير من الالتفات والعناية.
وقد تمكن حسن الإسكندراني
12
قبل غرقه أن يسلم خاتمه - الذي لم يفارقه قط - إلى أحد عبيده الذين نجوا من تلك الكارثة الفادحة، وتشاء الأقدار أن يعود هذا العبد سالما إلى مصر ويحمل الخاتم الذي اؤتمن عليه إلى زوجة سيده.
وقد انتهت حرب القرم بفوز تركيا وحلفائها - فرنسا وإنجلترا ومملكة بيمونت (إيطاليا) ومصر - على الروس، وأبرم الصلح في مؤتمر باريس في 30 مارس سنة 1856، وقد سلمت فيه روسيا بمطالب الفائزين.
وبذا أسدل التاريخ ستاره وأرخى الزمان سدوله على آخر حملة قامت بها وحدات الأسطول الضخم الذي أنشأه محمد علي باشا الكبير.
13
سفن الأسطول المصري في عصر محمد علي باشا
نقلا عن جدول حسن باشا الإسكندراني
1
سفن الغليون أو القباق.
العدد
الاسم
عدد البحارة
عدد المدافع
سنة نزولها إلى البحر
جهة إنشائها
1
المحلة الكبرى
1034
100
1830
الإسكندرية
2
المنصورة
1034
100
1830
الإسكندرية
3
الإسكندرية
1034
100
1831
الإسكندرية
4
أبو قير
736
94
1831
الإسكندرية
5
مصر
1097
106
1832
الإسكندرية
6
عكاء
1148
106
1832
الإسكندرية
7
حمص
1034
100
1833
الإسكندرية
8
بيلان
900
86
1834
الإسكندرية
9
حلب
1034
102
1837
الإسكندرية
10
الفيوم
1034
100
1838
الإسكندرية
11
بني سويف
1034
102
1838
الإسكندرية
12
دمشق - - -
الإسكندرية
الفرقاطات.
العدد
الاسم
عدد البحارة
عدد المدافع
سنة نزولها إلى البحر
جهة إنشائها
13
منوف
558
64
1836
الإسكندرية
14
دمياط
470
56
1829
الإسكندرية
15
رشيد
510
60
1828
تريسته
16
الجعفرية -
60
1824
ليفورن
17
شير جهاد
510
60
1826
ليفورن
18
البحيرة
510
60
1829
تريسته
19
النيل (فرقاطة بخارية)
52
6
1834
إنكلترا
القراويت.
العدد
الاسم
عدد البحارة
عدد المدافع
سنة نزولها إلى البحر
جهة إنشائها
20
طنطا
186
28
1830
الإسكندرية
21
دمنهور
186
26
1838
الإسكندرية
22
واسطة جهاد -
28
1820
جزائر الغرب
23
جناح بحري
185
24
1823
جنوه
24
بلنك جهاد
185
24
1827
مرسيليا
25
رهبر جهاد
200
30
1826
مرسيليا
26
بومبه
300
45
1824
تريسه
27
جهاد بكر
185
24
1825
جنوه
28
فوه -
24
1822
الإسكندرية
29
شاهد جهاد
181
24
1825
الإسكندرية
الأباريق.
العدد
الاسم
عدد البحارة
عدد المدافع
سنة نزولها إلى البحر
جهة إنشائها
30
سمند جهاد
89
18
1825
مرسيليا
31
بادئ جهاد
89
24
1822
أمريكا
32
نمرة 2
89
18
1823 -
33
شهباز جهاد
88
18
1825
مرسيليا
الغواليت.
العدد
الاسم
عدد البحارة
عدد المدافع
سنة نزولها إلى البحر
جهة إنشائها
34
صاعقة -
24
1828
ليفورن
35
تمساح
88
16
1826
مرسيليا
36
غولت جديد
52
12
1838
الإسكندرية
الوابورات.
