[126_2]
بعد الخبرة بطرائقه، والمعرفة بوفائه ومودته وشكره، ولا ينبغي أن يختصوا بذلك قريبا لقرابته، إذا كان غير محتمل للصنيعة، ولا أن يمنعوا معروفهم ورفدهم للبعيد، إذا كان يقيم بنفسه وما يقدر عليه، لأنه يكون حينئذ عارفا بحق ما اصطنع إليه، مؤديا للشكر ما أنعم عليه، محمودا بالنصح، معروفا بالخير، صدوقا عارفا، مؤثرا لحميد الفعال والقول، وكذلك كل من عرف بالخصال المحمودة، ووثق منه بها كان للمعروف موضعا، ولتقريبه واصطناعه أهلا، فإن الطبيب الرفيق العاقل لا يقدر على مداواة المريض إلا بعد النظر إليه، والجس لعروقه، ومعرفة طبيعته ، وسبب علته، فإذا عرف ذلك كله حق معرفته أقدم على مداواته، فكذلك العاقل لا ينبغي له أن يصطفى أحدا ولا يستخلصه ألا بعد الخبرة، فإن من أقدم على مشهور العدالة من غير اختيار كان مخاطرا في ذلك ومشرفا منه على هلاك وفساد. ومع ذلك ربما صنع الإنسان المعروف مع الضعيف الذي لم يجرب شكره، ولم يعرف حاله في طبائعه، فيقوم بشكر ذلك ويكافئ عليه أحسن المكافأة. وربما تحذر العاقل من الناس ولم يأمن على نفسه أحدا منهم. وقد يأخذ أبن عرس فيدخله في كمه، ويخرجه من الآخر، كالذي يحمل الطائر على يده، فإذا صاد شيئا انتفع به وأطعمه منه. وقد قيل لا ينبغي لذي العاقل أن يحتقر صغيرا ولا كبيرا من الناس، ولا من البهائم، ولكنه جدير بإن يبلوهم ويكون ما يصنع إليهم على قدر ما يرى منهم.
46 - لا يخفي فضل ذي العلم وإن أخفاه، كالمسك يخبي ويستر، ثم لا يمنع ذلك رائحته أن تفوح. الرجل ذو المروءة يكرم على غير مال كالأسد يهاب وإن كان رابضا، والرجل الذي لا مروءة له يهان وإن كان غنيا، كالكلب يهون على الناس وإن عس وطوف. المودة بين الصالحين سريع اتصالها بطئ انقطاعها، كآنية الذهب التي هي بطيئة الانكسار، هينة الإعادة، والمودة بين الأشرار سريع
Page 126