[208_2]
إلى صديق له ولي ولاية: واعلم أن الخيانة فطنة، والأمانة حرفة، والجمع كيس، والمنع صرامة، وليس كل يوم ولاية، فاذكر أيام العطلة، ولا تحقرن صغيرا، فإن من الدور إلى الدور، وإيلاء الولاية رقدة، فتنبه قبل أن تنبه، وأخو السلطان أعمى عن قليل سوف يبصر، وما هذه الوصية التي أوصى بها يعقوب بنيه، ولكن رأيت الحزم في أخذ العاجل، وترك الآجل.
وموطن الضعف من أخلاق الصولي أنه كما أراد أبو العيناء يأخذ العاجل ولا يبالي، ويدب إليه الوشاة، فينجو مرات، ويعطب مرات. روى الجهشياري أنه لم يكن للصولي تقدم في الخراج على بلاغة فيه، وكان بينه وبين أحمد بن المدبر تباعد، وكان أحمد مقدما في الكتابة، فقال أحمد بن المدبر للمتوكل: قلدت إبراهيم بن العباس ديوان الضياع، وهو متخلف في هذا الشأن، لا يحسن منه قليلا ولا كثيرا، وطعن عليه طعنا قبيحا، فقال المتوكل: في غد أجمع بينكما. واتصل الخبر بإبراهيم فأيقن بحلول المكروه، وعلم أنه لا يفي بأحمد بن المدبر في صناعته، وغدا إل دار السلطان آيسا من نفسه ونعمته، وحضر أحمد فقال له المتوكل: قد حضر إبراهيم وحضرت ومن أجلكما قعدت، هات اذكر ما كنت فيه أمس، فقال أحمد: أي شيء أذكر عنه فإنه لا يعرف أسماء عماله في النواحي، ولا يعلم ما في دساتيرهم من تقديراتهم وكيولهم، وحمل من حمل منهم ومن لم يحمل، ولا يعرف أسماء النواحي التي تقلدها، وقد اقتطع أصحابه بناحية كذا كذا ألفا، واختلت ناحية كذا في العمارة، وأطال في ذكر هذه الأمور؛ فالتفت المتوكل إلى إبراهيم فقال: ما سكوتك؟ فقال: يا أمير المؤمنين جوابي في بيتي شعر قلتهما فإن أذن أمير المؤمنين أنشدتهما، فقال هات فأنشده:
رد قولي وصدق الأقوالا ... وأطاع الوشاة والعذالا
أتراه يكون شهر صدود ... وعلى وجهه رأيت الهلالا
Page 208