العدد
الاسم
سنة إنشائها
37
برواز بحري
1850
38
أسيوط
1846
39
جيلان بحري
1849
40
الشرقية
1846
41
رشيد *
1846 *
سمي فيما بعد بالفرقاطة «مخبر سرور»، وركبت آلاته بلندن. ونجد المزيد من التفصيل منشورا في كتاب الأمير عمر طوسون: «صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي»، ص138-143.
النقالات.
لم يتناول إحصاء دقيق عددها على وجه التحديد.
سفن الأسطول المصري في عهد الخديو إسماعيل1
العدد
الاسم
النوع
عدد المدافع
جهة إنشائها
1
محمد علي
فرقاطة
28
أمريكا
2
شير جهاد
فرقاطة
28
تريسته
3
لطيف
قرويت
6
الإسكندرية
4
الخرطوم
مدفعية
5
إنكلترا
5
دنقلة
دراعة
8
إنكلترا
6
الصاعقة
قرويت
8
الإسكندرية
7
سنار
مدفعية
7
إنكلترا
8
زرخ نمرة 1
دراعة
2
فرنسا
9
زرخ نمرة 2
دراعة
2
فرنسا
10
المحروسة
سفينة حربية لركوب الخديو
8
لندن
11
مصر
سفينة حربية لركوب الخديو
6
تولون (فرنسا)
12
الغربية
سفينة حربية لركوب الخديو
4
تولون (فرنسا)
13
الطور
طرادة
2
إنكلترا
14
أسوان
نقالة
4
إنكلترا
15
شندي
نقالة
4
إنكلترا
16
أسيوط
نقالة
2
الإسكندرية
17
الجعفرية
طرادة
3
إنكلترا
18
سمنود
نقالة
2
إنكلترا
19
نور الهدى
طرادة
2
إنكلترا
20
مخبر
طرادة
2
إنكلترا
21
عجمي
طرادة
2
إنكلترا
أهم المصطلحات البحرية قديما وحديثا
عموميات
البحرية
Marine :
قوة الدولة في البحر.
الأسطول
Flotte :
كلمة معربة من لفظ
Stolos
اليوناني ومعناها طائفة من السفن الحربية.
العمارة - الدونانمة -
Escadre :
جزء من القوة البحرية تحت إمرة أمير بحار.
السفينة
Vaisseau ou navire :
المركب الكبير، من سفن الشيء سفنا أي قشره، وقد قيل لها ذلك لقشرها وجه الماء.
الوحدة أو القطعة
Unité :
الواحدة من السفن الحربية.
المركب
Barque ou embarcation :
واحد المراكب البحرية.
دار صناعة السفن - الترسانة أو الترسخانة
Arsenal :
هي المحل المعد لإنشاء السفن. وقد أخذ الإسبان عن العرب هذه الكلمة وحرفوها، فصارت عندهم
Darcinah ، وسماها البرتغاليون
Tarcena
أو
Taracena ، وأطلق عليها الإيطاليون في أول الأمر كلمة
Darcena
ثم
Terzana
ثم
Arzana
حتى أصبحت
Arzanale .
أنواع مراكب العرب
الطريدة
Tartane :
مركب حربي صغير الحجم سريع السير، كان يستخدم خصيصا لنقل الخيل للأسطول، ويتسع لزهاء 65 حصانا، وكان مفتوح المواخير بأبواب خاصة تسمح بدخول وخروج الخيل. وقد أخذ الإفرنج عن العرب هذه التسمية فعرفت بالإسبانية باسم
Tarida
وبالإيطالية باسم
Tartana .
الشيني أو الشونة:
مركب حربي كبير ذو أبراج وقلاع، يستعمل للدفاع والهجوم، ويجهز في أيام الحرب بالسلام والنفطية، ويحشد بالمقاتلة والجنود البحرية.
البارجة:
هي كلمة هندية عربها العرب عن لفظة «بيرة» الهندستانية، وهي سفينة حربية أكبر من الشيني في الحجم، وتسع خمسين بحارا.
