[190_2]
قال ابن طاهر: هل أكل من بالباب فنظروا فإذا جميع من بالباب قد نصبت لهم الموائد فأكلوا، فقال: شتان بين يوميك يا أبا جعفر. فقال: أيها الأمير، ذاك قوتي، وهذه مروءتي. وإذا استجزنا حذف ما في هذه الحكاية من المبالغة - ومثلها وقع للحسن ابن سهل مع عمرو بن مسعدة على ما قرأته في الكلام على حياة عمرو، والقصتان منقولتان من كتاب ملح الممالحة لابن باقيا الكاتب - إذا حذفنا جانب الإغراق في الوصف على ما قد يجاوز قدرة الخليفة دع وزيره، يبقى من القصة طرف صالح، يصح أن يحكم به على نعمة أحمد في عهد سيده المأمون. قالوا وكان المأمون يقول لأحمد، وقد ولي أخاه القاسم خراج السواد فجباه فضلا مما جباه غيره في سائر أيام المأمون: يا أحمد، القاسم يجمع، ونحن نفرق. عن محمد بن عبد الملك قال: يا أحمد بن يوسف الكتاب على ظهر يد ألفي ألف درهم تفاريق.
ومن أظهر صفات أحمد بن يوسف، وهذه هي التي كان يعجب بها المأمون، شدة عارضته، وقوة بديهته، والبديهة يظهر أثرها في تدبير الملك، وما يعرض للخليفة من شؤون تحتاج إلى أن يبت فيها حالا من جواب على سؤال، وإعطاء رأي في معضلة، في ساعة يكون فيها الكاتب قد عاوده السأم والتعب، واضطراب النفس وموت الخاطر، وقد تطلب إليه معالجة أصعب الموضوعات، في أضيق الأوقات وأتعب الساعات.
ذكروا أن احمد جلس يوما وهو وزير يقرأ الكتب بين يدي المأمون فمرت قصة أصحاب الصدقات، فقال المأمون لأحمد: أنظر في أمرهم قد كثر ضجيجهم، فقال: قد نظرت في أمرهم وفررته، ولكنهم أهل تعد وظلم، وبالباب منهم جماعة، فقال المأمون: أدخلوا إلي، فدخلوا فناظروه فاتجهت الحجة عليهم فقال أحمد: هؤلاء ظلموا رسول الله كيف يرضون بعده، قال الله عز وجل (ومنهم من يلمزك
Page 190