المسطح
Mistic ou Mistique :
نوع من المراكب الحربية الكبيرة الحجم يشبه البطسة، ويؤتى بها وقت الحرب خلف المراكب الصغيرة خشية أن تغرق هذه في واديها، ويسميها الإسبانيون
Mistico
والبرتغاليون
Mestech .
الشذاة والسميرية:
ضرب من السفن البحرية والنهرية، كانت تستعمل في الحروب في عهد الدولة العباسية لنقل آلات الحرب والسلاح والمقاتلة والرماة والملاحين، وكان بها حوالي أربعين مجدافا.
الغراب أو القررغة
Corbeau :
نوع من المراكب أخذه المماليك عن القرطاجنيين والرومان، وقد سمي بهذا الاسم لأن مقدمه كان يشبه رأس الغراب أو الطائر ويمثل في الماء الطير في الهواء، وكان يحمل الغزاة ويسير بالقلع كما كان يسير بعدد من المجاديف لا يتجاوز 180 مجدافا. ومن خصائصه أنه كان مزودا بجسر من الخشب يهبط على مركب العدو ويمر على ظهره الجند فيقاتلون بالأساليب البرية.
العكبرى:
مركب يشبه الغراب ولكنه أوسع منه، ويسع 60 مجدافا، ويسقف وقت القتال حتى لا ينال الجدافين شيء من السهام والحجارة.
الشباك أو الشباك
Chébac :
مركب حربي صغير الحجم، كان يسير عادة في البحر الأبيض المتوسط، ويسميه الإسبان
Jabèque ، والإيطاليون
Sciabecco
و
Xambecco ، والبرتغاليون
Xabeca .
البطسة
Nave ou Nef :
نوع من المراكب أخذه المماليك عن الصليبيين، وكان يستعمل في حمل المنجانيق والمقاتلة والسلاح والذخيرة وسائر آلات الحرب، وكان يبلغ عدد قلوعه الأربعين.
القراق أو القرقور
Caraque :
نوع من المراكب كان يستعمل في تموين الأسطول بالزاد والمتاع والذخيرة، ومنه ما كان بثلاثة ظهور وبثلاثة قلاع لا يخشى معها الرياح العاصفة. وكلمة «قراق» مأخوذة عن الاسم الإيطالي
Caracca
المشتقة من كلمة
Caricare
ومعناها حمل
Charger . ولعل الاسم الإيطالي نفسه مأخوذ عن كلمة
Curach ، وهي سفينة من سفن أهالي البلاد السكندينافية نزلت بهم إلى البحر البيض المتوسط في القرن الحادي عشر الميلادي (1043).
الشيطي:
هو نوع من المراكب يسير بثمانين مجدافا، ووظيفته كشف العدو وإبلاغ خبره للقراقير والغربان وغيرها من السفن، وهي تشبه اليوم سفن الاستطلاع
Avisos .
السلورة:
هي نوع من المراكب بين الشيطي والعشاري في الحجم، ويسير بأربعين مجدافا.
العشيري أو العشاري:
هي نوع من المراكب يسير في النيل، ويجر ب 20 مجدافا، وينقل البضائع والرجال من ساحل إلى آخر ويتبع الأسطول.
الديماس:
نوع من العشاريات كان خاصا بالخليفة يخرج به أيام الخليج وغيرها.
الذهبية
Baggala :
مركب كان يستعمله العرب، وحمولته تتراوح بين مائة وأربعمائة طن، وهو ذو صاريين وأشرعة على شكل شبه المنحرف، ومن خصائصه أن مؤخره أعلى وأعرض من مقدمه، وتزين جوانبه الرسوم والنقوش، وكان يسير فيما بين السويس وبلاد الهند وشواطئ القارة الإفريقية.
القارب
Boutre :
مركب صغير ذو صاريين وأشرعة على شكل شبه المنحرف، كان يستعمله العرب في رحلاتهم البحرية إلى سواحل القارة الإفريقية الشرقية.
الشلندي أو الصندل
Chaland :
مركب حربي كبير مسطح، كان مخصصا لنقل المقاتلة والأسلحة، ويسمى باللاتينية
Chelandium ، وبالروسية
Schelando ، وبالإيطالية
Scialando .
الماعونة
Mahonne :
مركب حربي من مراكب الأساطيل الإسلامية من نوع الفياسة، وقد عرف عند الطليان باسم
Maona
و
Mahuna
و
Magana .
الشبكة
Gabare :
مركب شراعي صغير.
مركبة خلية
Gabasse :
مركب شراعي كبير.
المعبر والصلاغ:
نوع من السفن الصغيرة تعبر فيها العساكر من شاطئ إلى شاطئ أو من مكان إلى آخر ، وكانت تستعمل كذلك في نقل الذخيرة والأسلحة.
السنبوك أو الصنبوك:
سفينة صغيرة من ملحقات الأسطول تسير في البحار والأنهار.
مركب قرصنة
Lougre ou Brigantin :
سفينة شراعية كان يستعملها القرصان في جولاتهم البحرية.
أنواع المراكب في القرن التاسع عشر
الفيلق أو الغليون
Galion :
مركب حربي قديم، كان يحمل حوالي مائة وستة وثلاثين مدفعا كبيرا، ويتسع لزهاء ألف من الجنود، وهو في الأصل إسباني وكان يستعمل في النقل ما بين إسبانيا ومستعمراتها في بلاد المكسيك وبيرو. وقد حلت محله اليوم المدرعة
Cuirassé .
الفرقاطة أو الفرقطون
Frégate :
مركب حربي قديم، كان يحمل حوالي 64 مدفعا كبيرا وصغيرا، ويتسع لزهاء 500 من الجنود، وقد حلت محله اليوم الطرادة
Croiseur .
القرويت
Corvette :
مركب حربي قديم، كان يحمل من المدافع عددا يتراوح بين 22 و45، ويتسع لزهاء 100 من الجنود.
الغولت أو الغيلاطة
Goélette :
مركب حربي قديم ذو ساريتين، ومن مميزاته أنه سريع السير نظرا لضيق عرضه وطوله، وكان يحمل 22 مدفعا صغيرا ولا يتجاوز جنوده المائة.
الإبريق أو البريجة
Brick :
مركب حربي قديم ذو ساريتين، في كل منهما أربعة أشرعة مربعة، وكان يحمل 18 أو 16 مدفعا صغيرا ولا يتجاوز جنوده المائة.
الحراقة
Brulôt :
مركب حربي قديم، كان يستعمل في حمل الأسلحة كالنار الإغريقية “Feu grégeois”
وبها مدافع خاصة تقذف النيران، وقد حلت محله اليوم المدمرة
Contre-torpilteur .
الكوتر
Côtre :
زورق كبير وسريع، كان مزودا ب 12 مدفعا صغيرا، ويتسع لزهاء 40 من الجنود.
النقالة أو الحمالة
Transport :
مركب كان مخصصا لحمل المئونة والزاد لرجال الأسطول.
الشانية
Shooner :
مركب شراعي ذو صاريين مثل الغولت.
المقلعة
Galère :
مركب حربي ذو ثلاث صفوف مجاديف عادة، وكان يسير بالقلاع أيضا.
مقلعة صغيرة
Gailote :
مركب أصغر من سابقه في الحجم وأخف منه في الوزن.
الفياسة
Galéasse :
مركب أكبر من المقلعة في الحجم وأثقل منها في الوزن، وكان مستعملا لغاية القرن الثاني عشر.
القراولة
Caravelle :
مركب كان يستعمله الأتراك والإيطاليون والإسبانيون والبرتغاليون، وكان يسير بأربعة قلاع، وقد اكتشف خريستوفوس كولومبوس القارة الأمريكية بقراولة من هذا النوع.
الوابور
Vapeur :
مركب صغير يسير بالبخار.
أنواع المراكب الحديثة
المدرعة
Cuirassé :
هي كبرى السفن الحربية الحديثة، وعلى جوانبها أدرعة تحميها من الطوربيد.
الطرادة
Croiseur :
هي سفينة حربية حديثة ، تمتاز بسرعتها وتبين للأساطيل طريقها المأمون.
المدمرة
Destroyer ou contre-torpilleur :
هي سفينة حربية حديثة ذات سرعة فائقة تحمي القوافل البحرية.
الفسافة
Torpilleur :
هي سفينة حربية حديثة مخصصة لقذف الطوربيد على سفن الأعداء.
الغواصة
Sous-marin :
سفينة حربية حديثة تغوص تحت سطح الماء فتلقي على سفن الأعداء الطوربيد على غرة.
سفينة مدفعية
Canonnière :
سفينة صغيرة الحجم مزودة ببعض المدافع للدفاع عن الشواطئ.
حاملة الطائرات
:
سفينة حديثة تستعمل كمطار جوي للطائرات في عرض البحار.
باثثة الألغام
Mouilleur de mines :
سفينة معدة لبث الألغام في البحر.
لاقطة أو كاسحة الألغام
Dragueur de mines :
سفينة معدة لالتقاط الألغام التي يبثها الأعداء في البحار.
زورق استطلاع أو استكشاف
Aviso ou Vadette :
مركب يتقدم السفن الكبيرة ويكشف لها الطريق.
طوافة
:
مركب صغير يتولى حراسة الشواطئ.
باخرة
:
مركب بحاري يسير بالبخار، ويحمل ركابا ومسافرين.
مركب بضائع
Cargo-boat :
مركب تجاري ينقل البضائع من بلد إلى آخر.
الجسر العائم
:
نوع من المراكب يشبه الصندل، ويستعمل لترميم أو تصليح السفن التي يعتريها خلل في عرض البحار.
اليخت
Yacht :
مركب يستعمل في الرحلات البحرية.
الزورق
Chaloupe :
مركب صغير يسير بالأشرعة أو بالمجاديف ويتبع المراكب الكبيرة.
أجزاء المركب
المرساة أو الهلب
Ancre :
آلة حديدية ثقيلة تلقى في جوف البحر لربط المركب عند نقطة معينة.
بدن المركب
Coque :
هيكل المركب الخارجي فيما عدا الصواري والقلاع.
مقدم المركب
:
أجزاء المركب الأمامية.
مؤخر المركب
:
أجزاء المركب الخلفية.
جانب المركب الأيمن
Tribord :
جزء المركب الواقع على يمين الناظر إلى المقدم.
جانب المركب الأيسر
Bâbord :
جزء المركب الواقع على يسار الناظر إلى المقدم.
ظهر المركب
:
أرضية المركب العلوية.
قاع المركب
Cale :
جوف المركب في أسفل أجزائه.
الصاري أو السارية
Mât :
العمود الذي ينصب في المركب لتعليق القلوع، والصاري أعم من السارية، وغزوة «ذات الصواري» مشهورة. وللمركب المهم عادة ثلاثة صواري عمودية هي: الصاري الكبير “Le grand mât”
وهو المنصوب في وسط المركب، وصاري المازانة “Le mât de misaine”
وهو المنصوب في منتصف الجزء الأمامي، وصاري المؤخر “Le mât d'artimon”
وهو المنصوب في منتصف الجزء الخلفي، وللمركب صار رابع أفقي في صدر المركب ويخرج عن المقدم، ويسمى صاري المقدم “Beaupré” .
وزرة الصاري
Gaburon :
كسوة تحت الصاري بالخشب.
المسطح
Hune :
أرضية من الخشب موضوعة حول الصاري عند نهاية القلع الأول “Bas-mât”
وبداية القلع الأعلى
Voile de perroquet .
الدوقل
Vergue :
خشبة طويلة مستعرضة في الصاري وتحمل القلع.
القرية
Antenne :
خشبة أطول من الدوقل مستعرضة في الصاري، وتحمل القلع، ويطلق عليها في اللغة العامية كلمة «أرية».
القلع أو القلاعة أو الشراع
Voile :
قماش متين يربط بدوقل الصاري ويتلقى الرياح التي تسير المركب، ويحمل كل صار خمسة أشرعة، فالصاري الكبير يحمل:
Le grande voile
و
Le grand hunier
و
Le grand volant
و
Le grand perroquet
و
Le grand cacatois ، وصاري المازانة يحمل:
La misaine
و
Le petit hunier
و
Le petit volant
و
Le petit perroquet
و
La petit cacatois ، وصاري المؤخر يحمل:
La brigantine
و
Le perroquet de fougue
و
Le volant d’artimont
و
La perruche
و
Le cacatois de perruche ، وأما صاري المقدم فيحمل ثلاثة أشرعة هي:
Le petit foc
و
Le grand foc
و
Le clinfoc .
المرسة (الأمراس
Cordage ):
الحبل الذي يربط القلع بالمركب.
المجداف
Rame ou Aviron :
خشبة طويلة مسطحة في إحدى نهايتيها لتسيير المركب بوساطة الجدافين.
الدفة
Gouvernail :
آلة موضوعة في المؤخر تغوص في البحر وتوجه المركب وجهته.
يد الدفة
Barre :
خشبة موضوعة في أعلى الدفة لقيادتها.
الرفاص
Hélice :
آلة موضوعة في أسفل مؤخر المركب، تدور أجزاؤها تحت سطح الماء فتولد قوة تدفع المركب إلى الأمام.
حمولة أو شحنة المركب
Navée ou Cargaison :
مجموع البضائع التي ينقلها المركب.
علم المركب
:
الراية التي ترفرف على السارية.
الرتب البحرية المصرية ومقابلها في الأسطولين البريطاني والفرنسي
في السلاح البحري المصري
في السلاح البحري البريطاني
في السلاح البحري الفرنسي
سيد البحار الأعظم
Admiral of the Fleet
Amiral de la Flotte
كبير أمراء البحار -
Amiral
أمير البحار
Admiral
Vice-amiral d’escadre
أمير البحر
Vice-Admiral
Vice-amiral
أمير آلاي بحري
Rear-Admiral
Contre-amiral
قائمقام بحري
Commodore
Capitaine de vaisseau
بكباشا بحري
Captain
Capitaine de frégate
صاغ بحري
Commander
Capitaine de corvette
يوزباشا بحري
Lieutenant-Commander
Lieutnant de vaisseau
ملازم أول بحري
Lieutenant
Enseigne de vaisseau de 1
ére
classe
ملازم ثان بحري
Sub-Lieutemant
Enseigne de vaisseau de 2
ème
classe
طالب بحري ممتاز
Midshipman
Aspirant
طالب بحري
Cadet
Cadet
صول بحري
Warrant Officer
كبير المساعدين البحريين
Chief-Artificer
مساعد بحري
Artificer
صنايعي
Artisan
Artisan
ريس ممتاز
Chief Petty Officer
ريس
Maître
نوتي ممتاز
Leading Seaman
Quartier-Maître
نوتي أول
Able-Bodied Seaman A.B.
نوتي
Ordinary Seaman
Matelot
نصف نوتي
Boy 1
st
Class
Mousse
ولد
Boy 2
nd
Class
Moussaillon
أمين بلوك
وكيل أمين
Writer
ريس ممتاز تومرجي
Sick Berth C.P.O.
Chef-infirmier
ريس تومرجي
Sick Birth P.O.
نوتي ممتاز تومرجي
Leading S.B. Attendant
نوتي أول تومرجي
S.B. Attendant
نوتي تومرجي
S.B.A. Probationer
Infirmier
ديدبان
Look-out
Vigie
وقاد
Fireman
Chauffeur
سفرجي
Steward
Maître d’hôtel
قلفاط
Shipwright
Calfat ou radobeur
نجار
Joiner
Menuisier
حداد
Blacksmith
Forgeron
سمكري
نقاش *
*
ومن أراد المزيد فليرجع إلى المصادر الآتية:
المقريزي: «المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار». والمقريزي: «تاريخ السلاطين المماليك». وميشيل إماري: «المكتبة العربية الصقلية»
Michele Amari: “Bibliotheca Arabo-Sicula” . ولويجي رنالندي: «الكلمات الإيطالية المشتقة من اللغة العربية»
Luigi Rinaldi: “La Parole italiane derivate dall’Arabo” . وجورجي زيدان: «تاريخ التمدن الإسلامي». وأحمد زكي باشا: «بقايا العرب في فرنسا وسويسرا». وإسماعيل سرهنك باشا: «حقائق الأخبار عن دول البحار ». والمسيو دوزي: «ملحق المعاجم العربية»
R. Dozy: “Supplément aux Dictionnaires Arabes” . والبستاني: «دائرة المعارف العربية». وابن مماتي: «قوانين الدواوين» نشرها الدكتور عزيز سوريال. والأستاذ عبد الفتاح عباده: «كتاب سفن الأسطول الإسلامي». والدكتور زكي محمد حسن: «كنوز الفاطميين»، ص112. والدكتور علي إبراهيم حسن: «دراسات في تاريخ المماليك البحرية»، ص318. والأمير عمر طوسون: «صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي»، ص209.
ثلاثة اقتراحات ختامية في سبيل إحياء السلاح البحري الملكي المصري
الآن - وقد أشرف الكتاب على نهايته - أسوق إلى ولاة الأمور اقتراحات ثلاثة عسى أن يكون لها نصيب من الإصغاء فحظ من التنفيذ.
الاقتراح الأول:
إنشاء متحف بحري، على مثال المتحف الحربي، يضم بين جوانبه كل ما يتعلق بالبحرية المصرية منذ عصر الفراعنة حتى اليوم، وتعرض فيه هياكل مصغرة لدور صناعة السفن ولمختلف أنواع المراكب - حربية أم تجارية - التي جابت عباب البحار ورفرف على سارياتها العلم المصري من السواحل المصرية إلى شواطئ القارات الخمس. كما يخصص جزء من الدار لأزياء وملابس وأوسمة وأعلام رجال البحرية في شتى العهود، وترسم لوحات زيتية تصور المعارك البحرية التي اشترك فيها الأسطول المصري، وتحفر تماثيل من البرونز أو من الحجر تمثل أمراء البحار الذين قادوا السفن المصرية ظافرة منتصرة في أقاصي البحار والمحيطات. وأخيرا تؤلف مكتبة تضم المجلدات والأسفار التي تناولت فنون البحرية بوجه عام وتاريخ البحرية المصرية بوجه خاص، وتزخر بالمراجع التاريخية والمصادر العلمية التي تساعد الباحث على التمحيص والتأليف.
إن مثل هذا المتحف موجود بالفعل في لندن وباريس وفي برلين وفي أهم العواصم الأوروبية، ولعل المتحف البحري بأوسلو عاصمة بلاد النرويج من المتاحف التي نالت كبير إعجابي لما حواه من آثار قديمة وحديثة عرضت في دقة ونظام وتنسيق قل أن تجدها مجتمعة في غيره من المتاحف.
وحبذا لو وقع اختيار الحكومة على جزء من الأرض المقامة عليها ثكن قصر النيل التي جلت عنها القوات البريطانية أخيرا لإقامة متحفين مستقلين يناظران دار الآثار، يخصص أحدهما لشئون الجيش وثانيهما لشئون البحرية.
الاقتراح الثاني:
وضع مجلد في البحرية المصرية من أقدم العصور حتى الآن بمعرفة لجنة مؤلفة من كتاب تخصصوا في هذه الناحية من نواحي حياتنا القومية، ينضم إليهم بعض ضباط السلاح المصري البحري الممتازين ممن سبق لهم الاشتغال علميا وعمليا بشئون البحرية. وحبذا لو اتخذنا من الموثقين الفرنسيين القيمين «تاريخ البحرية» الصادر عن دار مجلة الألستراسيون “L’Illustration”
و«تاريخ بحرية فرنسا» الصادر عن مطبعة لاروس “Larousse”
هدى نهتدي به في إخراج مجلد نفيس يضم بين دفتيه تاريخنا البحري.
شعار السلاح البحري الملكي المصري.
الاقتراح الثالث:
وضع معجم يتناول المصطلحات البحرية قديمها وحديثها بمعرفة لجنة مكونة من بعض أعضاء مجمع فؤاد الأول للغة العربية الأجلاء وبعض أساتذة كليتي الآداب بجامعتي فؤاد وفاروق، تعاونهم صفوة ممتازة من ضباط السلاح البحري المصري.
هذه اقتراحات ثلاثة جديرة بأن توضع موضع التنفيذ تمجيدا لما سجلته البحرية المصرية من صفحات مجد وفخار، وتوطئة لما سيتبوءه السلاح البحري الناهض من شأن عظيم في الغد القريب.
المراجع التاريخية الخاصة بالبحرية المصرية
باللغة العربية
الأمير عمر طوسون:
صفحة من تاريخ مصر في عهد محمد علي، الجيش المصري البري والبحري (طبعة سنة 1940).
الأمير عمر طوسون:
الجيش المصري في الحرب الروسية المعروفة بحرب القرم، (1853-1855). طبعة سنة 1936.
الأستاذ سعد مرسي أحمد:
الجيش والبحرية في عهد البطالة (الرسالة التاسعة بعد المائة من رسائل الثقافة الحربية الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني).
الصاغ البحري محمود عبد الهادي:
ممهدات في تاريخ البحرية (الرسالة الرابعة والخمسين من رسائل الثقافة الحربية الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني).
بحار مجهول:
صفحات من تاريخنا الحربي البحري (سلسلة مقالات نشرتها مجلة «جيشنا» الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني في أغسطس وسبتمبر سنة 1944).
الآنسة سيدة إسماعيل كاشف:
الجيش والبحرية في مصر من الفتح العربي إلى بداية العصر الطولوني (الرسالة الثامنة والأربعين من رسائل الثقافة الحربية الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني).
الدكتور علي إبراهيم حسن:
الجيش والبحرية في عصر المماليك (الرسالة الثالثة والخمسين من رسائل الثقافة الحربية الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني).
البكباشا عبد الرحمن زكي:
من أعلام الجيش والبحرية في مصر (الرسالة الحادية والستين من رسائل الثقافة الحربية الصادرة عن وزارة الدفاع الوطني).
الأستاذ عبد الفتاح عبادة:
كتاب سفن الأسطول الإسلامي وأنواعها ومعداتها.
الأستاذ محمد ياسين الحموي:
تاريخ الأسطول العربي.
باللغة الفرنسية
Vice-Amiral Durand-Viel :
Les Campagnes navales de Mohammed Aly et d’Ibrahim. (2 volumes) 1935.
Commandant Georges Douin :
Les premières frégatos de Mohamed Aly (1824-1827) 1926.
Commandant Georges Douin :
Navarin (6 Juil.-20 Oct. 1827). 1927.
Vice-Amiral Jurien de La Gravère :
La Marine de Ptolémées. (2 volumes). 1885.
Gaston Maspéro :
De quelques navigation de Egyptiens sur les côtes de la mer Erytrhée (Etude publiée dans la
Revue Historique , t. IX).
Robiou :
Recherches nouvelles sur quelques périples d’Afrique dans l’Antiquité.
باللغة الألمانية
Dümichen :
Die Flotte einer Aegyptischen Koenigin.
باللغة الإيطالية
Angelo Sammarco :
La Marina Egiziana sotto Mohamed Ali. Il contributo italiano (1931).
Unknown page